حبيب فياض
ثمة مؤشرات ظاهرة يمكن استجماعها في سبيل تشكيل رؤية أولية لفهم خلفيات قرار القاهرة إحياء برنامجها النووي بعد عشرين سنة من إيقافه.. بدءاً من المؤشرات الداخلية المتعلقة بتلميع صورة جمال مبارك نجل الرئيس المصري ومحاولة استقطابه الرأي الداخلي وتكريسه رئيساً مستقبلياً للبلاد،
وصولاً الى حاجة مصر الفعلية للطاقة النووية في ظل ما يمكن ان يوفره استخدام هذه الطاقة على خزانة الدولة، وخاصة ان مصر دولة غير نفطية وتعاني مشاكل اقتصادية وان العالم يتجه تلقائياً نحو الطاقة النووية بديلاً من الطاقة الحفرية، باهظة الثمن والآيلة الى النضوب على حد سواء.
بيد ان الامور لا تقف عند هذا الحد، وثمة في البيان ما هو أبعد من ذلك، إذ السؤال يبقى مبرراً حول التوقيت الذي اختارته القاهرة لإحياء مشروعها النووي ومدى جديتها في تنفيذه، وذلك على رغم اللغة الحاسمة التي تحدث بها المجلس الأعلى للطاقة المصري حيث قرر «البدء الفوري بدرس البديل النووي للحصول على الطاقة نظراً إلى تزايد الحاجة الى الطاقة في مصر بصورة متزايدة»، ويتفرع عن ذلك سؤال آخر أكثر أهمية، عن انعكاسات هذا القرار وتداعياته على الأزمة النووية الايرانية، وتحديداً على التعاطي الاقليمي والدولي في هذه الأزمة؟
من الممكن ان تكون مصر ماضية بالفعل نحو امتلاك الطاقة النووية انطلاقاً من حاجتها الماسة إليها، لكن من المستبعد ان تتخذ الحكومة المصرية مثل هذه الخطوة من دون الحصول على موافقة مسبقة من الولايات المتحدة وبالتالي إسرائيل، وهو ما أكدته مصادر صحافية من ان القاهرة أجرت مباحثات طويلة أخيراً مع تل أبيب قدمت فيها تطمينات بأن برنامجها النووي سيبقى محصوراً في المجالات السلمية!!
لكن مع الالتفات الى ان التوجه الاميركي في المنطقة محكوم بإبقاء التقنية النووية حكراً على إسرائيل من دون الدول المجاورة لها أو تلك التي من الممكن ان تشكل، يوماً ما، خطراً عليها، (وهو ما يفسّر الإصرار الاميركي ـ الاسرائيلي على حرمان ايران من حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية على رغم الضمانات التي قدمتها طهران إلى المجتمع الدولي في هذا المجال)... مع الالتفات الى ذلك تترجّح فرضية ان فتح الملف النووي المصري في هذا الوقت بالذات وبالتزامن مع العاصفة الدولية المعترضة على أنشطة إيران النووية لا يراد منه حصول القاهرة، في نهاية المطاف، على الطاقة النووية بمقدار ما يراد منه إحراج إيران وإضعاف موقفها. ذلك انه بدلاً من ان تقتدي القاهرة بطهران لناحية تمسكها بحقوقها النووية حتى نهاية الخط، سيكون مطلوباً من طهران الاقتداء بالقاهرة التي لن تلبث ان تتراجع، لاحقاً، عن أحلامها النووية تحت وطأة الاعتراضات الدولية والاقليمية المرتقب بروزها استنكاراً لتفكير مصر بمفاعلات نووية سلمية.. الأمر الذي سيشكل حجة إضافية لدى المعسكر الغربي لزيادة ضغوطه على طهران بهدف دفعها الى التخلي، حداً أدنى، عن تخصيب اليورانيوم.
لكن من الواضح ان الملفين النوويين الايراني والمصري سيبقيان منفصلين ولن يؤثر أحدهما على الآخر.. إذ تراجع المصريين عن حقوقهم النووية لن يحبط الايرانيين، وإن نجاحات ايران النووية لن تدفع المصريين الى التمسك بحقوقهم النووية حتى نهاية الخط.
لقد أوقفت القاهرة العمل بمشروعها النووي وهو في بداياته عام 86 «اتّعاظاً» بالخلل الذي أصاب مفاعل تشرنوبيل الأوكراني..
فهل ننتظر اليوم «خللاً» ما يعيد تأجيل النشاط النووي المصري عشرين سنة أخرى حيث ستكون الطاقة النووية آنذاك حاجة لا غنى عنها.