عصام نعمان*
نائب الرئيس الإيراني برويز داوودي هدّد بأن بلاده ستردّ «بشكل صاعق» على أيّ اعتداء محتمل من الولايات المتحدة أو إسرائيل. رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني حذّر من أن الأميركيين «يفكرون في العدوان من جديد وأن إسرائيل ستتعرض لردّ لم تشهده من قبل إذا هاجمت لبنان مجدداً». القائد العام للجيش الإيراني الجنرال عطاء الله صالحي هدد بـ«إلحاق الهزيمة بالعدو» في أي مجال يشن فيه هجوماً على بلاده التي قال إنها ليست في حاجة إلى أسلحة غير تقليدية، كيميائية أو نووية، بفضل قدراتها الناجمة من اختراع الأسلحة البحرية والبرية والجوية التقليدية وابتداعها وتحسينها.
تصريحات المسؤولين الإيرانيين الثلاثة جاءت تعقيباً على تحليلات وتسريبات متعددة المصادر تشير إلى مخططات واستعدادات وسيناريوهات أميركية وإسرائيلية تهدف إلى توجيه ضربات استباقية، وُصفت بأنها ستكون حاسمة، ضد البنى التحتية لكل من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة والضفة الغربية، وضد حزب الله في لبنان، وبالتالي ضد سوريا، تمهيداً لشن حرب تدميرية شاملة ضد إيران. وكانت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية قد نقلت عن مصادر إسرائيلية، سياسية وعسكرية، أن تل أبيب تستعد لخوض حرب محتملة ضد سوريا وإيران، وان مصادر مطلعة ردّت هذا التطور في التفكير الاستراتيجي لإسرائيل إلى صراعها الأخير مع حزب الله وتداعياته والدروس المستفادة منه. من هذه الدروس خطأ الانشغال طويلاً بالمنظمات الفلسطينية المسلحة بدلاً من التركيز على إيران وسوريا من حيث أنهما «أكبر دولتين مصدّرتين للإرهاب في المنطقة وتشكّلان خطراً عظيماً على الوجود الإسرائيلي». الحقيقة ان القيادة العسكرية العليا في إسرائيل كانت قد تنبّهت لهذا «الخطر العظيم» قبل شنّ حربها على لبنان بفترة قصيرة، إذ عيّنت الجنرال اليعيز شكيدي في منصبٍ مهمته متابعة «الجبهة الإيرانية»، وبالتالي قيادة أية ضربات استباقية ضد إيران وسوريا. وتقول «صنداي تايمز» ان القلق الإسرائيلي انبعث غداة توقيع «معاهدة التعاون الدفاعي» بين سوريا وإيران في 15 حزيران/يونيو الماضي لمواجهة التهديدات الإسرائيلية. وألمحت الصحيفة البريطانية إلى ان «البنتـاغون» (وزارة الدفاع الأميركية) لا يكترث للقائلين بأن الحرب على سوريا قد تطلق العنان لإرهاب الإسلاميين المتطرفين لأنه «إذا غرقت سوريا في الفوضى، فسينشغل بعضهم ببعض بدلاً من الانشغال بالتطلع نحو القدس». أما رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال دان حالوتس فقد أبدى رأياً لافتـــاً: «علينا أن نغيّر المعادلة ونعيد رسم المشهد وننطلق من قاعدة انه إذا أردت أن تُجهز على الأفعى فلا بدّ من أن تسحق رأسها». الرأس هنا هي سوريا والذيل هو حزب الله.
ما دوافع الحرب الاستباقية ضد كل هذه القوى والدول؟
يبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وفق تقرير استراتيجي إسرائيلي، قرار الحرب بأنه يلبّي حاجة داخلية بقدر ما يلبي حاجة إقليمية وأخرى دولية. الحاجة الداخلية هي استنقاذ هيبة إسرائيل كقوة رادعة، الأمر الذي ينقذ تالياً مستقبله السياسي ويحول دون تفكك حزب «كاديما». الحاجة الإقليمية هي معالجة قلق دول عربية من خطورة الوضع قبل الحرب على لبنان وبعدها. الحاجة الدولية هي مشاركة الولايات المتحدة قلقها ورفضها «للنتائج التي لا تُحتمل الناجمة من المواجهة الأخيرة في لبنان».
ثمة دافع آخر لشن الحرب. انه احتمال قوي بأن تفشل المفاوضات في الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يرجّح لجوء الولايات المتحدة إلى خيار الحرب لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية أو تأخير موعد حصولها عليها. إلى ذلـك، يساعد «تأديب» إيران إدارة بوش في ترتيب خروج لائق لقواتها من المستنقع العراقي. هنا يثور سؤالان: لماذا حرب أميركا المحتملة على إيران تستدعي، بادئ الأمر، حرباً إسرائيلية على منظمات المقاومة في فلسطين ولبنان، بموازاة الحرب على سوريا أو بعدها؟ ثم لماذا تهدد إيران بضرب إسرائيل إذا هاجمت لبنان؟
الحقيقة ان حرب إسرائيل على منظمات المقاومة الفلسطينية، ولا سيما على «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، سابقة للحرب الأخيرة على لبنان. التطور المستجد هو ان اعتزام إسرائيل المشاركة في الحرب المحتملة على إيران يضطرها إلى التعجيل في محاولة تقويض المقاومة الفلسطينية بغية الحؤول بينها وبين استنزاف الجيش الإسرائيلي بعد اندلاع الحرب. هذا فضلاً عن وجود مصلحة لإسرائيل في منع المقاومة الفلسطينية من استثمار انتصار حزب الله خلال حربها الأخيرة على لبنان والاستفادة من أي دعم يمكن ان يقدمه لها في صراعها المديد مع الكيان الصهيوني. أما بالنسبة إلى حزب الله فإن عودة إسرائيل إلى الاشتباك معه مردّها إلى سببين: الأول، رغبة إسرائيل في استعادة هيبتها بعد هزيمتها أمام مجاهدي حزب الله. الثاني، محاولة تدمير قدرات حزب الله للحؤول دون مشاركته عسكرياً في دعم سوريا عند قيام إسرائيل بشن الحرب عليها، وخصوصاً إذا أصبح وادي البقاع اللبناني أحد محاور الهجوم البري الإسرائيلي المحتمل. لإيـران دافع استراتيجي واضح للردّ عسكرياً على إسرائيل إذا هاجمت لبنـان. ذلك ان الهجوم الإسرائيلي المحتمل على لبنان سيأتي، وفق تقديرها، في سياق هجوم شامل على سوريا، الأمر الذي يستوجب رداً إيرانياً متكاملاً. حتى لو اقتصر الهجوم الإسرائيلي على قيادات ومواقع ومخابئ أسلحة حزب الله في لبنان فقط، فإن صلة ذلك بالهجوم الأوسع المرتقب على سوريا لن يغيب عن ذهن القيادة العليا في إيران. وبما ان البلدين مرتبطان بمعاهدة للتعاون الدفاعي فإن أيّ هجوم على لبنان، بما هو خاصرة سوريا اليمنى، يقتضي في هذا المنظور الاستراتيجي اعتباره هجوماً على سوريا وبالتالي على إيران.
إن جميع التحليلات والسيناريوهات المارّ ذكرها تبقى حبراً على ورق اذا لم تكن الولايات المتحدة في صدد شنّ حرب على إيران. احتمال عدم الحرب وارد في حال توصّل الدولتين بالمفاوضات الى تسوية مناسبة للملف النووي الإيراني، أو اقتناع واشنطن بأن كلفة الحرب باهظة إلى درجة تحجب مكاسبها المحتملة. مع ذلك تبدو التسوية، في نظري، بعيدة لسبب غير بسيط هو ان إيران أضحت قوة إقليمية مركزية من شأنها تهديد مصالح الغرب الأطلسي، ولا سيما الولايات المتحدة، في منطقة مترعة بمنابع النفط والمضائق الاستراتيجية والفرص الاستثمارية حتى لو تخلّت عن الخيار النووي. هذه الحقيقة كافية بحد ذاتها لدفع أميركا الى محاولة تدمير ايران على نحوٍ يعطل قدراتها الذاتية ودورها الإقليمي. أما بهاظة كلفة الحرب فهي احتمال أكثر حضوراً وإن لم يكن أكيداً وحاسماً.
التخمين الأكثر واقعية هو افتراض أسوأ الاحتمالات.
* وزير ونائب سابق - محام وكاتبالحرب على إيران تبدأ في سوريا ولبنان؟
عصام نعمان*
نائب الرئيس الإيراني برويز داوودي هدّد بأن بلاده ستردّ «بشكل صاعق» على أيّ اعتداء محتمل من الولايات المتحدة أو إسرائيل. رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني حذّر من أن الأميركيين «يفكرون في العدوان من جديد وأن إسرائيل ستتعرض لردّ لم تشهده من قبل إذا هاجمت لبنان مجدداً». القائد العام للجيش الإيراني الجنرال عطاء الله صالحي هدد بـ«إلحاق الهزيمة بالعدو» في أي مجال يشن فيه هجوماً على بلاده التي قال إنها ليست في حاجة إلى أسلحة غير تقليدية، كيميائية أو نووية، بفضل قدراتها الناجمة من اختراع الأسلحة البحرية والبرية والجوية التقليدية وابتداعها وتحسينها.
تصريحات المسؤولين الإيرانيين الثلاثة جاءت تعقيباً على تحليلات وتسريبات متعددة المصادر تشير إلى مخططات واستعدادات وسيناريوهات أميركية وإسرائيلية تهدف إلى توجيه ضربات استباقية، وُصفت بأنها ستكون حاسمة، ضد البنى التحتية لكل من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة والضفة الغربية، وضد حزب الله في لبنان، وبالتالي ضد سوريا، تمهيداً لشن حرب تدميرية شاملة ضد إيران. وكانت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية قد نقلت عن مصادر إسرائيلية، سياسية وعسكرية، أن تل أبيب تستعد لخوض حرب محتملة ضد سوريا وإيران، وان مصادر مطلعة ردّت هذا التطور في التفكير الاستراتيجي لإسرائيل إلى صراعها الأخير مع حزب الله وتداعياته والدروس المستفادة منه. من هذه الدروس خطأ الانشغال طويلاً بالمنظمات الفلسطينية المسلحة بدلاً من التركيز على إيران وسوريا من حيث أنهما «أكبر دولتين مصدّرتين للإرهاب في المنطقة وتشكّلان خطراً عظيماً على الوجود الإسرائيلي». الحقيقة ان القيادة العسكرية العليا في إسرائيل كانت قد تنبّهت لهذا «الخطر العظيم» قبل شنّ حربها على لبنان بفترة قصيرة، إذ عيّنت الجنرال اليعيز شكيدي في منصبٍ مهمته متابعة «الجبهة الإيرانية»، وبالتالي قيادة أية ضربات استباقية ضد إيران وسوريا. وتقول «صنداي تايمز» ان القلق الإسرائيلي انبعث غداة توقيع «معاهدة التعاون الدفاعي» بين سوريا وإيران في 15 حزيران/يونيو الماضي لمواجهة التهديدات الإسرائيلية. وألمحت الصحيفة البريطانية إلى ان «البنتـاغون» (وزارة الدفاع الأميركية) لا يكترث للقائلين بأن الحرب على سوريا قد تطلق العنان لإرهاب الإسلاميين المتطرفين لأنه «إذا غرقت سوريا في الفوضى، فسينشغل بعضهم ببعض بدلاً من الانشغال بالتطلع نحو القدس». أما رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال دان حالوتس فقد أبدى رأياً لافتـــاً: «علينا أن نغيّر المعادلة ونعيد رسم المشهد وننطلق من قاعدة انه إذا أردت أن تُجهز على الأفعى فلا بدّ من أن تسحق رأسها». الرأس هنا هي سوريا والذيل هو حزب الله.
ما دوافع الحرب الاستباقية ضد كل هذه القوى والدول؟
يبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وفق تقرير استراتيجي إسرائيلي، قرار الحرب بأنه يلبّي حاجة داخلية بقدر ما يلبي حاجة إقليمية وأخرى دولية. الحاجة الداخلية هي استنقاذ هيبة إسرائيل كقوة رادعة، الأمر الذي ينقذ تالياً مستقبله السياسي ويحول دون تفكك حزب «كاديما». الحاجة الإقليمية هي معالجة قلق دول عربية من خطورة الوضع قبل الحرب على لبنان وبعدها. الحاجة الدولية هي مشاركة الولايات المتحدة قلقها ورفضها «للنتائج التي لا تُحتمل الناجمة من المواجهة الأخيرة في لبنان».
ثمة دافع آخر لشن الحرب. انه احتمال قوي بأن تفشل المفاوضات في الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يرجّح لجوء الولايات المتحدة إلى خيار الحرب لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية أو تأخير موعد حصولها عليها. إلى ذلـك، يساعد «تأديب» إيران إدارة بوش في ترتيب خروج لائق لقواتها من المستنقع العراقي. هنا يثور سؤالان: لماذا حرب أميركا المحتملة على إيران تستدعي، بادئ الأمر، حرباً إسرائيلية على منظمات المقاومة في فلسطين ولبنان، بموازاة الحرب على سوريا أو بعدها؟ ثم لماذا تهدد إيران بضرب إسرائيل إذا هاجمت لبنان؟
الحقيقة ان حرب إسرائيل على منظمات المقاومة الفلسطينية، ولا سيما على «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، سابقة للحرب الأخيرة على لبنان. التطور المستجد هو ان اعتزام إسرائيل المشاركة في الحرب المحتملة على إيران يضطرها إلى التعجيل في محاولة تقويض المقاومة الفلسطينية بغية الحؤول بينها وبين استنزاف الجيش الإسرائيلي بعد اندلاع الحرب. هذا فضلاً عن وجود مصلحة لإسرائيل في منع المقاومة الفلسطينية من استثمار انتصار حزب الله خلال حربها الأخيرة على لبنان والاستفادة من أي دعم يمكن ان يقدمه لها في صراعها المديد مع الكيان الصهيوني. أما بالنسبة إلى حزب الله فإن عودة إسرائيل إلى الاشتباك معه مردّها إلى سببين: الأول، رغبة إسرائيل في استعادة هيبتها بعد هزيمتها أمام مجاهدي حزب الله. الثاني، محاولة تدمير قدرات حزب الله للحؤول دون مشاركته عسكرياً في دعم سوريا عند قيام إسرائيل بشن الحرب عليها، وخصوصاً إذا أصبح وادي البقاع اللبناني أحد محاور الهجوم البري الإسرائيلي المحتمل. لإيـران دافع استراتيجي واضح للردّ عسكرياً على إسرائيل إذا هاجمت لبنـان. ذلك ان الهجوم الإسرائيلي المحتمل على لبنان سيأتي، وفق تقديرها، في سياق هجوم شامل على سوريا، الأمر الذي يستوجب رداً إيرانياً متكاملاً. حتى لو اقتصر الهجوم الإسرائيلي على قيادات ومواقع ومخابئ أسلحة حزب الله في لبنان فقط، فإن صلة ذلك بالهجوم الأوسع المرتقب على سوريا لن يغيب عن ذهن القيادة العليا في إيران. وبما ان البلدين مرتبطان بمعاهدة للتعاون الدفاعي فإن أيّ هجوم على لبنان، بما هو خاصرة سوريا اليمنى، يقتضي في هذا المنظور الاستراتيجي اعتباره هجوماً على سوريا وبالتالي على إيران.
إن جميع التحليلات والسيناريوهات المارّ ذكرها تبقى حبراً على ورق اذا لم تكن الولايات المتحدة في صدد شنّ حرب على إيران. احتمال عدم الحرب وارد في حال توصّل الدولتين بالمفاوضات الى تسوية مناسبة للملف النووي الإيراني، أو اقتناع واشنطن بأن كلفة الحرب باهظة إلى درجة تحجب مكاسبها المحتملة. مع ذلك تبدو التسوية، في نظري، بعيدة لسبب غير بسيط هو ان إيران أضحت قوة إقليمية مركزية من شأنها تهديد مصالح الغرب الأطلسي، ولا سيما الولايات المتحدة، في منطقة مترعة بمنابع النفط والمضائق الاستراتيجية والفرص الاستثمارية حتى لو تخلّت عن الخيار النووي. هذه الحقيقة كافية بحد ذاتها لدفع أميركا الى محاولة تدمير ايران على نحوٍ يعطل قدراتها الذاتية ودورها الإقليمي. أما بهاظة كلفة الحرب فهي احتمال أكثر حضوراً وإن لم يكن أكيداً وحاسماً.
التخمين الأكثر واقعية هو افتراض أسوأ الاحتمالات.
* وزير ونائب سابق - محام وكاتب