فادي عرمان
تكثر، هذه الفترة، في الصحافة الغربية مقالات تفصّل خسوف الليبراليين، وعزلة الإصلاحيين ومعاناتهم، وتعبّر عن قلقها المتفاقم من صعود نجم الظلاميين في هذه الرقعة من العالم. فيشكو مهندس مدني أردني لصحيفة «نيويورك تايمز» (9 آب 2006) من أن «لا مكان للمعتدلين مثلي في الشارع. كلنا ضد الهجوم الإسرائيلي على لبنان، ولكنني أيضاً ضد ضرب المدن الإسرائيلية حيث يوجد المدنيون. لو حاولت قول ذلك علناً، وليس على الهاتف، لتعرّضت للضرب. في حرب كهذه، وحدهم المتطرفون يمتلكون الشارع».
ليست الآراء الشخصيّة للسيّد المهندس هي ما يستحق التعليق هنا، إنّما اهتمام أكبر وأعرق صحيفة أميركيّة، إضافة إلى وسائل إعلامية أخرى، بنشر مواضيع كهذه في مثل هذا الوقت.
ففي خضم العدوان الإسرائيلي الذي لم يتوقّف عن ارتكاب المجازر والتهجير والتدمير لمناطق ومرافق حيوية لبنانية، تحترق قلوب الصحافة العالمية على المصائر الافتراضيّة للإصلاحيين والمعتدلين. فتحتل هواجسهم ونداءات الاستغاثة التي يطلقونها من نوع «لا مكان لي تحت هذه الشمس بعد اليوم. فقد ربح الظلاميّون المعركة، وسرقوا آمال الشباب بغدٍ أفضل»، مساحات في الإعلام العالمي أوسع بكثير من حجم تمثيلهم الشعبي. وهذا أمر منافٍ لتوجّهاتهم الديموقراطية.
أمّا مَن قُتل وهُجّر وحوصر ووُسم جسده بالفوسفور الحارق، فلا اسم له ولا قصّة، ولا تاريخ، ولا آمال بغدٍ أفضل. في زاوية صغيرة في أسفل الصحف، يُحبس كلّ هؤلاء في جدول يعطي لهم شرف تصدّره قبل الجسور والمصانع ومحطات الوقود. جداول كالتي تُدرج في خلاصات الاختبارات العلمية، تلخّص، تكثّف، وتُبرّز بأناقة الحقيقة المجرّدة التي لا تتحمّل كثرة الكلام، وخصوصاً إذا كان الكلام عاطفياً ومناقضاً للعقلانية العلمية! لا يحق لهؤلاء التذمّر أصلاً من حشرهم في الجداول. فهُم، إن لم يكونوا من المتطرّفين الذين يسدّون آفاق المستقبل في العالم العربي، فهم يشكّلون الحاضنة الشعبية والعمود الفقري لسارقي
الأحلام.
لقد أحبط «التوقيت الخاطئ» لعملية حزب الله (هل هو نتيجة امتثال لأمر عمليات من «محور الشرّ»؟) آمال من كان يرى أحلاماً وردية في الإصلاح والديموقراطية، أحلام لا تتّسع لمفردات من العصور البائدة. لقد أُحبِط من تغاضى ــ حدّاً أدنى ــ عن وجوده على تخوم دولة استيطانيّة هي ليست فقط موطناً قومياً ليهود العالم، إنمّا تقوم أيضاً بتنفيذ دورها في تفتيت ما تبقى من إرادة استقلالية في هذه الرقعة من العالم.