هوية أزلية

«ما صار شي.. كلّو بعدو موجود.. شوفو.. هياهن الوراق كلـُّن بعدن معي.. ياحوي الباسبور وهاي هيي الهوية.. ما صار شي»
يهلوس الرجل الخارج من بين الركام والذي فقد للتو أفراد عائلته.
الجريمة الكاملة تُعاد مرة ثانية.. وثالثة .. وعاشرة: دفنّا عائلاتنا وعدنا لنحيا. نمارس حياةً تـَسْعون لاصطيادها ونزيل خراباً أنتم صانعوه.

الولد بات يعرف أنكم تعادلون القيء.
والجدّة لا زالت ترميكم بدعاوى ربّانية قاتلة.
أما الكاتب صاحب هذه السطور فسينتفض على محاولتكم جعل هذه المقالة ورقة نعي. هوية المقالة التي حاولتم أسرها ستعود كما كانت سابقاً: تحمل الحنين لقصصٍ عاشت في الذاكرة والمكر على واقعٍ مرير.ألتقط المحمول وأعيد قراءة رسالة وصلتني مع بداية الحرب يوم كانت المشاعر مرتبكة والمنطق غائب.
«سنعاود اللقاء في بيروت. سنضحك وتسألني عن تفاصيل يومي. سأغني.. لا! بل سنغني سويةً.. سويةً يا صديقي».
رسالة أخرى تشي بحس الفكاهة السوداء:
«أنا هون والقصف برا.. جايي ع بالي ملوخية.. إنت برا ما إجى ع بالك لجوء سياسي؟»
هي المرة الأولى التي لا أهرب فيها من السياسة. أَلأنّ الموضوع بات شخصياً؟ أعلم بأنني إن كنتُ اخترت الحياد ــ بدافع يأسٍ متراكم ــ فسأقبل نتيجة هذه الحرب من دون أن يكون لي دورٌ فيها.
اتخذت قراري.. مع الصافرة الأولى لانطلاق حياتي المهنية فعلياً، سأبادر إلى تبنّي ولد يعيش إحدى مآسي النظام العالمي الجديد (الذي لم يعد جديداً) في إحدى بقاع العالم الساخنة. لا يهمّني دينه ولا شكله ولا إن كان يحمل في جسده مرضاً قاتلاً. سأحاول انتشاله من ساحة الموت المفروضة قسراً وأرتاح من جلد الذات علّني أنعم بطمأنينة تقترب من سلام مفترَض.
أمقت هذه الدعوات المتمدّنة لفرض استسلام بداعي التحضّر، وأراه سلاماً يشي بجهل طالبيه للتاريخ. يذكرونني بحفلات انتخاب ملكات الجمال. أنظروا أيها المسالمون إلى الحصيلة النهائية، وأوقفوا ترهاتكم عن بادئي الحرب. أعيدوا الزمن إلى الوراء وأدخـِلوا عنزةً إلى ما وراء الحدود لتروا الأحداث تـُعاد بسبب عنزة.
أنظروا إلى سرعة الأحداث.. لاحظوا أنها تشير إلى المسودّة التي كانت موضوعة على الرف.
ويا رافضي الهزيمة خلف الحدود، تريدون معرفة الحصيلة النهائية؟
لم تصدِّقوا بعد أنكم تجاورون مسودّتكم عينها.. على الرف عينه؟
يا من أردتم احتكار القضاء والقدر فلتنظروا إلى قدركم الزائل تقتربون منه بمقدار تقلّص أهدافكم يوماً بعد يوم.
لم تنجحوا إلا في التدمير وقنص الأرواح.
لم تنجحوا إلا في جعلنا نكرهكم أكثر. وللعلم والخبر، سنورِّث هذا الكره.. لأولادنا.
الولد الذي لم يتمّ بعد عقده الأول يقف في الشرفة المطلة على ما تبقى من الضاحية. ترفعه أمه قليلاً ليرى موقع منزله. يشير إليه ويقول:
«ماما.. هونيك البيت.. ماما.. معليه إذا سبيت؟»
تستفهم أمه عن سبب سؤاله فيجيب:
«بدي سب اسرائيل.. بدي ألبطها بإجري.. معليه؟»

هلال شومان
برادفورد ــ إنكلترة



يوم الانتصار

يا لها من صور ومشاهد رائعة، عودة النازحين الى بيوتهم وديارهم وأرزاقهم.
عادوا من بيوت حلّوا بها معززين مكرّمين لدى إخوة لهم في الوطنية والإنسانية من مختلف الطوائف والمذاهب والفئات. احتضنوهم بكل محبة في مواقف جسّدت التزاماً عظيماً وعبّرت عن وحدة وطنية صادقة، حمت لبنان عبر الزمن من المؤامرات والأطماع الخارجية، ولا تزال حتى اليوم الضمانة الأكيدة لاستمرار وطننا العزيز الغالي.
هنيئاً للوطن الذي توحّدت إرادة أبنائه في التصدي لعدو عنصري وحشي مجرم، يستهدف إنسانه وعمرانه وأمنه واستقراره ووحدة أبنائه، وهنيئاً للمقاومة الإسلامية البطلة وقيادتها الحكيمة الشجاعة على هذا الانتصار العظيم الذي أدهش العالم. رجال أشدّاء بواسل، ألحقوا هزيمة نكراء بجيش يعتبر نفسه أسطورياً لا يُقهر.

صباح أرسلان سعيد