إرادة الحياة

إرادة الحياة تغلّبت على همجية الموت. لكن ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها، لمَ اندلعت الحرب وكيف وقفت؟ ماذا تحقق فعلاً؟ هل هدفت «المقاومة» فعلاً الى تحرير الأسرى واسترجاع ما تبقى من الأرض «اللبنانية»؟ هل كان هدف الإسرائيليين إقامة منطقة منزوعة من السلاح لحماية الحدود الشمالية؟
انها الأسئلة التي يطرحها المراقبون، ومواطنون مهتمّون، ولا أجوبة واضحة. البنية التحتية سيعاد تشييدها. يبقى أن الأبطال الحقيقيين هم من ذهبوا ضحية القنابل والقصف، والذين عملوا لاستعادة الأمن وتوقف القتال، فضلاً عن الذين قاتلوا، حتى لغايات تعدّت الأهداف الوطنية. المهمّ اليوم أن نغتنم فرصة النصر الذي تحقق، لبناء دولة حقيقية، وسبيل ذلك تغيير يطاول النفوس والنصوص.
لقد برهن الرئيس فؤاد السنيورة على أنه رجل دولة. نظر الى المأساة من زاوية ديبلوماسية شاملة. وهي نظرة ينبغي أن تعززها دولة قادرة بجيشها ومقاومتها، دولة تحتضن المقاومة نفسها، ذات المضمون الوطني لا الطائفي، وتنسّق تحركاتها وسائر دول الأمة العربية.
ينبغي، لـ«الشارع» العربي وحتى الاسلامي، أن يحرك جمود الانظمة القائمة. اما أن يبقى لبنان ساحةً تضغط عليها انظمة خائفة ومرتهنة، فهذا ما يرفضه كل لبناني، لأن من شأنه
ألا يوفر احداً حتى أولئك الذين يرون انفسهم لبنانيين اكثر من سواهم.
د. جهاد نعمان


الابطال الجدد

برغم ما ينتظر المقاومة وأبطالها من احتمالات الطعن في الانتصار المجيد، فإن الدرس الذي أبدعوه في مواجهة القوة الاشرس في المنطقة لن يكون من دون نتائج. بعد اليوم، لن يستطيع أدعياء السيادة والاستقلال الاستمرار في المزايدات التي درجوا عليها طيلة السنة الماضية.
لقد اثبت رجال المقاومة صحة الخيار السياسي وصوابه، واستطاعوا عبر الإصرار، أن يهزموا العدوّ وأن يعطوا الوطن انتصاراً حقيقياً لا لبس فيه.
المتربصون كثر. حماية الانتصار أصعب من الانتصار. وواجب المقاومة وقائدها الدفاع عن هذا الانتصار الثمين الذي ما كان له أن يتحقق لولا الإرادة الصلبة.
نضال الزين


صفحة مضيئة

في تاريخ أمتنا العربية صفحات مضيئة، يجدر التوقف عندها والاستلهام منها، ومن هذه الصفحات حادثة استفزاز القوات البريطانية المحتلة إهانة الحكومة المصرية، ومحاولة إهانتها، لكي ترجع عن قرارها إلغاء المعاهدة مع بريطانيا.
ففي صبيحة 25 كانون الثاني 1952، استدعى القائد البريطاني في منطقة قناة السويس ضابط الاتصال المصري، وسلّمه إنذاراً بوجوب تسليم قوات الشرطة المصرية في مدينة الإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وإخلاء دار المحافظة والثكن، والرحيل عن منطقة القناة كلها. محافظة الإسماعيلية رفضت الإنذار البريطاني، وقررت المقاومة وعدم الاستسلام.
وقبل غروب شمس ذلك اليوم، حاصرت الدبابات والمصفحات البريطانية مبنى المحافظة.
واستخدم البريطانيون كل ما كان معهم من الأسلحة في قصف مبنى المحافظة، وظلّ أفراد الشرطة البواسل يقاومون حتى آخر طلقة. وأسفر القتال عن سقوط خمسين شهيداً، وأصابة نحو ثمانين، ووقوع آخرين في الأسر. انتشرت أخبار الحادث في مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط، وخرجت التظاهرات حتى غصت الشوارع بالجماهير الذين راحوا ينادون بحمل السلاح ومحاربة البريطانيين. تذكّرنا هذه الحادثة بما حصل قبل ايام في ثكنة مرجعيون، ومن المثير للعجب أن أي تحقيق لم يجر مع قادة القوة الأمنية بُعيد خروجها من مرجعيون، الى أن فاجأتنا شاشات التلفزة بشريط يظهر أعلام الاستسلام البيضاء المرفوعة على ثكنة مرجعيون، وكرم الضيافة من الشاي والحلويات، والأحاديث الودّية والابتسامات المتبادلة، ثم مظاهر الذلّ في تدقيق هويات العناصر الأمنية ومصادرة أسلحتهم.
يبدو، للأسف، أن «الأمنيين» هم الذين خرجوا بحماية المدنيين في القافلة التي استُهدفت لا العكس، ونرجو آملين، أن يتناول التحقيق، حتى النهاية، كل جوانب هذه القضية المشينة، وأن يطاول جميع العناصر المعنية وقادتهم العسكريين والسياسيين على حد سواء.
عبد الفتاح خطاب