إلهام منصور*
أعتقد أنه أصبح لدى علماء النفس العرب والمسلمين رائز جديد يضيفونه الى الروائز التي أتتهم من الثقافة الغربية، وأقترح عليهم أن يطلقوا عليه اسم «رائز الانتماء». سأحاول الآن رسم خطوطه العريضة علّ علماء النفس يضعون لاحقاً أسئلته التفصيلية.
كنا طوال الفترة السابقة نسمع عبارة «فحص دم»، يرددها كل واحد يُتهَم بعدم انتمائه الى العروبة حيث كان يجيب: «أنا لست بحاجة الى فحص دم». وهو على حق لأن دمه هو دم عربي، لكن انتماءه؟ هذا هو السؤال الذي سيجيب عنه الرائز الجديد الذي يمكن صياغته على الشكل الآتي: هل شعرت بالنصر بعد هذه الحرب التي شنت على لبنان كل لبنان؟ وهو سؤال يوجّه الى كل الناس وليس الى اللبنانيين فقط. إن أجبت بالإيجاب، كان دمك وانتماؤك عربيين حرّين سيدين، هذا إن كنت عربي الهوية، ولكنهما سيكونان حرّين سيدين أصيلين إن كنت غير عربي. وإن أجبت بالنفي أو حتى بالتردد فدمك وإن كان عربياً فهو على الأقل ملتبس حتى لا نقول إنه خائن لعروبيته، وعليك استبداله كي ينسجم مع انتمائك وحتى لا يصيبك الانفصام في التكوين والبناء. فإما أن تلحق دمك بانتمائك أو أن تلحق انتماءك بدمك.
إن أجبت بالنفي فأنت، إذاً، في مصاف العبيد الزاحفين الذين لا يعرفون معنى الحرية والسيادة، أنت تابع لا يعوّل على أمثاله في اللحظات المصيرية.
من هنا، لم نعد بحاجة الى فحص دم وإلى ردود انفعالية مرضية. الحقيقة، كل الحقيقة، هي أنك واحد من اثنين: إما منتصر أو مهزوم، إما مع نفسك أو مع أسيادك الذين يدوسون على كرامتك بنعالهم، غير آبهين بك وبأمثالك، لأن الذليل هو الذي يستدرّ إذلاله.
قبل أن أنتهي من هذا الكلام بدأت أسمع طنين الأصوات النابحة: ما هذه اللغة الخشبية؟ نعم إنها لغة خشب الأرز الصلب، نعم إنها لغة خشب السنديان واللزاب والصنوبر والزيتون والصفصاف والحور و... إنها اللغة التي تدبّ في عروقي وتروي شعلة انتمائي الى الحرية الحقة والسيادة الحقة.
أما لغتهم فهنيئاً لهم بها، لغة الزاحفين تحت أقدام عولمة بوش وأمثاله من أسياد العالم الحاليين. ماذا تقول لغتهم؟ تقول وبكل براءة خبيثة: نريد السلام، ونريد الدولة؟
من منا لا يريد السلام، من منا لا يريد الدولة، ولكن السؤال هو: أي دولة وأي سلام؟ هل هو سلام الاستسلام لواقع وُضعنا فيه من دون أن نختاره؟
هل نحن اخترنا أن يزرع الكيان الصهيوني على حدودنا؟ أما الدولة، فأي دولة يريدوننا أن نستظلّ بها؟ أهي دولة التقاعس والعجز والارتماء في أحضان من يحتضن الكيان الصهيوني ويغذيه من دماء أطفالنا؟ أنا مع الدولة، ولكن الدولة القوية القادرة التي تؤمّن لجيشها ما هو مؤمّن لجيش العدو. فإن قدرت على فعل ذلك مع معلميها في العالم فسأطمئن، وأرى أن مثل هذه الدولة هي التي تحميني وتصون حريتي وكرامتي. فالدولة القادرة على منع الكيان الصهيوني من تدمير بلدي كل عشر سنوات هي الدولة التي أريد الانتماء اليها، لا الدولة العاجزة التي تحاول استدرار العطف من عظماء العالم بطأطأة رأسها على نعالهم.
لم يبق لنا سوى الخيار بين لغتين، إما اللغة التي يسمّونها خشبية أو اللغة التي أسميها لحاسة النعال. أما بالعودة الى الرائز الجديد فهو واضح وضوح الشمس: هل شعرت بالنصر أم لا؟
* استاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية