أمل سعد غريّب*
إن المصادقة على قرار الأمم المتحدة الرقم 1701 فضلاً عن التطبيق الرسمي لوقف إطلاق النار ساهما في إحياء الآمال بحلول السلام في لبنان. لكن الكثير من الأسئلة تُطرح عن قابلية استمرار هذه التسوية، أسئلة تعتمد إجاباتها بشكل كبير على وجهة نظر حزب الله تجاه العملية الدبلوماسية من جهة وعلى موقع الحزب في لبنان الخارج للتو من المعركة من جهة أخرى. لذلك فإن قضية نزع سلاح حزب الله تشكل مأزقاً محتملاً ومعقّداً من شأنه أن يؤدي إلى صراع مستمر بين إسرائيل ولبنان أو في الداخل اللبناني نفسه.
الانسجام الجزئي مع الموقف الأول للحكومة اللبنانية
لقد واظب حزب الله على الدعوة إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار منذ بدء المعارك التي انطلقت بعد 12 تموز الماضي أو ما كان يدعوه الحزب «إنهاء فوري للعدوان الإسرائيلي». وقد أبدى حزب الله معارضته لمبدأ وقف إطلاق نار جزئي يأتي في سياق رزمة سلام أشمل. وقد شرح وزير الطاقة محمد فنيش وهو عضو في حزب الله هذا الموقف حين قال إن «النقاش الدائر حول التوصل إلى حل شامل هو في رأينا غطاء لمواصلة العدوان ويسمح للولايات المتحدة بأن تبدو كأنها تبذل جهداً فيما تشن في الواقع حرباً علينا».
على رغم هذه الاعتراضات، وافقت قيادة الحزب على خطة النقاط السبع الشاملة لوقف إطلاق النار التي تقدّم بها رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بعد انطلاق النزاع بفترة قصيرة. وقد أعرب وزيرا حزب الله في الحكومة عن تحفّظات الحزب بشأن بعض بنود الخطة، لكن حزب الله ارتأى القبول بها تعزيزاً لقيام جبهة لبنانية موحدة. وبحسب فنيش الذي شارك في المداولات الحكومية، فإن الحزب وافق على خطة السنيورة وذلك «لمنع تحويل معركتنا مع إسرائيل إلى نزاع داخلي، وكي لا نُتّهم بأننا نعرقل الجهود التي من شأنها الحد من الخسائر في لبنان».
في مؤشر آخر على تناغم حزب الله مع حكومة السنيورة، وافق وزيرا الحزب على القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية في الأسبوع الأول من آب لتعبئة 15 ألف جندي لبناني استعداداً لنشرهم في الجنوب بمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار ومباشرة إسرائيل بالانسحاب من لبنان. وفي محاولة منه لشرح هذه الخطوة أمام جمهور الحزب، أشاد أمين عامه السيد حسن نصر الله بقرار الحكومة معتبراً أن «هذا سيساعد لبنان كثيراً وسيساعد أصدقاء لبنان للضغط في اتجاه تعديل مسوّدة القرار الذي يُعدّ ويُناقش في مجلس الأمن».
التشكيك بقرار الأمم المتحدة 1701
على رغم تأييد نصر الله للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، يلتزم حزب الله الحذر تجاه المبادرات الدبلوماسية للمجتمع الدولي وخصوصاً أنه لا يثق بمجلس الأمن. وقد تبدّى غياب الثقة جليّاً في وصف نصر الله للقرار 1701 بأنه «غير عادل وغير منصف» لأنه لا يلوم إسرائيل على جرائم الحرب والمجازر التي ارتكبتها بينما يحمّل حزب الله مسؤولية إطلاق شرارة العدوان. يُضاف إلى ذلك أن حزب الله رفض أثناء الحرب وفي أكثر من مناسبة أية «شروط مذلّة» تفرض عليه أو على لبنان «مهما طالت الحرب» أو «مهما عظمت التضحيات». من هنا جاءت دعوة نصر الله الحكومة في أكثر من مناسبة وخصوصاً في كلمته المتلفزة بتاريخ 9 آب إلى «الصمود» وعدم الإذعان للمطالب الأميركية ــ الإسرائيلية أثناء عملية التفاوض.
غير أن القرار 1701 قد يُعتبر في حدّه الأدنى، على رغم انتقادات حزب الله، نصراً دبلوماسياً جزئياً للحزب لأنه كان أفضل (من وجهة نظر حزب الله) من مشاريع القرارات السابقة التي رفضها حزب الله والحكومة اللبنانية على حد سواء. فبحسب نصر الله، كان القرار الأخير «الأقل سوءاً» بين جميع مشاريع القرارات الأخرى. لذلك فإن حزب الله «لن يكون عائقاً أمام أي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية» وسوف «يلتزم من دون تردد» أي اتفاق لوقف النار يتوصل إليه أمين عام الأمم المتحدة. وقد وافقت الحكومة اللبنانية في 12 آب على القرار مجتمعة بمن فيها وزيرا حزب الله على رغم إبدائهما بعض التحفّظات عليه.
التوقّعات بشأن وقف الأعمال القتالية
إن القرار 1701 يدعو إلى «وقف تام للأعمال الحربية، يقوم خصوصاً على وقف فوري لكل الهجمات من جانب حزب الله، ووقف إسرائيل الفوري لجميع العمليات العسكرية الهجومية»، على أن يلي ذلك نشر قوات تابعة للحكومة اللبنانية معزّزة بعناصر اليونيفيل في الجنوب في مقابل انسحاب موازٍ للقوات الإسرائيلية. غير أن الأكيد أن تنفيذ هذه الخطوة سيكون عملية شديدة التعقيد وقد تواجه خطر الفشل.
ولكن على رغم استجابة الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لوقف الأعمال القتالية اعتباراً من 14 آب، من المرجح جداً أن يُستأنف القتال لسببين مترابطين: أولهما رفض إسرائيل الانسحاب من لبنان قبل انتشار قوات دولية ولبنانية، وثانيهما إبداء حزب الله النية في مواصلة القتال ما بقي على الأرض اللبنانية جنود إسرائيليون، وهذا ما عبّر عنه صراحة نصر الله في 12 آب. من هنا يبدو أن هناك فترة فاصلة تقدّر من أسبوع إلى اثنين ريثما تصل قوات اليونيفيل، قد يشتعل أثناءها القتال من جديد.
الصدام الأول بين المقاومة والحكومة اللبنانية حول نزع السلاح
في انسجام تام مع خطة النقاط السبع التي وضعتها الحكومة اللبنانية، ينص القرار 1701 على أن يقتصر الوجود العسكري في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، على 15 ألف جندي من الجيش اللبناني ومثلهم من اليونيفيل. وعلى رغم أن قوة اليونيفيل لم تُمنح الصلاحيات لفرض السلام بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلاّ أنه سيكون لديها الحق في «مقاومة محاولات تجري بوسائل القوة لمنعها من القيام بواجباتها».
وكما سبق أن ذكرت فقد ارتضى حزب الله هذا الترتيب بمجرد مصادقته على خطة النقاط السبع. ويبدو أن الحزب قد أقدم على هذا التنازل متّكئاً على العلاقة المتينة التي كان قد نسجها مع ما يقارب الألف جندي لبناني المتمركزين بمحاذاة الحدود الجنوبية منذ الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000، فضلاً عن العلاقة المماثلة التي تربط الحزب بألفي عنصر من قوات اليونيفيل المنتشرة في تلك المنطقة منذ بداية الثمانينيات.
(حلقة ثالثة وأخيرة غداً)
* أستاذة مساعدة في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت. وهي مؤلفة كتاب «حزب الله: السياسة والدين» (منشورات بلوتو، لندن، 2002).