بولس خلف
ضرورة احترام “الشرعية الدولية” شعار يرفعه بعض الساسة في لبنان من أجل تفسير قبولهم بإملاءات تمس جوهر السيادة والاستقلال. يتصرف هؤلاء كأن هذه “الشرعية” من قدس الأقداس، لا يمكن رفضها أو حتى توجيه بعض الانتقادات إليها. يفتخرون بأن لبنان، هذا البلد الصغير، أصبح في صلب اهتمامات المجتمع الدولي، معدّدين القرارات التي أصدرها مجلس الأمن خلال فترة سنتين، مؤكدين باعتزاز أنه لم يحصل أبداً أن أبدت منظمة الأمم المتحدة اهتماماً بدولة كما هي الحال مع لبنان. يهدف هؤلاء الساسة من خلال تركيزهم على هذا الأمر الى ترويع أخصامهم من جهة، وبعث الثقة والطمأنينة في نفوس أنصارهم من جهة أخرى، ولكنهم فشلوا في المسألتين. فأخصامهم، الذين لا يثقون أصلاً بالمجتمع الدولي، راكموا خبرة قيّمة على مدى عقود من الزمن، سمحت لهم بابتكار تكتيكات وتطويرها لعرقلة تطبيق قرارات “الشرعية الدولية” عندما لا تتلاءم مع ما يعتبرونه المصلحة الوطنية، تارة من خلال المماطلة، كما حصل مع القرار السيء الذكر 1559، أو من خلال تفريغها من محتواها، كما يحصل الآن مع القرار 1701. وفي نهاية المطاف، تبقى القرارات حبراً على ورق ويكون وضعها حيّز التنفيذ مرتبطاً بمنظومة معقدة من موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية ومبنية على وقائع سياسية وعسكرية واجتماعية لا يمكن تجاهلها. فها هي اسرائيل، التي صدر بحقها عشرات القرارات منذ عام 1948، تستمر بسياساتها، غير آبهة بما يصدر عن مجلس الأمن، فهي تعرف أن موازين القوى هي التي تحسم المعركة. وكما برهنت الحرب الأخيرة على أن المقاومة ومن معها درسوا تجارب الماضي واستخلصوا العبر لإثبات أن خيار مواجهة اسرائيل عسكرياً بأساليب جديدة هو ممكن وواقعي، فستثبت الأيام والأسابيع المقبلة أن هذه المقاومة لا تقل براعة في المواجهة السياسية والديبلوماسية. ولن تستطيع اسرائيل ومن يحالفها في السر والعلن، في الخارج وفي الداخل، أن تعوّض سياسياً خسارتها العسكرية.
أما في ما يتعلق بأنصار هؤلاء الساسة المولعين بـ“الشرعية الدولية”، فلم تعد تنطلي عليهم الحجج القائلة إن النصر آت لا محالة لأن “العالم معنا”. فكيف يمكن مجلس الأمن، الذي فشل في استصدار إدانة صريحة لقيام اسرائيل بقتل أربعة من جنوده في جنوب لبنان، أن يدّعي أنه مؤتمن على السلم والاستقرار العالميين؟ وكيف يمكن الوثوق بقوات دولية رفضت تقديم مأوى الى نازحي مروحين ما اضطرهم الى محاولة الهروب من القرية وملاقاة الموت بقذائف الطائرات الاسرائيلية؟
وكيف يمكن أيضاً الناس أن تثق بالأمم المتحدة وهي التي تعجز عن رفع الحصار البحري والجوي عن لبنان وتسكت عن الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة لآخر قراراتها التي لم يجف حبرها بعد؟
مهما كانت توجّهاته السياسية يبقى الرأي العام بكتله المختلفة توّاقاً الى الأمن والاستقرار والى العودة السريعة للحياة الطبيعية. وها هو اليوم يرى بأمّ العين أن “الشرعية الدولية” عاجزة تماماً عن توفير أبسط الأمور.
إن الخطاب السياسي الذي بُني على فكرة ضرورة احترام “الشرعية الدولية” وعدم القدرة على مواجهتها، قد أفلس. أصبح غير صالح للاستهلاك تماماً كالبضاعة الفاسدة. ولن يستطيع السياسيون السطحيون والمسطّحون الذين عبّأوا الشارع على مدى سنتين بهذا المفهوم، أن يُخرجوا جديداً من جعبهم الفارغة.