زياد سعيد
أبرز ارتدادات العدوان على لبنان اضطرار إيهود أولمرت إلى سحب «خطة الانطواء». كان القصد منها التغطية بانسحاب آحادي من مناطق في الضفة واقتطاع أجزاء واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة، وفرض المعازل على الفلسطينيين، وضم القدس، وإنهاء حق العودة، ومنع أي تواصل مع العمق العربي. أرغم أولمرت على طي خطة الانطواء. لم يكن هذا خياره. لقد ألمح اليها أثناء «حرب الشمال» فثارت ضجة في اسرائيل أرغمته على الاعتذار. ولقد رفع بديلاً منها شعار «إعمار الجنوب» بدل «إخلاء الشرق».
لقد اضطر أولمرت إلى هذا التراجع لسبب جوهري هو أنه خرج ضعيفاً جداً من الحرب. خرج مكشوفاً أمام الرأي العام ومضطراً الى الإجابة عن أسئلة جوهرية في انتظار أن نشهد مدى النجاح أو الإخفاق في محاولته تسويف قضية لجنة التحقيق. يمكن لأي إسرائيلي أن يسأله: اشرح لنا عجزك! لقد وضعت أهداف الحرب بنفسك، الشعب كله كان معك، الجيش كان طليق اليدين، بعض من لبنان كان «معنا»، حكومات عربية هاجمت «المغامرة غير المحسوبة» للمقاومة، الولايات المتحدة شريك كامل، فرنسا تخلت عن كل حياء، أوروبا اصطفت وراء العدوان، الإعلام الدولي صفّق، الهيئات الدولية دخلت في إجازة صيفية اضطرارية... لقد استندتَ، سيد أولمرت، الى ذلك كله لرفع سقف المطالب. ثم أطلقت العنان لوزرائك، فدخل كل منهم التاريخ من باب الجملة الغبية التي سجّلها باسمه. الناشطون في حركة «السلام الآن» تبرأوا من ماضيهم، مثقفو اليسار اجتهدوا في شرح «الحرب الاضطرارية» وأبعادها الأخلاقية. باختصار، لم يسبق أن اجتمعت شروط لانتصار مثل هذه المرة، ولحماية التفوق العسكري، ومع ذلك حصل الإخفاق المشهود.
خرج أولمرت (ومعه القيادة كلها) مثخناً بالجراح، لذا أراد مداواة الوضع بسحب خطة الانطواء. ولكن يصدف أن الخطة ليست مشروعاً له أو لحزبه، بل سبب وجوده وعلة نشوء «كاديما». إن أولمرت من دون «الانطواء» يكاد يساوي صفراً. لم يقتل وليداً من أولاد كثر. أطلق النار على نفسه مغامراً بأن يبدو رجلاً متمسكاً بالسلطة فحسب لا يقوى عليه الفشل ولا حتى الفضائح المتكاثرة مثل الفطر.
«كاديما» ليس حزباً جدياً، إنه تركيبة ملفّقة لحمتها وسداها «الانطواء». ولذلك فإن إلغاء الخطة إعدام للحزب مع وقف التنفيذ. ويفترض بذلك أن يعني افتتاح مرحلة مضطربة في الحياة السياسية الإسرائيلية. ويتعزز ذلك من أن «كاديما» حزب «وحدة وطنية» من «يساريي ليكود» و«يمينيي العمل» يقود حكومة يشارك فيها من تبقى من «العمل». ويعني الفشل هنا نوعاً من التشظّي القابل للتحول إلى أزمة مفتوحة، وخاصة أن استطلاعات الرأي لا توحي أن طرفاً محدداً قادر على التحول الى عمود فقري جدي لائتلاف حاكم جديد. يجب أن نضيف الى ما تقدم أن إلغاء «خطة الانطواء» يصيب سياسة الإدارة الأميركية في مقتل. لقد اندفع جورج بوش نحو تأييد أولمرت ومشروعه والإيحاء بأنه مهتمّ بالنزاع الفلسطيني ــ الاسرائيلي. لا يستطيع ادعاء ذلك بعد الآن.
إن إسرائيل في وضع معلّق الآن. واستراتيجية واشنطن مصابة بعطب. لا مخرج من الأزمة إلا بالمزيد منها أو... بالهروب إلى الأمام.