وليد رعد *
مع انتهاء العدوان العسكري الاسرائيلي على لبنان، صدر موقفان متناقضان من الاحداث وقرائتان مختلفتان للنتائج. الموقف الاول للرئيس الاميركي جورج بوش مر مرور الكرام، والثاني للرئيس السوري بشار الاسد، وقد ووجه بوابل من الردود العربية والشــــتـــائم اللبنانية. لذا لا بد من التوقف امام هذا الخطاب لنرى اذا كان يســـتحق كل هذه الردود. الاسد لم يقـــل في قوى 14 شباط ما لم يقله عــــنها سابقــــاً، وإن كان ردّه عــــنيفاً، الا ان اللغة المتبادلة بين الطرفين منذ اكثر من عام هي على مستوى مرتفع من التوتر والحدة، اذاً ما الذي دفع رموز 14 شباط من وزراء ونواب ونواب سابقين ورؤساء بلديات وإلى ما هنالك من شخصيات استقلالية، الى الاستنفار في سرعة قياسية؟ ربما التفسير هو بالتأمل اكثر في ما قاله صديق لبنان بوش في الرابع عشر من آب، اي قبل يوم واحد من خطاب الاسد.
بوش، الداعم الاول لإسرائيل في عدوانها على لبنان، بل المحرض الاول، رأى ان الولايات المتحدة تخوض حرباً على الارهاب على ثلاث جبهات: افغانستان والعراق ولبنان. وبما أنه يظن نفسه منتصراً في افغانستان والعراق، بالرغم من أن الواقع هو عكس ذلك باعتراف معظم المحللين والسياسيين وخصوصاً المواطنين الاميركيين، لــــيس مستغرباً أن يكــــون هو الوحيد في العالم الذي رأى ان حزب الله قد هـــزم في المـــــواجهة مع اسرائيل. ويــــتابع بوش في خــــطابه ليؤكد أن الحكومة اللبنانية هي صديقة للولايات المتحدة، وأنها، كـــــحكومتي كارزاي والمالكي، نتاج المشروع الاميركي لنشر الديموقراطية في العالمــــين العــــربي والاسلامي. مضـــيفاً أن الاســــتراتيجية الأمــــــيركية في الشرق الأوسط ساعدت على إحلال الأمل وأشــــرفت على ولادة الديــــمـــوقراطيات الفـــــتية في بغداد وبيروت. «ليس من الصــــــدفة أن هذين الــــبلدين يبنيان مجتمعات حرة في قلب الـــــشرق الأوسط، وهما أيضاً مــــسرح لأكثر الأعمال الإرهابية عنفاً». وإن كان كلامه يدلّ على جهل كامل للتاريخ الديموقراطي للبنان، الذي لم يولد في ظلال ديموقراطية ابو غريب، وهو ليس بالامر الغريب عليه، الا أن السؤال الموجّه لقيادات 14 شباط هو: لماذا لم يثر كلام بوش وتدخّله في الشؤون الداخلية اللبنانية واعتباره اياهم ادوات اميركية حفيظتهم؟ الا اذا كانوا موافقين على هذا التوصيف. وعندها كيف يمكنهم أن يعيبوا على الرئيس السوري اتهامه لهم بالعمالة؟
حمّل بوش، الذي بدا في خطابه كأنه رئيس اسرائيل لا الولايات المتحدة حزب الله وإيران وسوريا، مسؤولية الحرب على لبنان ومعاناة الشعب اللبناني ومقتل المئات من المدنيين. معتبراً أن مسؤولية هذه العذابات يتحملها حزب الله. مضيفاً ان حزب الله هو من هاجم اسرائيل، وهو من سبّب هذه الأزمة. وهنا السؤال الموجه للقوى اللبنانية التي تصدت للرئيس الاسد: هل توافق على تحميل حزب الله مسؤولية ما حصل وتبرئة اسرائيل من مسؤوليتها عن قتل اطفال قانا ومروحين؟ لكن الاخطر أن حملة هؤلاء وإن كانت، شكلاً، تطاول الرئيس السوري الا أنها، مضموناً، تستهدف شريكهم في الوطن حزب الله، وهي تكملة للحملة التي بدأها بوش للتخفيف من وهج الانتصار الذي حققه الحزب على من يفترض ان يكون عدوهم أيضاً اسرائيل. وإلا كيف يمكن تفسير انتقاداتهم لحليف الحزب وسكوتهم عن كلام حليف اسرائيل التي دمرت لبنان من دون اي اعتبار لحكومته وشعبه وجيشه. والأنكى، موافقتهم الضمنية على اعتبار تدمير لبنان مبرراً على اعتبار ان حزب الله تنظيم ارهابي حسب توصيف بوش، بالرغم من انهم تحالفوا معه في الانتخابات التي جرت العام الماضي، وأشركوه في حكومتهم، لذا يبدو جلياً أن الردود على خطاب الاسد هي تكملة للخطاب الاخطر الذي اطلقه صديق لبنان بوش، فيما كان يفترض بهم أن يتصدوا له لوصفه اياهم بالعملاء والأتباع، ولتحريضه على المزيد من الفتن الداخلية ولتدخله في شوون لبنان الداخلية، وهو ما يعيبونه على دمشق.
* باحث لبناني