البير منصور *
لو حاولت أن ألخص مكونات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لقلت إنها:
أولاً، حكومة تحالف هجين بين حلفاء الأميركيين وحلفاء السوريين، وباستخدام لغة الوصايات أمكن القول إنها حكومة الجمع بين الوصايتين: الوصاية الأميركية والوصاية السورية.
وهي ثانياً حكومة تجاور هجين مستغرب بين نهج إذعان أكثري ونهج رفض ومقاومة أقلي.
وهي ثالثاً حكومة هيمنة واستتباع: هيمنة تحالف ثنائي السنية السياسية والشيعية السياسية، واستتباع لبعض المارونية السياسية والمسيحيات السياسية الأخرى.
إنها حكومة تركيبتين سياسيتين متناقضتين:
حكومة التحالف بين مجموعة الحكم السعودي ومجموعة السيدة كوندوليزا رايس والسفير جون بولتون ومجموعة الرئيس جاك شيراك من جهة، ومجموعتي أمل وحزب الله حليفي الحكم السوري من جهة أخرى.
ومعلوم أن مجموعة الحكم السعودي كانت أصلاً، لمدة أربع عشرة سنة تابعة للوصاية السورية التي مورست على لبنان بقيادة عبد الحليم خدام وغازي كنعان، وكانت تبعيتها برضى الحكم السعودي والحكم الفرنسي. ومعلوم أيضاً أنها انتقلت اعتباراً من سنة 2004 ( على مرحلة انتقال استمرت من 1999 إلى 2004 ) من التبعية للحكم السوري إلى التبعية للحكم الأميركي وحده، وبالتالي إلى التحالف مع بعض أركان قرنة شهوان الذين كان بعضهم أصلاً من مجموعة بولتون ورايس، وبعضهم الآخر من حلفاء شيراك.
إنها حكومة النهجين: نهج مارون الراس وبنت جبيل والخيام، نهج المقاومة ورفض الإذعان والاستسلام من جهة، ونهج ثكنة مرجعيون، نهج الإذعان والاستسلام ونهج تنسيق العدوان والعمل على إيقاعه من جهة أخرى.
نهج الدولة القوية برفضها وبمقاومتها وبقواها الذاتية، ونهج الدولة القوية بضعفها وإذعانها واستسلامها بستار تعقلها وحكمتها وعدم مغامرتها.
إنها حكومة التحالف بين ثنائية سنية شيعية تشكل حكم هيمنة طائفية معكوسة لما كان عليه الوضع قبل اتفاق الطائف، حكومة تخالف بتركيبتها الطائفية الثنائية جوهر اتفاق الطائف الذي رسم حكم المشاركة بين سائر القوى السياسية الطائفية ودان بصورة جازمة ونهائية جميع أشكال الهيمنة الطائفية. وهي بالتالي حكومة استتباع لبعض القوى السياسية المارونية وحكومة إبعاد وتهميش للقوى السياسية المسيحية الفعلية المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية والأرمنية.
حكومة حلفاء «الوصايتين» لا تنتج حكومة استقلال بل تنتج واقع نزاع وتمزق قابل بصورة دائمة للتبعية والارتهان.
حكومة تجاور النهجين المتناقضين لا تنتج حكماً، بل تنتج شللاً، وفي أحسن الأحوال حكمين ودولتين.
حكومة الثنائية الطائفية لا تنتج حكماً وطنياً، بل حكم هيمنة طائفية وحكم تفرد وتسلّط، وفي أحسن الأحوال تنتج حكم مزارع وتوزيع منافع.
تشكل حكومة السنيورة بكبائرها الثلاث هذه، تصفية لوحدة لبنان الوطنية، وتهيئة للفتنة التي سيتأسس عليها بناء منصة انطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد الأميركي المتقاطع مع المصالح الإسرائيلية.
إنها حكومة إلغاء الدولة وحكومة إلغاء الاستقلال وحكومة إلغاء السيادة وصولاً إلى إلغاء الوطن.
هذا في الكبائر والأساسيات، أما إذا انتقلنا من الكبائر إلى الصغائر وإلى التفاصيل التي هي على مقاس أهل الحكم والحكومة فيمكننا قول ما يأتي:
تتألف هذه الحكومة من غالبية حكم وأقلية حكم.
غالبية حاكمة مرعوبة وحاقدة، تعتمد نهج التفرد والتسلط ونهج المذهبية والشقاق الطائفي ونهج الهيمنة والاستتباع والتبعية.
وأقلية حكم تداري خوفاً من الفتنة التي يلاحقها بها نهج الغالبية المرعوبة ولكنها بالمداراة تُخسّر لبنان في السياسة ما حققت له في القتال والمقاومة.
غالبية حاكمة تبني حكماً مذهبياً قوامه التفرد بمؤسسات الدولة الأمنية والمالية: الأمنية لحماية الذات المرعوبة، والمالية لاستمرار منابع النهب وحماية المصالح والتمادي في ثقافة الفساد والإفساد التي بنيت عليها دولة الوصاية السورية اللبنانية المشتركة برعايتهم وتبعيتهم.
وأقلية حاكمة بعضها يشارك الغالبية مضارباً، وبعضها الآخر يبدو على غير اهتمام بما يحصل مشغولاً بدرء الفتنة ومداراة متطلبات أساسيات الصراع.
حكومة الوصايتين وحكومة النهجين وحكومة هيمنة الثنائية الطائفية وحكومة الحقد والرعب والتفرد والفساد والإفساد، لا يمكن أن تستمر لأنها حكومة مقتل الوطن وضياع المستقبل وفقدان السيادة والاستقلال.
لبنان لن يقوم بغير نهج استقلالي حقيقي، لبنان لن يقوم بنهج التبعية حتى لو كان المتبوع بوش بعظمته.لبنان لن يقوم بغير نهج بناء دولة قوية سيدة عادلة.
لبنان لن يقوم إلا إذا وعت جميع قواه السياسية شروط القيامة الحقيقية، وهي التضامن والاتحاد والابتعاد عن نهج التبعية ونهج الإذعان ونهج الهيمنة الطائفية ونهج التفرد والاستئثار المذهبي ونهج الفساد والإفساد، وعن كل ما يمارسه أهل الحكم اليوم ومنذ الأمس غير القريب،
لبنان لن يقوم إلا باعتماد نهج الوفاق الوطني الشامل لبناء الدولة القوية بقوتها، والعادلة بتأمين المشاركة بين جميع قواها الحقيقية والراعية لحقوق جميع مواطنيها.
البداية: رحيل بالحسنى والوفاق لحكومة غالبية الإذعان، رحيل بالحسنى والوفاق لحكومة ثنائية الهيمنة الطائفية، رحيل بالحسنى والوفاق لحكومة غالبية التبعية،
ومن ثم قيام (بالتفاهم والوحدة) لحكومة وفاق وطني تؤسس لإعادة تكوين سلطة استقلالية تعمل على بناء الدولة القوية العادلة. وإلا فعلينا أن نتحضر للقيامة القسرية المؤلمة لأن، بقاء لبنان مرهون بنشوء حكم استقلالي حقيقي ودولة قوية وعادلة، ولبنان يجب أن يبقى وينهض، أو هكذا يعتقد الوطنيون وهم أهل الرفض والمقاومة اليوم.
* وزير سابق