تمام مروة
شارك آلاف المتطوعين في إغاثة النازحين في جميع المناطق اللبنانية التي لجأ إليها النازحون مدى شهر ونيف، فعملوا في جمعيات غير حكومية كانت قائمة من قبل، أو ضمن هيئات تكوّنت بعفوية في الأيام الأولى للعدوان في ظل تعثّر فاضح في أعمال الهيئة العليا للإغاثة، الذي استمر حتى بعد انتهاء العدوان وعودة النازحين الى قراهم ومدنهم، واستمرار حاجتهم الى المساعدة والمواكبة، في ظل تدمير شامل لبعض المناطق، وقضاء كلي على كل المواسم الزراعية. لعب هؤلاء المتطوعون وهيئاتهم دوراً أساسياً ومبدعاً مع النازحين، في توفير الحاجات الأساسية من مأكل وملبس ومستلزمات النظافة الشخصية، وذهبوا الى تلبية حاجات أكثر تخصصية مثل الحاجات الطبية والصحة النفسية والمجتمعية للأطفال وغيرها من الخدمات التي تعثّرت الوزارات في توفيرها.
ولكن مع انتهاء العدوان المباشر واستمرار آثاره، هناك عدد من الأسئلة التي تطرح نفسها عن دور الهيئات المتشكّلة حديثاً وديناميتها المفترضة تجاه الدولة من ناحية وتجاه الجمعيات غير الحكومية من ناحية أخرى، التي تتمتع بشرعية وصدقية وإمكانات مالية عالية اكتسبتها من سنوات عملها الطويلة على الصعيدين العالمي والمحلي.
أولاً، يجب تأكيد ضرورة الجهد الذي قامت به هذه الهيئات ومدى فعاليته في نجدة الأهالي النازحين. ولو كان هناك بعض الشوائب في مقاربة عملها وخصوصاً في مجال إشراك النازحين في بعض الأماكن والمهام، بحيث اعتُبر النازحون كأنهم أشخاص من دون أي كفاءات أو قدرات وينتظرون الخدمات، فنسي بعض المتطوعين أن النازحين فقدوا فقط بيوتهم، وأن الأم التي تنتظر صحن الأكل الساخن في حديقة الصنايع، كانت تُعدّ العشرات منه في منزلها.
ثانياً، في مجال تعزيز الديموقراطية وحرية التجمع والتعبير، نحن في حاجة دائمة ومستمرة الى بناء فسحات ومنابر، لتوفير مشاركة أوسع للمواطنين في الشأن العام، تأخذ شكلها التقليدي في «جمعية غير حكومية». مع الإشارة الى حقي في التحفّظ على مدى فعالية هذا الشكل في ظل الدينامية الموجودة، وغياب آليات المشاركة الفعلية. بين هذه الجمعيات والجهات المانحة وبينها وبين مؤسسات الدولة ومنظمات الأمم المتحدة، وهو موضوع للنقاش في مناسبة أخرى. مع التأكيد أن هذه الجمعيات ليست الشكل الوحيد للمشاركة والتغيير، فأشكال التحرك النقابي والعمل القاعدي لا تزال قائمة.
ثالثاً، إن رفع شعارات عن «المواطنية» و«العمل المدني» في اطار «المجتمع المدني» تضع رافعيها تحت طائلة مسؤولية الالتزام بها وفي الأدوار التي تفرضها هذه الشعارات، ضمن العمل لبناء علاقة مساءلة بين الدولة والمواطن، وليس «الفتح على حسابها» والتخلي الكلي عن دور الدولة.
رابعاً، على الهيئات المبتدئة نسبياً أن تقرر موقفها من الدولة ودورها، فإذا أخذت مواقف تقوم على أهمية وجود الدولة ومؤسساتها، فعليها إذاً العمل في مجال الضغط على الدول ومؤسساتها لتأخذ دورها المركزي في جميع المجالات، مع الإشارة الى أن عمليات الضغط تأخذ أشكالاً مختلفة ومتنوعة وقد تكون كلها سلمية ومدنية، أي تحت الإطار نفسه الذي وضعته هذه الهيئات.
خامساً، أما إذا قررت هذه الهيئات أن تستغني كلياً عن دور الدولة فعليها بناء قدراتها وكفاءاتها بما يجعلها في قطيعة تامة مع مؤسسات الدولة، أي أن تستغني عن كل مساعدة أو غطاء، ومنه غطاء «العلم والخبر» من وزارة الداخلية، الذي يلعب دوراً أساسياً في الحصول على التمويل من الجهات المانحة.
سادساً، هل نحن في حاجة الى تأسيس جمعيات جديدة لتقوم بأدوار تبرع فيها جمعيات أخرى قائمة من قبل في مجاليْ الإغاثة والتنمية، وخصوصاً أن هذه الهيئات المبتدئة تعتمد بشكل أساسي على فريق من المتطوعين الأفراد ومن ذوي الكفاءات المتفاوتة وتواجهها تحديات كثيرة منها إيجاد الخبرات اللازمة لخوض تجارب أبعد وأوسع من أعمال الاغاثة، وجمع التبرعات العينية والمالية وإجراء مسح للحاجات؟. وهي أيضاً أمام تحدّي الحصول على التمويل، في ظل تراجع حركة تبرّع الافراد وفي ظل غياب الوضع القانوني الذي يضمن جلب التمويل من الجهات المانحة المعروفة، بينما كان الوضع مختلفاً أثناء العدوان وبعده بالنسبة إلى الهيئة العليا للاغاثة ومعها الجمعيات غير الحكومية المعروفة التي تلقت التمويل من الافراد والجهات المانحة من حكومية وشبكات تضامن عالمية ومنظمات الامم المتحدة وما زالت تتلقاها. وهذه الأخيرة لديها الخبرات والكفاءات الواسعة في العمل الاغاثي والتنموي وعلى سبيل المثال لا الحصر، «مؤسسة عامل» وجميع الهيئات الموجودة في «تجمع الهيئات الاهلية التطوعية في لبنان».
سابعاً، نشهد جزراً من المبادرات التي تبقى غير كافية امام الحاجة ليس الى التنمية، بل الى اعادة الامور الى ما كانت عليه قبل العدوان الاسرائيلي، فمناطق النزوح لم تعهد اي تنمية فعلية من قبل. وينتقد جميع من شارك في اعمال الاغاثة، تعثر خدمات الهيئة العليا للاغاثة والمنظمات الدولية والمحلية، ولكن يبقى هذا النقد في الكواليس أو يأخذ شكلاً انتقامياً في السياسة من بعض الوزارات أو الشخصيات، ولم تحصل أي خطوة في مجال اعادة الامور الى نصابها، أو في دفع الهيئة العليا للاغاثة الى لعب دورها، وخصوصاً مع تراكم الاموال عليها وغياب الخطوات الواسعة من قبلها على اتساع المشكلة والوطن.
أخيراً، لماذا لا يجتمع المتطوعون، الذين شاركوا في الاغاثة وتخطوا الآلاف، ويلعبون دور المواطن المسائل والمحاسب، ويعتصمون مدنياً وسلمياً وبشكل مفتوح امام السرايا الكبيرة، مقر الهيئة العليا للاغاثة، وقرب بيت الامم المتحدة، ويطالبونها إما بالتحرك أو بإعادة الاموال الى المحتاجين إليها. ما زال امامهم اسابيع معدودة لتنتهي الصيفية ويعودوا الى مدارسهم وجامعاتهم، فهم قد يستطيعون خلال اسابيع الضغط على الحكومة، والهيئات المختصة من حكومية وغير حكومية، ولكن هل يستطيعون احداث تنمية او تغيير في حياة آلاف المنكوبين؟