«إلى الأطفال الذين يحملون قلوب أمهاتهم في كل خطوة لمساجد الله»
إهداء فيلم «حيدر»

«أمي تقول كل خطوة للمسجد بحسنة»، ومنطوق ابن تيمية يقول: كل خطوة لقتل الرافضة بألف حسنة. ذهب حيدر بخطوات أمه وذهب الإرهابي بخطوات ابن تيمية، التقيا هناك وجهاً لوجه، وجه أم حيدر كان مقابلاً لوجه ابن تيمية، وخلفهما حيدر والإرهابي. هذه الصورة هي التي رأيتها
في اللحظة الأكثر درامية في فيلم المبدع محمد السلمان «حيدر» لحظة التفتاتة حيدر إلى وجه الإرهابي وحزامه الناسف موقعاً بشعار «لا إله إلا الله». ماذا بقي من حيدر؟ وماذا بقي من الإرهابي صالح القشعمي؟

بقيت من حيدر خطواته الاثنين والعشرين: «ماما خطواتي للمسجد اثنين وعشرين». صارت ملايين الخطوات والحسنات، تمشي بنا نحو سيرة حيدر، تلهمنا لنمشي ضد الموت مرددين كلمات «أمه» منطوقة بحلاوة صافية في ثغر «حيدر»، إنها الكلمات الباقية من حيدر بعد أن ننسى كل شيء.
أبدع المخرج في تصويرها في اللحظات المكثفة من الفيلم الذي قال كل شيء في
الدقائق الخمس والخمسين ثانية. لقد حفظ لنا كاتب السيناريو وصية حيدر، ووصية أمه
ورسائل خطواته الاثنين وعشرين. ورسائل خطواته الاثنين وعشرين وذاكرة الشهداء الاثنين والعشرين، وتاريخ الشهادة في الثاني والعشرين من شهر مايو/ أيار 2015. بقي من الإرهابي، قبحه شاهداً على قبح الخطوات التي ما زالت تمشي بنصوص التوحش والقتل من ابن تيمية (728هـ/ 1328م) حتى محمد بن عبد الوهاب (1206هـ/1791م) وصولاً إلى داعش التي خرجت من نصوصهم تمشي بخطوات سريعة مرددة «بالذبح جئناكم».
الوحش الإرهابي الذي أراد أن يسرق وجهنا، تصدى له «حيدر» بوجهه البريء الجميل، وحيدر لم يحفظ وجوهنا من التشويه فقط، بل حفظ وجه المسجد وحفظ وجه اسم الإمام علي من تشويه الوحش الذي يريد أن يقول هو الممثل الشرعي الصحيح للإسلام.
على خطوات أو كيلومترات من روضة حيدر (سليمان الفارسي) ومسجد حيدر (الإمام على بن أبي طالب) عشرات المراكز الدينية التي تحرض على قتل حيدر وحرق روضته وتفجير مسجده.
نحن في صراع بين نصوص حيدر وهي تخطو به نحو الحسنات، ونصوص ابن تيمية وهي تخطو بآلاف المفخخين نحو حيدر ورموزه التي ظهرت في الفيلم ظهوراً فنياً لافتاً (أذان علي ولي الله، راية الحسين، الصلاة على النبي وآله في الصلاة). يدخل الفيلم - حسب تعبير الصديق
الناقد أثير السادة - في «حجاج بصري» وهو يفسر طبيعة الصراع المتواري في الواقعة، إنه الصراع الممتد في أمهات النصوص القاتلة.
إنها النصوص المنسلخة من الإنسانية التي يستدل بها ابن تيمية في كتابه «الصارم المسلول» على القتل البشع الذي يمارسه داعش اليوم، كما في استدلاله بقتل الشاعرة الهجاءة عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ، برواية موضوعة «جَاءَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ فِي جَوْفِ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا، وَحَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وَلَدِهَا نِيَامٌ، مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِي صَدْرِهَا، فَجَسّهَا بِيَدِهِ، فَوَجَدَ الصّبِيّ تُرْضِعُهُ
فَنَحّاهُ عَنْهَا، ثُمّ وَضَعَ سَيْفَهُ عَلَى صَدْرِهَا حَتّى أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا» (انظر: ابن تيمية، الصارم
المسلول، ج1، ص195). صار الصارم المسلول (السيف) برواياته وفقه ابن تيمية لها، متفجرات مفخخة منشورة على خريطة المساجد والمآتم.
* كاتب بحريني