زياد الرحباني

ما كتبه زياد الرحباني ولحّنه على مدار سنين لم يحفظه الشباب، كل شاب، فقط لجمال الموسيقى ورونقها، ولكن لأنها كانت غالباً ما تعبّر عن أحوالهم. هذا الرجل حلّل الوضع اللبناني الذي عاشه مع كل أغنية كتبها ولحنها. ما سر هذا الرجل الذي أثّر في الشباب لهذه الدرجة، وجعلهم يفرغون ما يكبتونه في صدورهم مع ترداد كل أغنية؟ ما سر هذا الإنسان الذي تخطى المعقول في كل ما صنع؟

حمل زياد في شخصيته موهبة نادرة تتخطى عصرها لا شك وهي لا ريب إلهية، وأضاف إليها مع عبقريته الفطرية معاناة الشعب اللبناني فدمج في كيانه ما أوتى من فوق مع ما تشرّبه من الواقع اللبناني. هو ثائر ضد الظلم والاستغلال، ناصر للفقير والجائع والمرذول، مجابه للرأسمالية المتوحشة التي لا تميّز بين لحم الإنسان ولحم البقر. مناد بالمساواة بين الناس جميعاً. رؤيوي، قارئ بارع للوضع ومحلل من الطراز الأول.
كثيرون يضعونه في مصاف الأخوين رحباني من حيث أهميته الموسيقية والابداعية الفنية، عدا أن الأخوين سعيا دائماً لبناء بلد في الخيال يكون مثالياً قريباً من الكمال، فطبعا في أذهان اللبنانيين صوراً جميلة عن لبنان المرتجى، بينما هذا الرجل وجودي بكل ما للكلمة من معنى، واقعي إلى أبعد مدى. يظهر المشكلات الاجتماعية كعالم متخصص في علم الاجتماع بكل وضوح ويطرحها أمام الرأي العام والحكومة، ويقول: هذا هو الجرح، داووه.
لماذا يصرّ كثيرون على عودة زياد إلى المسرح؟ ربما، لأنهم يعتقدون أنهم بحاجة إلى قراءة الوضعين العربي واللبناني من عينيه فيتضح المشهد أمامهم ويفهمون. الحقيقة أن زياد ليس برجل عادي. قد يصبح بالنسبة للأجيال المقبلة كجبران خليل جبران بالنسبة إلينا فتُدرس مسرحياته وفنه وفكره. من قال إن شكسبير أهم منه؟ التاريخ ينصف العظماء والعباقرة مهما طال الزمان.
زياد اليوم، هو الكلمة المباشرة الصريحة، صاحب المواقف اللاذعة والقوية، كالأمس والغد والتي لا يتقبّلها كثيرون لأنهم يريدونه كما هم لا كما هو. يريدونه كما وأفكارهم ومعتقداتهم وتحالفاتهم. والحق أن أغلب هؤلاء تربوا على الفكر الزيادي ويخزّنون في عقولهم الباطنة أفكاره الثورية. ليس من إنسان في الوجود لا ضغينة عليه والأصعب هو أن تعيش كما أنت لا كما يريدونك أن تحيا.
دعم المقاومة وآمن بها وتغنى بانجازاتها لأنه مثلها مقاوم من نوع آخر. من الحرف والنغمة برزت مقاومته لتتخطى المجتمع اللبناني إلى كثير من الدول. بين الكتابة والموسيقى والتأليف المسرحي يتجلّى رجل عظيم في لبنان اسمه زياد سيكون يوماً ما أسطورة لكثيرين ومثالاً أعلى.
بول أبو ديب