في عدد «الأخبار» الصادر يوم الخميس 31 آذار 2022، وتحت عنوان «المواطنة وامتيازات الطائفيّة: يوم أُجهض الزواج المدني الاختياري»، ذكرت د. صفية سعادة في سرديتها عن وقائع مجلس الوزراء في 18 آذار 1998 أن «بشارة مرهج مثلاً، وهو روم أرثوذكس، وينتمي إلى حزب البعث، وهو عضو في لجنة حقوق الإنسان، ومواقفه إجمالاً علمانية، وقومية عربية، إلا أنه صوّت ضد هذا المشروع التقدّمي». وأضافت من عنديّاتها أيضاً: «لأن الحريري هو الذي نصبه وزيراً للداخلية».ولما كانت هذه السردية مليئة بالأخطاء والالتباسات، فأتوقع أن يتسع صدر الدكتورة صفية سعادة، التي أقدر وأحترم، لملاحظات سأدلي بها توضيحاً وتصحيحاً لهذه السردية وتفادياً لإرسال أحكام قاطعة من قبل الكاتبة تحتمل الخطأ وربما الإساءة:
1- صحيح أن الرئيس الهراوي - رحمه الله - طرح آنذاك مشروع الزواج المدني على التصويت، لكنه طرحه بشكل فجائي وغير نظامي ومن خارج جدول اجتماع مجلس الوزراء، لا بل من خارج الدستور نفسه. ذلك أن رئيس الجمهورية ليس من حقه إطلاقاً طرح موضوع على مجلس الوزراء قبل التفاهم عليه مع رئيس الحكومة المخوّل بحسب الدستور وضع جدول أعمال مجلس الوزراء وإطلاع رئيس الجمهورية عليه.
لكن، بالمقابل، من حق الرئيس طرح أحد المواضيع الطارئة وإن لم يكن على جدول الأعمال. وحيث أن موضوع الزواج المدني ليس طارئاً وإنما موضوع مهم وجوهري ويستوجب بالتالي إدراجه في جدول الأعمال مع أسبابه الموجبة، فيكون رئيس الجمهورية قد تسرع وأخطأ في طرح مشروع الزواج المدني بهذه الصورة. وقد وضع دستور الطائف هذه الضوابط منعاً للخلل الذي يمكن أن يؤدي في حالات معينة إلى مزايدات وزيادة في منسوب الاحتقان الطائفي كما حدث بعد انكفاء المناورة التي قام بها الرئيس الهراوي في ظل تصريحات حادة من قبل العديد من رجال الدين والسياسة من كل الطوائف على خلفية هذا الانقسام الذي كاد يتطور ويتفجر لولا تدارك كثيرين.
2- ذكرت د. سعادة أنني عضو في حزب البعث، والحقيقة أنني غادرت حزب البعث، الذي أعتز بأفكاره ومناضليه وشهدائه، منذ 47 سنة بالضبط، وذلك بسبب خلل في رؤية القيادة دفعها آنذاك في العراق إلى نسج علاقات حميمة مع النظام اللبناني وأجهزته على حساب الحزب ومناضليه.
3- قالت د. سعادة عني: «إن مواقفه إجمالاً علمانية وقومية عربية إلا أنه صوّت ضد المشروع التقدمي لأن الحريري هو الذي نصبه وزيراً للداخلية». وهنا أريد أن أقول للدكتورة سعادة أن لا علاقة بين موقفي وموقف الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بخاصة أن الخلاف كان واضحاً بيننا في العديد من المسائل وفي مقدمها موضوع المقاومة التي أؤمن وأتمسك بها، وموضوع حق التظاهر الذي أعتبره ركناً من أركان الديموقراطية، وموضوع المصارف الذي كنت أرفع الصوت عالياً، بشهادة أعضاء مجلس الوزراء، ضد نمط النهب والانسياق والهدر الذي كان يطبع تصرف معظم المصارف (راجع كتابي «كهوف السلطة» – دار المشرق).
ولكل ذلك، فإنني كنت أتخذ مواقفي بوحي من ضميري وثقافتي والتزامي وليس تأثراً بأي مصدر آخر.
وعلى هذا الأساس، لم أصّوت على «مقترح» الرئيس الهراوي. وقد قلت له بعدما سألني: «أنا مع الزواج المدني، وأنا متزوج مدنياً وكنسياً، كما أنني أفهم وأدافع عن حق من يعترض على الزواج المدني». ولكن طرح الموضوع بهذه الطريقة غير الدستورية لن يؤدي إلى تحقيق المشروع (وهذا ما حدث) وإنما سيؤدي إلى مضاعفات ليست في مصلحة المشروع نفسه. غير أن الفوضى التي سادت الجلسة حالت دون استكمال البحث والتأكد من سلامة النهج المتبع فطار المشروع وبقيت التداعيات والدعايات.
4- بالنسبة للرئيس رفيق الحريري يومذاك فهو لم يرغمني على التصويت كما تقولين يا سيدتي الكريمة، وهو كان يعرف – رحمه الله – أنني أعتمد العقل والمنطق في قراراتي وليس أي أمر آخر. أمّا استلامي لوزارة الداخلية، فقد جرى عام 1992 وكان الرئيس الحريري لم يقابلني حتى ذلك الوقت إلا مرة واحدة ـــــ وقت الاستشارات ولمدة 10 دقائق كما كل النواب. في حين أن موضوع الزواج المدني حدث عام 1998 كما أشرت أنت لذلك.
5- أود التوضيح أن المرحوم الأستاذ فاروق البربير الذي كان عضواً في مجلس الوزراء آنذاك هو كاتب وصحافي وليس هو الدكتور نسيب البربير الطبيب المرموق والوزير السابق.
6- وأخيراً، أنوه بمقالتك العلمية التي تستهدف الارتقاء بالمجتمع عبر البحث المباشر في موضوعاته الشائكة ومنها الزواج المدني الذي يعارضه كما يؤيده العديد من أركان المؤسسات الدينية.

*كاتب وسياسي لبناني