هذه ملاحظاتنا على مقالة «هل الصين إمبريالية؟» المنشورة في «الأخبار» في 8 حزيران 2023، والتي هي ترجمة مختصرة بتصرف لمقال منشور في فصلية «Review of Radical Political Economics» لـجونجين لي وديفيد كوتز: نقرأ في بداية المقالة «استخدم لينين كلمة «الإمبريالية» بمعنيين: الأول يعني به فترة الإمبريالية الرأسمالية، أمّا الثاني فيعني أن الإمبريالية ليست مرحلة معينة من الرأسمالية، وإنما تشير إلى معنى أكثر عمومية يمكن تطبيقه على الأشكال الاجتماعية المختلفة وليس على المرحلة الاحتكارية للرأسمالية وحسب. وفقاً للينين، تنطوي الإمبريالية على علاقة بين الدول – حيث تنهب الدول ذات النفوذ العالم بأسره – وتنطوي العلائق الإمبريالية على «الهيمنة» بأشكال مختلفة تشمل «الضم» و»الخنق المالي» و»القمع الاستعماري»، وتشمل المكاسب التي تعود على القوى الإمبريالية، «النهب» و»الربح الفائق» و»قص الكوبونات»، وتشمل وسائل الحصول على هذه المكاسب القضاء على المنافسة، وبناء القوة الاحتكارية، وإقامة الهيمنة المالية، وتأمين السيطرة على المواد الخام».
واضح أن هذا الكلام يحاول لي عنق النظرية اللينينية في الإمبريالية وتحويلها من فهم اقتصادي نحو فهم كاوتسكي «السياسي» للإمبريالية الرأسمالية في «الإلحاق والضم» والتنافس على المستعمرات والمواد الأولية. كما أنه يضارب على بديهية بارزة في كتاب لينين وهي أن الإمبريالية مرحلة في الرأسمالية وهو ما يعكسه عنوان الكتاب: «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية».
نتابع أقوال المقالة: «اليوم، لدى الصين نمط إنتاج مختلط: بنية اقتصادية رأسمالية، ولكن أيضاً، في الوقت نفسه، دولة ليست رأسمالية. وبالتالي فنحن بحاجة إلى مفهوم للإمبريالية يمكن تطبيقه على نمط إنتاج مختلط في زماننا المعاصر». بمعنى آخر، تريد المقالة القول: نحن بحاجة إلى تشويه نظرية لينين في الإمبريالية حتى نخرج بنتيجة أن الصين «إمبريالية» من نمط جديد.
وتضيف المقالة: «الإمبريالية، من وجهة نظرنا، هي الهيمنة الاقتصادية والسياسية على بلدٍ ما من قِبل طبقة حاكمة في بلدٍ آخر بهدف انتزاع منافع اقتصادية لتلك الطبقة الحاكمة. نحن نُدرج الهيمنة السياسية لأن الدولة هي أداة الإكراه في العصر الحديث، فلا يمكن للشركات التجارية أن تحتل موقعاً مهيمناً في بلدان أخرى بمفردها، وإنما القوة الإمبريالية للدولة هي التي تمارس سلطتها في بلدٍ آخر لضمان تحقيق ذلك: يمكن لرأسمالي من بلد ما أن يعمل في بلدٍ آخر مع حماية مصالحه من قِبل الدولة في البلد الآخر نتيجة للعلاقات الطبقية هناك؛ هذه علاقة استغلال رأسمالي، وليست إمبريالية. إنها تصبح إمبريالية حصراً عندما تمارس الدولة الراعية للرأسمالية الهيمنة بشكلٍ ما عبر الحدود الوطنية».
هنا المقالة تستبدل «المفهوم الاقتصادي» للإمبريالية كما هو وارد عند لينين بـ«نظرية سياسية» حيث يغيب الاحتكار ويظهر مكانه الاستعمار في شكليه القديم والحديث.
بالطبع، هذا الكلام يعود بنا إلى نظرية كاوتسكي بخصوص الإمبريالية، أي فهم الإمبريالية فهماً سياسياً قائماً على الضم والإلحاق من بلد متطور صناعياً إلى بلد زراعي متأخر في التطور.
وذلك للالتفاف على تحديد لينين الأساسي للإمبريالية والتي تعني «الاحتكار وسيطرة رأس المال المالي». الإمبريالية، من حيث الجوهر، هي الاحتكار الاقتصادي في كنف علاقات الإنتاج الرأسمالية والملكية الخاصة الرأسمالية. واضح أن هذا التحديد الاقتصادي محكوم بشكل حاسم بعلاقات الإنتاج المهيمنة التي تعمل «الشركة الاحتكارية» في كنفها.
وهذا يعطينا انطباعاً بعدم انسجام فكرة جونجين لي وكوتز وميلها لتأخذ طابع التبرير أكثر منه طابع العلم والتاريخ، على أهمية المعلومات والتقريرات الواردة ضمنها.
والصين، بطبيعة الحال، لا تحتاج إلى مثل هذا التبرير لنفي تهمة الإمبريالية عنها. فالصين لديها احتكارات ضخمة تمتلكها الدولة الصينية، ولديها استثمارات خاصة ضخمة من قبل شركات احتكارية دولية متعددة الجنسيات ولديها ملكية خاصة لدى الفلاحين الصينيين، وكل هذه «السياسات الاقتصادية» تعمل في كنف الدولة الاشتراكية الصينية التي تعتبر هيمنتها علامة بارزة على هيمنة علاقات الإنتاج الاشتراكية.
كان لينين دقيقاً جداً في تحديد الطابع الإمبريالي للرأسمالية في بداية القرن العشرين حين قال إن الاحتكار الإمبريالي الرأسمالي هو احتكار قائم في كنف علاقات الإنتاج الرأسمالية. أي قائم في كنف علاقات الملكية الخاصة لنمط الإنتاج الرأسمالي. والشركة الاحتكارية هي صاحبة اليد العليا في قرارات الدولة الإمبريالية الاستراتيجية، كما أن ميزانية الدولة الإمبريالية (الأميركية مثالاً) الضخمة تعمل لصالح تدوير المنافع المالية لصالح الشركة الاحتكارية عبر «دولة الرفاه» والنفقات العسكرية الضخمة، أي أن الدولة الإمبريالية الرأسمالية تعيد بهاتين الوسيلتين توزيع الدخل القومي لصالح الشركات الاحتكارية الكبرى.
تأتي في المقالة عبارات تحدث بلبلة كبيرة من مثل «البُعد الاقتصادي لنمط الإنتاج الصيني» بخصوص نمط الإنتاج وكيفية نقاشة وتحديده. جاء في المقالة: «كيف نُشخِّص القاعدة الاقتصادية للصين اليوم؟ علينا عندما نحاول تحليل نمط الإنتاج في زمان ومكان معينين أن نأخذ في الاعتبار تنوع الأشكال الاقتصادية، فالنظم الرأسمالية تشمل بعض عناصر التخطيط الاقتصادي وبعض الشركات المملوكة للدولة، وكان لدى النظم الاشتراكية بعض الشركات الخاصة وبعض عناصر السوق». وهنا نلاحظ أن قصد المقالة بـ«القاعدة الاقتصادية» المحددة لنمط الإنتاج في الصين إن هي سوى «السياسات الاقتصادية» للدولة الصينية والحزب الشيوعي الصيني اعتباراً من عام 1978 عبر إصلاح دنغ هسياو بنغ. والمقالة تخلط بين نمط الإنتاج الاقتصادي للمجتمع أو التنظيم الاقتصادي للمجتمع الذي تحدده علاقات الإنتاج الاقتصادي المهيمنة وبين السياسات الاقتصادية لعهد الإصلاح الصيني بإشراف الحزب الشيوعي والتشكيلة الاقتصادية الناجمة عنها. وهذا الإصلاح بعد ما يقارب نصف قرن لم يؤد إلى تحول النظام السياسي في الصين إلى نظام رأسمالي ليبرالي على الطراز الغربي كما هو الحال في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.
إذاً يظهر الحديث في المقالة وكأن نمط الإنتاج المهيمن في الصين هو عين الحديث عن «القاعدة الاقتصادية» أو «التشكيلة الاقتصادية» والسياسات المتعلقة بها. وهو خلط بين ما يسمى «نمط الإنتاج» المهيمن من جهة وبين «العامل الاقتصادي» أو التشكيلة الاقتصادية (القاعدة الاقتصادية) من جهة أخرى، ونمط الإنتاج المهيمن هو العنصر المنظم للتشكيلة وحاكمها. كثيراً ما يساهم هذا الخلط في إحداث بلبلة وعدم فهم للفرق بين علاقات الإنتاج المهيمنة والتشكيلة الاقتصادية التي تحكمها هذه العلاقات. تشتمل هذه التشكيلة في الصين الحديثة على احتكارات ضخمة تمتلكها الدولة واستثمارات خاصة ضخمة من قبل شركات احتكارية دولية متعددة الجنسيات وفئات من طبقة الفلاحين الذين يمتلكون وسائل إنتاجهم البسيطة بما فيها قطعة الأرض الصغيرة. فحسب أرقام المقالة تتفوق الشركات الخاصة، أي يتفوق الاستثمار الخاص الأجنبي على رأسمال الشركات الحكومية ومساهمتها في العمالة والدخل القومي الإجمالي. وإذا اعتمدنا «العامل الاقتصادي» بدلاً من «نمط الإنتاج» المهيمن كمحدد لشكل الاحتكار في الصين كانت النتيجة أن الصين إمبريالية: أي احتكار رأسمالي في كنف علاقات إنتاج رأسمالية.
لكن لحسن الحظ تضيف المقالة العبارة التالية: «كان للصين اقتصاد مخطّط منذ نجاح الثورة وحتى عام 1978 حين تحولت إلى اقتصاد السوق. اليوم، لا تستخدم الدولة الصينية السياسة المالية والنقدية الكينزيَّة وحسب، بل أيضاً تستثمر بمستوى عالٍ في البنية التحتية العامة، وتمارس السيطرة على استثمارات الشركات العامة، فضلاً عن أنها تُصدر – في بعض الأحيان – أوامر إلى الشركات الخاصة بشأن الإنتاجية والاستثمار، ومع ذلك تظل النتيجة هي اقتصاد السوق على الرغم من الدور المحوريّ للدولة في توجيه وتنظيم النشاط الاقتصادي».
هذه العبارة الأخيرة هي الحاسمة في موضوعنا، خاصة أن لينين حين تحدث في كتابه الإمبريالية عن أن جوهر الإمبريالية هو الاحتكار في كنف نمط الإنتاج الرأسمالي وعلاقات الملكية الرأسمالية الخاصة، كان يضمر أمراً هاماً وهو حاجة الاشتراكيين الماركسيين الروس إلى قيادة تحديث رأسمالي في روسيا بالرغم من تبعات المفارقة، وكانت المفارقة تحت مسمى: رأسمالية الدولة الاشتراكية في مقابل رأسمالية الدولة الإمبريالية في المراكز الرأسمالية الرئيسية. وهذه الدولة الاشتراكية هي التي ألغت من حيث الجوهر نمط التملك الرأسمالي كمهيمن في علاقات الإنتاج الاقتصادية.
ليست التشكيلة الاقتصادية المختلطة هي المحدد لنمط الإنتاج الاقتصادي في الصين، بل العكس إن نمط الإنتاج الاشتراكي هو الذي ينظم هذه التشكيلة ويقودها ويشرف عليها بقوة الدولة الاشتراكية


وهذه الدولة الاشتراكية القائمة بقوة الثورة الاشتراكية هي المطالبة بالإشراف على تحديث رأسمالي ظهر مرتين في تجارب الانتقال الاشتراكية: مرة في السياسة الاقتصادية الجديدة أو «سياسة النيب» التي اعتمدها البلاشفة بعد شيوعية الحرب الأهلية. ومرة أخرى في «النيب الصيني» أو إصلاحات دينغ هسياو بنغ سنة 1978. لقد حاجَّ بليخانوف بداية القرن العشرين عن الفرق بين «التنظيم الاقتصادي للمجتمع» أو علاقات الإنتاج الاجتماعية الاقتصادية وبين «العامل الاقتصادي» والسياسات الاقتصادية التي تتحكم وتسيطر على تشكيلة أو بيئة اقتصادية مختلطة. وميّز بوضوح بين علاقات الإنتاج الاجتماعية الاقتصادية أو نمط الإنتاج المهيمن وبين العامل الاقتصادي في كتابه «العامل الاقتصادي في التاريخ».
في الصين المعاصرة الحديثة تلعب الدولة الاشتراكية التي أقامتها الثورة الاشتراكية الصينية سنة 1949 دوراً محورياً في توجيه وتنظيم النشاط الاقتصادي والبيئة الاقتصادية المختلطة (التشكيلة). وهو ما فاجأ الأميركيين والغرب الإمبريالي حين توقّع أن تقود السياسات الاقتصادية الرأسمالية إلى تحويل النظام الاشتراكي الصيني إلى نظام «ديموقراطي ليبرالي» وهو ما لم يحصل، ما قاد الغرب إلى محاولة احتواء التطور الصيني وحصاره وعرقلته.
نقرأ في المقالة: «إجمالاً، إذا ما أخذنا في الاعتبار أبعاد القاعدة الاقتصادية الرأسمالية (التشكيلة الاقتصادية)، فيمكننا إذاً استنتاج أن القاعدة الاقتصادية (التشكيلة) اليوم في الصين رأسمالية، وإن كانت للدولة حصة كبيرة من الشركات العامة ودور نَشِط – غير معتاد – في توجيه الاقتصاد، فإن هذه الميِّزات لا تتعارض مع القاعدة الاقتصادية الرأسمالية».
نعم، هذه التشكيلة الاقتصادية المختلطة رأسمالية. والدولة الاشتراكية الصينية تقود تحديثاً رأسمالياً، وتحاول بالسبل كافة تعظيم الربح والثروة الصينيين وكل ذلك تحت إشراف الدولة الاشتراكية الصينية وبتوجيه من الحزب الشيوعي الصيني. الدولة الصينية التي تعتمد الاشتراكية في دستورها والتي أكد عليها المؤتمر الأخير العشرون للحزب الشيوعي الصيني. وشعار المؤتمر هو: رفع الراية العظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية عالياً، وتطبيق أفكار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد على نحو شامل، وتطوير روح تأسيس الحزب العظيمة، وتعزيز الثقة بالنفس وتقوية الذات والتمسك بالأصل مع الابتكار، وإذكاء روح العمل بجد وحماس والتقدم إلى الأمام بشجاعة وعزيمة، والتضامن والكفاح في سبيل بناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل والدفع الشامل لعملية النهضة العظيمة للأمة الصينية» (التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، 16 تشرين الأول 2022، شي جين بينغ).
نقرأ في المقالة ما يعزز استنتاجنا بخصوص إشراف الدولة الاشتراكية على التحديث الرأسمالي الصيني: «من المعروف أن الطبقة الرأسمالية تُسيطر، في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي، على الدولة (الولايات المتحدة). لكن في الصين، ولِدَ الاقتصاد الرأسمالي في كَنَف الحزب الشيوعي الصيني وتغذى على سياساته؛ إنه حزب سياسي ذو قاعدة عريضة من العمّال والفلاحين الذين استولوا على السلطة في خِضَمّ حربٍ أهليَّة. ومع ذلك يضم الحزب – منذ عام 2001 – مجموعة من الرأسماليين، لكن لا يوجد أيُّ دليل على أن الرأسماليين يسيطرون الآن على الحزب الشيوعي الصيني أو ما إذا كان يمكنهم تحديد سياسة الدولة».
وما يعزز كلامنا أكثر هو السياسات الاقتصادية التي يعتمدها الحزب الشيوعي الصيني والدولة الاشتراكية الصينية ما جاء في المقالة: «يسيطر على الحزب الشيوعي الصيني قيادة تروّج لمجموعة من الأهداف الاقتصادية – تختلف عن أهداف الطبقة الرأسمالية – هي كالآتي:
1-تعزيز التنمية الاقتصادية للصين من أجل أن تصبح دولة مزدهرة ذات مستوى معيشي مرتفع؛ الأمر الذي يتطلب استمرار النمو الاقتصادي السريع.
2- تعزيز التقدّم التكنولوجي نحو الحدود التكنولوجية العالمية.
3- توجيه الصين لتصبح لاعباً أساسياً في الشؤون الاقتصادية والسياسية العالمية.
4- تعزيز الحركة، في الآونة الأخيرة، نحو اقتصاد مستدام بيئياً.
ولتحقيق الأهداف المذكورة أعلاه – في نظام عالمي تهيمن عليه الرأسمالية الإمبريالية، واقتصاد محليّ «رأسماليّ» – آثار عديدة فيما يخص سياسة الصين – وخاصة للحفاظ على النمو الاقتصادي السريع – تنتهي إلى عدة مشكلات يكمن حلُّها، في التحليل الأخير، في أن تُشجِّع الدولة الصادرات وتضطلع باستثمارات عامة متزايدة؛ ولا تولِّد تلك الأهداف دافعاً صينياً للسعي إلى الهيمنة على البلدان الأخرى». وأضيف إلى ذلك: أو ضمها وإلحاقها كمستعمرات أو الهيمنة عليها مالياً واستنزافها في سياسات إقراض وديون خبيثة كسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إنّ البلبلة الحاصلة في المقالة مصدرها الأساس محاولة الربط الخاطئة بين «القاعد الاقتصادية» أو التشكيلة الاقتصادية المختلطة والطابع الإمبريالي للدولة بالقول: القاعدة الاقتصادية والدولة والإمبريالية. ليست التشكيلة الاقتصادية المختلطة هي المحدد لنمط الإنتاج الاقتصادي في الصين، بل العكس إن نمط الإنتاج الاشتراكي هو الذي ينظم هذه التشكيلة ويقودها ويشرف عليها بقوة الدولة الاشتراكية.
تعود المقالة لتستدرك هذا الإرباك بالقول: «لا يحتاج الحزب الشيوعي الصيني إلى الهيمنة الإمبريالية لتحقيق أهدافه الاقتصادية، فضلاً عن أن الطبقة الرأسمالية الصينية تفتقر إلى القدرة على إجبار الحزب على السعي نحو الهيمنة الإمبريالية».
أمّا بخصوص دعاوى الغرب حول القروض الصينية والنشاط الصيني الاستثماري في الخارج، فتقول المقالة: «تهدف العديد من الاستثمارات الصينية في الخارج إلى استخراج الموارد الطبيعية والوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة البالغة الأهمية لاقتصادها المحليّ؛ وهذا يُعبر عن السعي إلى الحفاظ على النموّ والاستقرار المحليين: الأمر الذي يشكل أهمية محوريَّة لشرعية الحزب. تعمل برامج الإقراض الصينية الرسمية – وأبرزها مبادرة الحزام والطريق – كوسيلة للتعاون الدوليّ بدلاً من الهيمنة. وتوجَّه قرارات الاستثمار والقروض بشكل رئيسي من خلال «بنك التنمية الصيني» و»بنك الصين للاستيراد والتصدير» اللذين تسيطر عليهما الدولة والموجهين نحو تحقيق أهداف سياسات الحزب والدولة، بدلاً من أن تقاد من قِبل رأسماليي القطاع الخاص الباحثين عن الربح. وغالبية الاستثمارات الصينية في الخارج موجهة نحو مشاريع البنية التحتية للنقل والاتصالات وإمدادات الطاقة، وعادة ما تُقدَّم قروضها بفائدة صفريَّة أو قريبة من الصفر، وغالباً ما تُسدَّد من خلال مقايضتها بالموارد الطبيعية، هذا إن لم يتم إلغاؤها بالكامل».
وهو ما ينفي عن هذا الإقراض صفة «الاستعمار الحديث» التي تتسم بها سياسات صندوق النقد الدولي لصالح الدول الرأسمالية الإمبريالية. ورغم أن النهج الذي تتبنّاه الصين حالياً تجاريّ أكثر من سابقه، فإنها تواصل دعم المشاريع التي تديرها الدولة في قطاعي الصناعة والزراعة، وهو ما يتناقض مع إصرار إجماع واشنطن على شروط برامج التكيُّف الهيكلي.
لا يشكّل الاستثمار الخاص حصة كبيرة من الاستثمار في الخارج، «وأن رأسماليي القطاع الخاص لا يملكون نفوذاً بما يكفي للضغط على الدولة الصينية لفرض مصالحهم في البلدان الأخرى، وأن معظم الاستثمار الرسمي والإقراض يتبع السياسة العامة للحزب والدولة. إجمالاً، تشير جميع الأدلة إلى أن انخراط الصين خارج حدودها لا يتبع في أي حال ديناميكية الإمبريالية الرأسمالية المعهودة».
أخيراً، يمكننا القول: من المتوقع في اقتصاد رأسمالي تقوده دولة اشتراكية ماركسية وتهيمن عليه علاقات إنتاج اشتراكية، أن يسير نحو تفاعلات عالمية ليست إمبريالية.

* كاتب سوري