تعتزم تنظيمات «الأمر الواقع» في الحزب السوري القومي الاجتماعي والمجموعات الحزبية المعترضة على أدائها الدعوة إلى عقد مؤتمرات حزبية خاصة بكل تنظيم، على حدة، في محاولة للخروج من مأزقها التي رمت نفسها ورمت الحزب فيه. ولا يخفى على القوميين والمواطنين الأثر السيّئ الذي تركه الانشقاق الأخير (13 أيلول 2020) على الحزب وأعضائه وأصدقائه. هنا، مساهمة في إغناء النقاش الذي يجري داخل كل تنظيم وكل مجموعة لبلورة حل جديد يخرجه/ ويخرجها من مأزقه/مأزقها، هي خلاصة نقاشات طويلة جرت وتجري بين القوميين، على امتداد السنوات الماضية (وأنوّه هنا بكتابات الأمينين الراحلين هنري حاماتي ومحمد معتوق التي صحّحت الكثير من الاعتقادات الباطلة والقناعات الخاطئة). وتتضمّن هذه المساهمة ثلاث أوراق تستجيب لمتطلّبات المرحلة وهي:الورقة الدستورية والورقة الاقتصادية والورقة السياسية. أوراق ثلاث نضعها بين أيديكم/ وأيديكن للنظر فيها والاستفادة منها.

الورقة الدستورية
تطمح هذه الورقة إلى تحديد شكل النظام القومي الاجتماعي في الدولة القومية العتيدة، بين نظام رئاسي أو برلماني أو نصف رئاسي أو مختلط، وبين ديموقراطية تمثيلية أو تعبيرية أو شعبية أو تركيبية... إلخ. وتعيين كيفية انبثاق السلطات في الحزب والدولة، من تشريعية وتنفيذية وقضائية، وبالتالي استقلاليتها وتعاونها وتوازنها... إلخ. كل ذلك، انطلاقاً من قواعد الفكر الدستوري عند سعاده ومن تجربة الديموقراطية التعبيرية التي هي النظام الجديد الذي دعا سعاده إلى إقامته في بلاده على أنقاض النظم القديمة التي أعلن زيفها وبطلانها. وتلفت اللجنة نظر المهتمين بالمشاركة في الورقة الدستورية إلى:
1-إعطاء المرسوم الدستوري العدد (4) الخاص بلجان المديريات ومجالس المنفذيات ما يستحق من اهتمام في أبحاثهم ومناقشاتهم.
2-التشديد على الفصل بين السلطات واستقلال القضاء الحزبي، وبالتالي القضاء القومي (في الدولة القومية) استقلالاً تاماً.

الورقة الاقتصادية
تتركّز هذه الورقة حول ثلاثة محاور أساسية متكاملة:
يُعنى المحور الأول بهوية الاقتصاد القومي الاجتماعي: اقتصاد رأسمالي، اشتراكي، تعاوني، تركيبي؟... إلخ. وبالتالي أسسه ومفاهيمه. ويتعلق المحور الثاني بإعداد دراسات تتضمّن مشروعات اقتصادية أنتر-كيانية (وحدوية) تربط المناطق والدول السورية كافة، كمجلس تعاون اقتصادي سوري. أمّا المحور الثالث والأخير، فيتطرق إلى سياسات ومواقف من التطورات الاقتصادية الجارية، على الصعيدين: القومي والعالمي، تُثبت حضور الحزب وتفاعله مع قضايا أمته الاقتصادية، وبالتالي مساهمته في إرساء نظام عالمي جديد، متحرّر من القطبية: أحادية كانت أو ثنائية أو تعدّدية.
فكرياً، يجب الإضاءة على جديد سعاده في الشأن الاقتصادي لتمايزه عما جاءت به المدارس الاقتصادية الأخرى، إذ لم ينطلق سعاده من العَدَم، ولم ينحصر ما قدّمه في الاقتصاد بما جاء في المبدأ الإصلاحي الرابع حول أهمية الإنتاج وقاعدة توزيع الثروة، بحسب الشراكة والجهد المبذول، بل يرتكز الاقتصاد القومي إلى قواعد ذات طبيعة فلسفية لها علاقة بحياة الإنسان- المجتمع ورقيّه، وتنبثق هذه القواعد من نظرة سعاده التي تترجم التطور الإنساني بتفاعل قواه المادية والروحية، وتؤكد على منظومة القيم والمثُل المجتمعية العليا ووحدة الحياة في دورة اقتصادية متكاملة.
إلى جانب السياق النظري، وفي إطاره، تُعنى هذه الورقة بوضع أطر العمل الحزبي الاقتصادي، وفتح النقاش حول طروحات عملانية تترجم فكر سعاده الاقتصادي بخطط وآليات اقتصادية ومالية تعود بالنفع على الحزب والمجتمع.
أمّا قواعد الاقتصاد القومي فتقوم على:
1. تنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج، فالإنتاج هو مقصد رئيسي من مقاصد التفكير في الدولة الحديثة. وعلى أساس الإنتاج فقط يمكن النظر في إيجاد العدل الاجتماعي الحقوقي بين الذين يشتركون في الإنتاج.
2. تصنيف الإنتاج والمنتجين بحيث يُمكن ضبط التعاون والاشتراك في العمل على أوسع قياس ممكن، وضبط نوال النصيب العادل من الإنتاج، وتأمين الحق في العمل والحق في نصيبه.
3. تنظيم استخدام الثروات القومية وإعادة توزيعها، كالنفط والمياه، فلا تبقى حكراً على بعض الدول دون غيرها، فالأمة السورية تمتلك ثروة نفطية كبيرة لم توظف، إلا لماماً، في مشاريع التنمية القومية أو حتى التنمية المحلية داخل كل دولة، لأن هذه الثروات القومية هي، عملياً، وقف على عائلات حاكمة أو أنظمة سياسية متسلّطة تتصرّف بها تصرفاً كيفياً، دون أي اعتبار للمصلحة القومية العليا؛ فضلاً عن أنّ هذه الثروة سلاح ثمين لم تستخدمه الأمة في جميع قضاياها الكبرى، خصوصاً في فلسطين.
ونظراً إلى كون النفط ثروة قومية عامة، فهو، إذاً، ملك قومي عام للمجتمع القومي كله في الهلال الخصيب وليس حكراً لواضعي اليد على أرضه، فالسوريون الآخرون هم، أيضاً، شركاء، قومياً، في هذه الثروة. ولذلك فإن عائداته هي -حكماً- عائدات قومية عامة يعود للشعب كله حق الانتفاع منها، ليس للعراقيين أو الكويتيين -أو بعض فئاتهم- وحدهم. وعليه، فإن المصلحة القومية العليا تقضي بتنظيم هذه الثروة وإعادة توزيعها بشكل عادل بين الدول المالكة للنفط والدول المحرومة منه، على حدّ سواء.
إلى جانب النفط، هناك الثروة المائية. وهي، أيضاً، ثروة قومية عامة، تنطبق عليها القاعدة نفسها، ويحكمها المنطق نفسه. فالأنهار السورية، وما بينها من جداول وبحيرات، تشكّل ثروة مائية هائلة، ولكنها غير مستغلّة تماماً بسبب الهدر وسوء الاستخدام وانعدام التخطيط، فضلاً عن عمليات السطو التي تلحق بها جرّاء الاستيطان اليهودي في الجنوب والاحتلالين: التركي في الشمال الغربي، والإيراني في الشمال الشرقي.
إنّ دراستنا هذه تهدف إلى دفع الحكومات المعنية، خصوصاً في الشام والعراق، إلى العمل على إزالة الصحراء الداخليّة بين شطري البلاد: الشرقي والغربي، معتمدتين على نهري دجلة والفرات بعد تحرير مياههما من سطو الجيران، وتحويلها إلى مزارع وبساتين تسمح بإنشاء القرى والمدن وترابط العمران فيتمّ الاتحاد الاجتماعي الذي – لطالما – تذرّع بضعفه أعداء الأمة الداخليّون والخارجيّون ليعلنوا، متشفّين، صعوبة الاتحاد بين شطريها، والذي إذا لم يسبقه الاتحاد السياسي، فلا غنى له عن اللحاق به.
4. إيجاد حالة صناعية تخرج الأمة من حالة الرقّ للنظام الرأسمالي القائم على الصناعات الكبرى في الأمم الكبيرة المتقدّمة، لأن الأمة التي تبقى في حالة زراعية محض تبقى حكماً مستعبدة للأمة التي هي منظّمة صناعياً تنظيماً عالياً.
5. تخطيط سياسة اقتصادية قومية ترتكز على الوحدة الاقتصادية في البلاد السورية كلها وضرورة قيام نهضة صناعية- زراعية على أسس متينة.
6. توثيق الروابط السياسية والثقافية والاقتصادية بين مجموعة الدول السورية وذلك بإلغاء الحواجز الإداريّة والجمركية ونظام التأشيرة في ما بين هذه الدول، وبناء المؤسسات الجامعة وأُولاها السوق الاقتصادية المشتركة، وربطها بشبكة مواصلات بريّة ونهرية وربما بحرية واسعة وحديثة، لما لخطوط المواصلات -على أنواعها- من دور حيوي في ربط مفاصل الدورة الحياتية الاقتصادية-الاجتماعية على امتداد الوطن كله، ودورها، أيضاً، في جبل الجماعات المتباعدة والمتنافرة وصهر عقائدها وتقاليدها، وإعادة تشكيلها لصياغة مجتمع متجانس، موحّد الأهداف، موحّد المصالح الحيوية، موحّد المصير.

الورقة السياسية
تُعنى هذه الورقة بتعيين المهام التي يترتب على الحزب تنكّبها في المرحلة الراهنة وشروط إنجاز هذه المهام، على أن تشكل دليلاً لكل باحث وباحثة يشارك/تشارك بدراسة سياسية. وتنطلق الورقة من قاعدة تقول إن «السياسة فن تحقيق الأغراض القومية» وتقارب هذه الأغراض على أنها كلّ متكامل يمثل القضية القومية في وحدتها وترابط مصالحها، وتتدرّج من العام إلى الخاص، ومن الكل–الأمة إلى الجزء-الكيان السياسي، ومن المصالح العامة إلى الشؤون البينية أو الأنتر-كيانية.
أولاً: تواجه الأمةَ السورية أخطارٌ كبرى تهدّد كيانها برمّته، وتعظم هذه الأخطار بسبب واقعين قديمين مفروضين فرضاً: الأول هو التجزئة السياسية التي ترتبت على اتفاقية سايكس-بيكو (1916) والثاني هو الاستيطان اليهودي في سورية الجنوبية (فلسطين) والاستيلاء التركي على شمال-غرب سورية في المنطقة المعروفة بـ«كيليكية والإسكندرون»، والاستيلاء الفارسي على شرق سورية في المنطقة المعروفة بـ«الأحواز». وهناك «واقع» ثالث استجدّ حديثاً هو الاحتلال الأميركي-التركي المقنّع، بالتواطؤ مع بعض الجماعات السورية، لأجزاء كبيرة في الشمال والشرق السوريين.
ثانياً: تواجه الحزب تحديات داخلية هائلة تتمثّل في عمليات الاستقطاب المذهبي والطائفي والعرقي التي بلغت ذروتها في العراق، وتجد أصداء لها في مناطق سورية أخرى، كلبنان، مثلاً. إن حزبنا، الرفقاء والرفيقات، هو الحزب الوحيد في سورية والعالم العربي المؤهل، فكرياً وتاريخياً، لأن يكون عصب الردّ الإستراتيجي على هذه التحديات.
بناءً على ما تقدّم في الفقرة (أولاً) والفقرة (ثانياً)، لا بدّ للخطة السياسية المأمولة أن تستهدف:
1- تأمين الصمود، قومياً، في مواجهة الهجمة الأميركية-الصهيونية وامتداداتها الإقليمية، وتعزيز الصمود، داخلياً، على جبهات المقاومة بتقوية الجبهة الداخلية، وإزالة التناقضات الاجتماعية عن طريق برامج إصلاحية واسعة ذات عمق قومي اجتماعي.
2- مدّ نشاط الحزب وتقويته في الكيانات السورية التي بقي انتشاره فيها بسيطاً كالعراق والكويت وهزيلاً كقبرص، ووضع خطّة لضبط الفروع الحزبية في الكيانات السورية، المذكورة أعلاه، آخذين، في الاعتبار، ابتعادها عن المركز الذي تستفرد به، عادة، بيروت ودمشق، من دون الوقوع في فخّ «القطرية» المدمّرة.
3- إذا كان الاحتلال يستحضر المقاومة، وإذا كانت سياستنا في الحرب هي سياسة القتال، ولا تخضع لغير المبدأ الثامن من مبادئ الحزب الأساسية القائل «مصلحة سورية فوق كل مصلحة»، فلا يجوز التخلي عن المقاومة، في أي حال، طالما لم تُحقّق أمتنا السورية السلام الموافق لمصالحها في التقدّم والارتقاء. لا بدّ للحزب، إذاً، أن يكون له حضور فعلي في معارك فلسطين والشمال السوري، وأنّى اقتضت الحاجة أن يكون!
4- أن يكون الحزب جزءاً من جسم أكبر يضمّ أحزاباً وتكتلات وشخصيات أخرى تتفق على برامج قريبة من برامجنا. إنّ قيام جبهة سياسية واسعة تجتمع على «ميثاق عمل شعبي» في كل كيان من الكيانات السورية، وتسعى لبرنامج موسّع في إطار «ميثاق سوري قومي» جامع يشكّل درعاً للحزب ويقرّبه من تحقيق أهدافه الكبرى.
5- إيلاء الجبهة العربية المكرّسة في غاية الحزب ودستوره ما تستحق من اهتمام، كإنشاء دائرة سياسية أو مكتب حزبي مركزي رفيع المستوى للاهتمام بالقضايا العربية، تأكيداً على أن سورية هي إحدى أمم العالم العربي، وأنها لن تتنازل عن دورها في نهوضه وتقدّمه وتبوّؤ المركز اللائق به بين العوالم الأخرى.
6- وفي هذا الإطار، هناك ضرورة، أيضاً، لإنشاء دائرة سياسية أو مكتب حزبي مركزي للاهتمام بمستقبل البحر المتوسط، كبحر وسيط، لعب دوراً جامعاً بين شعوبه، ولا يزال، بإمكانه، أن يلعب هذا الدور الثقافي والتعميري، ويؤكد هذا المكتب أو الدائرة على دور سورية الريادي في المتوسط، باعتبارها أمة متوسطية وتحمل في نفسيتها خطط التفكير المتوسطي العملي البعيد عن كل ما هو غيبي وجامد.
7- إنّ مسألة الإصلاح السياسي باتت ملحّة، أكثر من أي وقت مضى، بفعل جملة من المتغيّرات الدولية والداخلية، ما يُرتّب على الأنظمة السياسية القائمة، في الدول السورية -على علّاتها- إعادة النظر في سياساتها التي عفا عليها الزمن والمبادرة فوراً في إجراء الإصلاحات المنشودة، على الصعد كافة: سياسية واجتماعية واقتصادية وقضائية... إلخ.

ملحق (أ): في المسألة الفلسطينية
تمرّ المسألة الفلسطينية، في طورها الجديد، بمنعطف خطير، بعد تخلي معظم الحكومات السورية والعربية، عملياً، عن التزاماتها تجاه فلسطين والفلسطينيّين، وانخراط بعضها سراً وبعضها علانية في عمليات «تطبيع» واتفاقيات «سلام» و«تعاون» في مختلف الأصعدة -خصوصاً الأمنية- مع العدو الإسرائيلي ولن تكون آخرها ممالك وإمارات ومشيخات النفط في الجزيرة العربية ووادي النيل وبعض دول المغرب الكبير، تاركة الفلسطينيين يواجهون، وحدهم، مصيرهم، في ظل صمت دولي مريب!
إنّ الفلسطينيين، ومعهم أبناء البلاد السورية كافة وأحرار العالم العربي أيضاً، ملتزمون بمواجهة هذا المخطّط الدولي العربي الإقليمي المريب ويواجهونه على كل الصعد، ولذلك هم مدعوون -اليوم- إلى ترجمة هذا الاتجاه القومي الرافض لكل تسوية، ساخرين من كل «شرعية» عربية أو إقليمية أو دولية تحاول أن تذرّ الرماد في العيون.
هذا على الصعيد الفلسطيني العام، أمّا على صعيد «اللاجئين» فمن المخزي، قومياً، أن يبقى الفلسطينيون الذين هُجّروا من ديارهم قسراً عام 1948 وعام 1967 «لاجئين» في نظر الدول حيث يقيمون وأن يستمرّ التعاطي معهم إلى ما لانهاية -حكومياً وشعبياً- على أساس هذه الصفة، فيحرمون بسببها، في بعض الكيانات السورية، من أبسط الحقوق المدنية كالحق في السكن في محيط ملائم، والحق في العمل والانتقال والملكية، والحق في التعبير عن الرأي بحرية تامة.
إننا إذ نؤكد على أن المسألة الفلسطينية هي مسألة قومية بامتياز تخصّ المجتمع القومي في الهلال الخصيب كله، في تعاقب أجياله، وليس الفلسطينيين وحدهم، فإننا ندعو الحكومات المعنية إلى فكّ الحصار العربي والدولي المفروض على الفلسطينيين بغرض تجويعهم وتركيعهم وإذلالهم، واعتبار كل فلسطيني «لاجئ» على أراضيها مساوياً -في الحقوق والواجبات- لأي مواطن من مواطنيها. كما ندعو هذه الحكومات إلى إلغاء كل القيود السياسية والإدارية التي تمنع الفلسطيني من الدخول والخروج والعمل والانتقال -بحرّية- على امتداد الرقعة الجغرافية لدول الهلال السوري الخصيب!

ملحق (ب): في المسألة الكردية
إننا إذ نعتبر الأكراد وغيرهم من الجماعات السورية «المنكفئة» على نفسها في متّحداتها الصغرى، مواطنين سوريين كسائر أفراد الشعب السوري، فإننا نُدين القوميات العنصرية والمذهبية واللغوية، ونعتبرها عصبيات رجعية خطرة على وحدة الأمة ومصالحها ومصيرها، ونستنكر إقامة «حكم ذاتي» أو «إدارات ذاتية» في كردستان وسائر مناطق سورية الطبيعية تفكر في إقامتها قوى الأمر الواقع، من تركمانية وكردية وعشائرية، في شمال غرب وشمال شرق الفرات في ما يُعرف، اليوم، بـ«قوات درع الفرات» و«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، مستفيدة من وجود قوات الغزو الأميركي والتركي في الجزيرة السورية.

ملحق (ج): في مسألة الاحتلالات الأجنبية
إلى التجزئة السياسية والاستيطان الصهيوني والتمزّق الاجتماعي النفسي والتخلّف الاقتصادي الثقافي، تواجه مجموعة دول الهلال الخصيب احتلالات واسعة في الشمال (تركيا) وفي الشرق (إيران) ترتكز على مزاعم وهمية، في حقوق باطلة، للأتراك والإيرانيين في أراضيها. هذه الاحتلالات الباطلة تتحكم، عملياً، بثروات البلاد المائية والنفطية والسياحية والحرجية وتتهددها بالتصحر، فما كان لإيران وتركيا، الدولتين الإقليميتين، أن تنشآ وأن تتحولا إلى دولتين عظميين في المنطقة، لولا تلك المساحات الغنية من الأراضي التي استولتا عليها، من الشام والعراق، بتواطؤ بريطاني-فرنسي-روسي، في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، وبتواطؤ بريطاني-فرنسي في مرحلة ما بين الحربين العالميتين. المشكلة نفسها تواجهها الأمة مع المصريين في سيناء والوهابيين في الصحراء السورية المعروفة بـ«بادية الشام».
إنّ موقفنا من الاحتلالات الاستيطانية هو موقف الممثل الشرعي عن حقوق الأمة في كامل وطنها، فهذه الحقوق هي حقوق شرعية ثابتة غير قابلة للتصرف، فباطلة هي «شرعيات» الحكام والأتباع الذين ارتكبوا ويرتكبون جريمة تصريف هذه الحقوق وتهريبها لليهود والفرس والترك والوهابيين، وباطلة هي تواقيعهم إلا من حيث هي تواقيع خيانة ووثائق إدانة يؤخذ بها أصحابها من رقابهم!

* أستاذ جامعي