بعد كل ما حدث ويحدث في غزة من همجية غير مسبوقة في العدوان على أهلنا هناك، ومن مقاومة وصمود أسطوريّ غير مسبوقين في بلادنا، وبعد إقرار تجويع أهل غزة على مرأى الجميع ومسمعهم، والمماطلة في إدخال المساعدات المتكدّسة في معبر رفح، لم يعدْ ممكناً الوقوف من دون قرار فاعل على الأرض، من شأنه تجسيد إرادة الرأي العام العربي والعالمي، الذي يرفض تماماً هذه الإبادة غير المسبوقة في التاريخ المعاصر!فمن غير المنطقي ألّا يستطيع مئات الملايين من الشعب العربي، خاصة، ومئات الآلاف من أحرار العالم، فرض دخول المساعدات إلى شعب طالتْه المجاعة في ظروف الحرب الوحشية.
فما العمل، الآن وهنا؟
• على الأكثرية الصامتة في الوطن العربي أن تتحوّل إلى «أكثرية ناطقة»، كي تسهم في التأثير في الشأن العام، وذلك بالتجمّع، ضمن إطار مدني عابر للأديان والطوائف والمذاهب والإثنيّات والأيديولوجيات والأحزاب، في سبيل العمل المدني الهادف إلى صيانة الشأن العام.
• على المدى البعيد والمتوسط، يكون هدف هذا التجمّع الوطني السلمي هو التصدّي لكلّ ما يهمّ الوطن والمواطن، بناءً على برنامج قومي ووطني (يمكن وضع هذا البرنامج بالاتفاق مسبقاً بين أعضاء نواة هذا التجمّع المدني، وترتيبه حسب أولويات كل بلد، ولمصلحة الوطن كله)، يتمّ التوافق عليه، وتكون بنوده واضحة ومرتّبة حسب الأولويّات الوطنية، لتشكيل رأي عام ضاغط على سلطة الدولة من أجل التغيير إلى الأفضل.
• سيسهم هذا التجمّع في بناء ثقافة جديدة، تطرح الخوف جانباً، وسيسهم رأي الأكثرية «الناطقة» في بناء إنسان جديد، مؤثِّر ومؤمن بأنّ رأيه ذو قيمة لخير الشأن العام! وحين يشكّل قوة مدنية سلمية، سيعيد هذا التجمّع الثقة والفاعلية للمجتمع الذي تمّ تغييب أثره في الشأن العام، لعقود!
• وسيكون لهذا التجمّع رأي على المستوى الوطني في كل بلد عربي: في تعديل الدستور لتحقيق دولة المواطَنة، وفي تعديل قوانين عدة، منها قانون الأحوال الشخصية المُجحِف بحقّ المرأة والطفل، ومنها أيضاً وأهمّها قانون الانتخابات، وفي المناهج الدراسية، لبناء مواطن حرّ، فكره ناقد وبنّاء، وفي الفساد المستشري والليبرالية الاقتصادية التي تكسر القوانين وتلويها لمصالحها المتوحّشة، وفي تطوير القطاع العام ومحاربة الاحتكارات والخصخصة، وفي تطبيق العدالة الاجتماعية والعدالة في توزيع الثروة، في سبيل العيش الكريم، وفي منع تغوُّل الأجهزة الأمنية على الناس؛ فالواقع المُعاش وتحصين المواطن من الانزلاقات إلى الفساد عامل مهم في صمود الناس أمام ضغوطات الأعداء، وظهير صلب للمقاومة، خاصة في حربنا الوجودية ضدّ الصهاينة والمتصهينين!

• أمّا الآن وهنا، فيمكن لهذا التجمّع، بالتوافق مع أحرار العالم، إطلاق نداء على وسائل التواصل، بالسرعة الممكنة، لجمع شخصيات مرموقة في العالم الحرّ الحقيقي، للعمل على التجمّع في رفح المصرية ضمن قوافل كبيرة ترفع أعلام الدول العربية والإسلامية والعالمية المشاركة فيها، مع ضمانٍ لتمويل هذه القوافل، ذاتياً أو عبر جمعيات مدنية إنسانية أو أفراد مؤمنين بهذا العمل المدني، لإدخال المساعدات بكثافة إلى قطاع غزة والإشراف على توزيعها هناك، وكسر هذا الحصار الجائر على القطاع!
ويمكن، في الوقت نفسه، ممن لم يستطع المشاركة شخصياً في هذه القوافل، التجمّع في كل أنحاء العالم، أمام سفارات البلاد المتواطئة مع العدوان الهمجي، للضغط باتجاه دخول المساعدات بكثافة إلى غزة بأمان!

* كاتبة ومترجمة