بقلوب يعتصرها الحزن والألم، تلقّى أحرار العالم كلّه النبأ المفاجئ بسقوط المروحية التي كان على متنها رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد إبراهيم رئيسي، والسيد حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية، ورفاقهما الشهداء.برحيل السيد رئيسي فقدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية والشعب الإيراني الشقيق، وفقدت فلسطين ومحور المقاومة وأحرار العالم كله، رجلاً كان من أشجع الرجال وأصدق الرجال وأخلص الرجال. كما فقدت مهندس الدبلوماسية الإيرانية السيد عبد اللهيان الذي لعب دوراً مهمّاً في تعميق علاقات إيران مع الصين وروسيا والعديد من الدول في المنطقة والعالم أجمع.
لقد كان لنا شرف اللقاء الأول مع الشهيد السيد رئيسي قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية عندما شاركنا في حضور مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران، وكان يترأّس أعمال هذا المؤتمر الذي أكّد على وحدة الشعوب الإسلامية وتلاحمها بكل مذاهبها واتجاهاتها في مواجهة الغطرسة الاستعمارية والصهيونية التي عملت بكل طاقتها لزرع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية في المنطقة. ونقول بكل الصدق: إن لقاءنا الأوّل مع السيد رئيسي ترك في نفوسنا أعمق الأثر، فقد كنّا أمام شخصية تتمتّع بأعلى درجات التواضع والهدوء والحرص على وحدة المسلمين وأبناء المنطقة. كما شعرنا أننا أمام إنسان يدخل القلب ويعيش قضية فلسطين في عقله وقلبه ووجدانه. وقد كان حريصاً بعد انتهاء أعمال مؤتمر الوحدة الإسلامية أن يودّعنا، كوفد فلسطيني وسوري ووفود بعض بلدان المنطقة، في المطار، تاركاً في نفوسنا أعمق مشاعر المحبّة والتقدير لما يتمتّع به من مواصفات إنسانية وأخلاقية رفيعة.
وعندما انتُخب رئيساً للجمهورية، دُعيت فصائل المقاومة الفلسطينية للمشاركة في حضور مراسم أداء القسم، وقد كان حريصاً -رغم وجود عدد كبير من وفود الدول الأجنبية والشخصيات الدولية المهمّة- أن يستقبل قادة فصائل المقاومة الفلسطينية. وعندما استقبلنا كوفد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بدأ حديثه بالسؤال عن المناضل أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة والأسير في السجون الصهيونية، وعندما أخبرناه بأن أميننا العام قد مضى على اعتقاله أكثر من 22 عاماً، قال: «هذا كثير، هذا كثير»، طالباً نقل تحيّاته القلبيّة للمناضل أحمد سعدات وعائلته ورفاقه في السجون.
شعبنا الفلسطيني الصامد على أرض فلسطين والذي يصنع المعجزات، لا يمكن أن ينسى أنه في عهد الرئيس السيد إبراهيم رئيسي كانت الطائرات والصواريخ والمُسيّرات الإيرانية تملأ سماء فلسطين


كما كان لنا شرف اللقاء مرات عديدة مع الشهيد حسين أمير عبد اللهيان في طهران قبل أن يصبح وزيراً للخارجية، وتكرّرت هذه اللقاءات بعد تسلّمه للخارجية. وكان حريصاً على اللقاء مع الفصائل الفلسطينية في كل زيارة له إلى دمشق أو بيروت، وكنا نشعر فعلاً أنه يمثّل، ليس فقط الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل محور المقاومة بأسره، لأنّ قضيّة فلسطين شكّلت بالنسبة إليه القضيّة المركزيّة الأولى التي كان يطرحها في كل المحافل الإسلامية والدولية. ولذلك، فإنّ رحيله المفاجئ شكّل خسارة كبرى للشعب الفلسطيني وكل فصائل المقاومة.
بعد أن تسلّم السيد رئيسي مهامه كرئيس للجمهورية، لعب دوراً أساسياً في تعميق وترسيخ العلاقات الفلسطينية-الإيرانية والعلاقات العربية-الإيرانية، كما لعب دوراً مهمّاً في تعميق العلاقات مع روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، ولذلك فإنّ غيابه شكّل خسارةً كبرى وفادحة لكل القوى المحبّة للعدل والحرّية في العالم، وهذا ما يفسّر اهتمام العالم كلّه وتعاطفه بعد وقوع الحادث الأليم.
لقد جاء استشهاد السيد رئيسي ووزير خارجيته ورفاقه في ظل ظروف وتطورات سياسية تاريخية كبرى تعيشها قضية فلسطين والعالم، خاصّة في ظل ملحمة «طوفان الأقصى» المستمرة منذ ثمانية أشهر، والتي سطّر فيها الشعب الفلسطيني صفحة مجد سيسجّلها التاريخ جيلاً بعد جيل، هذه الملحمة التي كان يتابعها الشهيدان رئيسي وعبد اللهيان لحظة بلحظة، وفي آخر خطاب للرئيس رئيسي قال:
«سلام على القدس الشريف، سلام على غزة وأطفالها، سلام لشعب فلسطين».
إنّ شعبنا الفلسطيني الصامد على أرض فلسطين والذي يصنع المعجزات، لا يمكن أن ينسى أنه في عهد الرئيس السيد إبراهيم رئيسي كانت الطائرات والصواريخ والمُسيّرات الإيرانية تملأ سماء فلسطين المحتلة زارعةً الرعب والهلع في نفوس المجرمين الصهاينة. لا شكّ أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعرّضت لخسارة فادحة ومؤلمة، لكن إيران دولة مؤسسات وستكون قادرة على مواجهة هذه المحنة بكل اقتدار، تواصل مسيرتها نحو الأمام مهما كانت المصاعب والتحدّيات.
الرحمة للشهداء،
والنصر للمقاومة.

* مسؤول العلاقات الدولية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونائب الأمين العام للمؤتمر القومي العربي