ماذا وراء مسلسل حجب بعض القنوات الفضائية ذات التوجهات المعروفة على صعيد قضايا المنطقة، خصوصاً قضية فلسطين؟ فالقرار الذي تقف وراءه المملكة العربية السعودية يتجاوز دعوى مخالفة قواعد العمل الإعلامي التي جرى تداولها في مقابلات مزعومة تبيّن عدم صحتها بالصوت والصورة، إلى أن يكون قراراً سياسياً كجزء من الحرب عدة والصراع الذي تخوضه السعودية في محورها مع خصومها. وتثبت السعودية، أو تريد، أنها الأقدر في الميدان الإعلامي والأعلى يداً، على الأقل على الصعيد التقني وبقطع النظر عن المصداقية. وبميزانهم هذا فعندما تحجب قناة فضائية فهي تسجل انتصاراً.
المطلوب عند أصحاب «مشروع التصفية» التخلص من الأصوات المقاومة
لكن هذا يكاد يكون أمراً شكلياً فيما إذا أردنا أن نقرأ خلفيات هذا الموقف، خاصة وأنه يستدعي حملة استنكارات واسعة في وجه النظام السعودي وأدواته (كشركة عرب سات). يربط كثيرون هذا الموقف العدواني بقضية المقاومة وإعلامها الذي رسّخ مصداقية عالية في عقول ونفوس العرب والمسلمين حتى عند البعض الذين لهم رأي سياسي يخالف موقف المقاومة. وصار هذا الإعلام، من قناة الميادين إلى قناة المنار غيرهما، عبئاً على إدراة الصراع لتصفية القضية الفلسطنية في زمن انتفاضة القدس المحتلة أو الهبة الفلسطينية. إذن المطلوب عند أصحاب «مشروع التصفية» التخلص قدر الممكن من العيون والأصوات الإعلامية المقاومة، لتسهل عملية التصفية لقضية فلسطين والتطبيع مع الكيان الصهيوني. وهذا الربط منطقي إلى حد بعيد. غير أن هناك جانب آخر تجدر الإضاءة عليه ينسجم تماماً مع المشروع الأساسي للحركة السعودية الوهابية منذ تأسسها وتمكنها من إقامة المملكة على خلفية مذهبية حادة أنتجتها العقيلة البدوية في نجد. وقد اصطدم هذا المشروع منذ بدايته مع المحيط الإسلامي السني قبل الشيعي بالمعنى المذهبي، ويتمثل بنشر السلفية الوهابية التكفيرية في أرجاء العالم الإسلامي وعلى قاعدة «تسلّف وتوهّب تسلم». لم يكن في بال الوهابيين آنذاك أية أهمية للإعلام وإلى ما قد يؤول إليه، لكنهم أدركوا مؤخراً هذه الأهمية. وتجلى ذلك في العدد الكبير للقنوات التلفزيونية الفضائية على أنواعها (سياسية ودينية ورياضية...) وكذلك الصحف ووسائل الإعلام الأخرى. فالنظام السعودي خاصة والخليجي عامة ولّاد على المستوى الإعلامي إلا أن القضية لا تحسمها الكثرة العددية للوسائل بل التأثير النوعي لها. لقد دأبت وسائل الإعلام والدعاية السعودية التركيز على الانقسام المذهبي بين المسلمين السنة والشيعة حتى لا تكاد توجد قضية أخرى لدى هؤلاء، سواء في البرامج السياسية أو الخطب والبرامج الدينية، ليتحدثوا عنها ويحرضوا فيها. وفي المقابل ينبري صوت الميادين وصوت المنار صوتاً وحدوياً ينادي بوحدة العرب والمسلمين على قضاياهم ولا سيما قضيتهم المقدسة فلسطين وهذا الصوت يؤثر في مجامع القلوب ويجمع الشوارع العربية أكثر بكثير مما تؤثر فيه ترهات خطب مشايخ الوهابية التي تثير الغضب تارة والضحك أخرى. القضية تبدو أيضاً هنا، في المواجهة بين جبهتين: واحدة تدعو إلى الفتنة والانقسام واستباحة الدماء والأعراض وتصفية المقدسات، وأخرى تدعو إلى الوحدة وصناعة القوة وصيانة الدماء والأعراض لاستعادة المقدسات. * كاتب لبناني