هناك فراغ يدعو إلى القلق في علاقة الدولة بالنساء في لبنان. هناك أحكام مسبّقة من الطرفين، وتاريخ صعب أن تتخطّاه أيٌّ منا، وحاضر من التوتر الدائم. فهناك ما يكفي من الظلم والقتل والعنف في علاقة الدولة اللبنانية بالنساء لكتابة تراجيديا تدمع لها الأعين وتتقطّع لها القلوب. صراحةً، هناك الكثير من الغضب وعدم الثقة والإحباط، لدرجة أنّ الوضع يتطلب معجزة لإصلاحه. غداً، في ١٤ كانون الأول ٢٠١٢، تدعو النسويات في لبنان إلى التظاهر مناهضة للاغتصاب. ولو أنّ العنوان يبدو بسيطاً للوهلة الأولى، فهو يحمل في طياته تعقيدات شديدة، في فهمها، نستطيع أن نستدل على الطريق التي تؤدي الى معرفة «ما المؤنث في لبنان؟». كنسويات، ننظر الى سلوكيات الدولة اللبنانية كمجموع مؤسسات، تؤدي دوراً ذكورياً بامتياز، وتحافظ على شكل المجتمع الأبوي الطائفي في لبنان. فوجه الدولة الحامية والقوية لا يظهر لنا نحن النساء، وتحديداً في علاقتنا معها، التي قد تنحصر في علاقة تجارية محض: هي تؤمّن لنا الخدمات الأساسية في حياتنا، ونحن ندفع لها الفاتورة كل آخر شهر. لا سلطة للدولة التي تمتلك جيشاً «انتصر» على «إرهابيين» في نهر البارد، كي تنتصر للنساء اللواتي يتعرضن للضرب، ويجبَرن على ممارسة الجنس مع أزواجهن بغير رضى منهن. تعجز الدولة من خلال مشرّعي قوانينها عن فصل مفهوم الحميمية والجريمة بعضهما عن بعض، ولا نستغرب الموضوع البتة، فالعنف الحميم وقع بين أبناء الوطن نفسه وتاريخه المُتناسى عمداً، يجعل المطالبة بالتدخل في العلاقات العائلية غير السليمة، أمراً استدعى استنفار نواب الأمة كأنّنا ندعوهم شخصياً إلى التدخل.
من المستغرب أن لا يلتقط رجال الدولة المبادرة في إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري بإيجابية، فهو مبادرة تتوجّه الى «الدولة» بصفتها الحامية والمرجعية للمواطنين والمواطنات، تماماً كما تروّج الدولة لنفسها أمام المواطنين. فرجالاتها ما يبرحون يكررون أنّ زمن الميليشيات قد ولّى، وأنّ الدولة قادرة على فرض الأمن والأمان والحماية والعدل. إن لم تستطع الدولة أخذ نفسها على محمل الجد والترفع عن منطق الطوائف والعشائر، فكيف علينا نحن المواطنات أن نأخذها على محمل الجد. الاستهتار في أخذ مطالب النساء على محمل الجد، يوحي لنا بأن نستعين بميليشيات لحمايتنا، أو أنّ الحرب الأهلية لم تنتهِ ومنطق العنف لا يزال هو السائد. لا أعتقد أنّنا في دعوتنا الدولة اللبنانية إلى إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري نقوم بفولكلور يحتمل الاعتذار عن تلبية الدعوة، فنحن نتوجه الى الدولة بناءً على العقد الاجتماعي بيننا وبينها. وإن كنا نحن نلتزم بالعقد، ونقوم بمسؤولياتنا تجاه الوطن، فعليها هي أيضاً القيام بواجباتها، أو أن تتفضل وتعدّل في دستورها وتسحب توقيع لبنان من اتفاقيات عالمية ودولية، وعندها لكل حادث حديث. لم يعد باستطاعة نساء لبنان أن يجاملن الوطن على حساب أجسادهن، ولا يستطيع لبنان أن يتغنى بتحرره و«انفتاحه» على العالم. تبادر نساء لبنان نهار السبت بالتوجه الى الدولة بصفتها موجودة وحقيقية وفاعلة، وأظنّ أن هذا بالضبط ما يريده اللبنانيون أجمع، حتى أؤلئك غير القادرين على التخلص من دكتاتورية طوائفهم.يستطيع أيّ رجل وأي فتى أن يقول رأيه الواضح والصريح في قانون حماية النساء من العنف الأسري، وقد يستطيع أن يشتمه وأن لا يقبله، وأن يعترض عليه. وتستطيع الطوائف أن تقول إنّ حماية النساء من المهمات الخاصة بها، وإنّ الرجال يحمون النساء، وإنّ هذا قانون الطبيعة المطلقة والحقيقة الأزلية، غير أنّ كلّ ذلك لا يؤخر ولا يُقدم في إقرار القانون شيئاً. فصاحبات التجربة والخبرة، واللواتي يتعرضن للعنف والاغتصاب والتحرش، هن صاحبات الشأن، ولا يستطيع أي كان أن يقرر عن النساء أمراً يختص بهن وحدهن، إلا إذا كان منهن. فكما لا تستطيع طائفة أن تملي على طائفة أخرى ما يجب عليها فعله، لا يستطيع الرجال في لبنان أن يملوا على النساء ما يردن، والنساء يقلن بصوت واضح وصريح ما يردن. هذا بالتحديد ما يجب على النساء والرجال فهمه في هذا البلد، ومن يُصر على منع القانون، فليتفضل ويتنكر في زي امرأة ويخرج الى الشارع، وليتعلم من تجربته الخاصة ما يعني أن تكون «مؤنث» في لبنان.
مؤنث لبنان هو البدء في سماع أصوات النساء، لا الحديث بالنيابة عنها. مؤنث لبنان هو نساء محميات ومواطنات فاعلات يضعن الأساس لمنطق دولة المواطن، لا دولة الطوائف. مؤنث لبنان، هو بلد العنف فيه منبوذ بدءاً بالخاص وانطلاقاً منه الى العام. يوم غد السبت، ١٤ كانون الثاني ٢٠١٢، تقف النساء وجهاً لوجه مع الدولة، وينظر الطرفان الى بعضهما بعضاً بتحدّ شديد، كما في المعارك التي يحبذها الذكوريون، والتي تؤمن النسويات بسخافتها، غير أنّهن مضطرات إلى المشاركة في مسرحيات الذكورة تلك. فهن دائماً يذكّرن أنفسهن بأنّ الأولوية في معركتهن هي تأمين الحماية والمساواة، لا تحطيم صورة الذكورة الهشة عند أؤلئك الذين هم بحاجة دائمة الى تطمين أنفسهم أنّهم ذكور دوماً.

* محررة موقع «صوت النسوة»
www.sawtalniswa.com