رغم التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب السوري خلال عشرة أشهر من ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إلا أنّ هناك بعض الإشكاليات التي تعيق انتصارها. إذا كان انتصار ثورتي تونس ومصر، بزمن قياسي، قد دفع بالكثيرين، إلى التفاؤل بإمكان استنساخ السيناريو نفسه، بالسرعة والكلفة نفسيهما، في جميع البلدان العربية، فإنّ هناك من أبدى تشاؤمه، مشيراً إلى أنّ المسألة قد تكون أكثر تعقيداً مما يظن بعضهم، ولا سيما في الدول المشرقية ذات التعدديات الدينية والمذهبية والقومية. بالفعل، فقد جاءت الثورة السورية لتثبت صحة موقف المتشائمين، إذ طغى على السطح ما بات يعرف بمسألة الأقليات، وإشكالية موقفها من الثورة التي دخلت شهرها العاشر، ولم تنجح في استمالة تلك الأقليات وكسب تأييدها. ثمة من يفسر عدم انخراط «الأقليات» في الثورة، بالانطباع والقناعة المتشكلين لديها بأنّ هذه الثورة، بطبيعتها وجمهورها وأهدافها، هي ماركة مسجلة لطائفة بعينها. الأمر الذي يثير قلق تلك الأقليات وهواجسها ومخاوفها من المستقبل في حال انتصار الثورة. هنا، لا بد من تصحيح مقولة إنّ الأقليات وحدها، لم تنخرط في الثورة. فالواقع هو أنّ أعداداً كبيرة من السوريين المحسوبين على «الأكثرية»، ونقصد الطائفة السنية، لم تنخرط بعد في الثورة، كما هي الحال بالنسبة إلى مدن حلب ودمشق والرقة، على سبيل المثال، كما لا بد من تدقيق مقولة إنّ الأقليات جميعها لم تنخرط في الثورة. فهناك بعض المناطق ممن تحسب على الأقليات قد انخرطت مبكرة فيها، كما هي حال مدينتي السلمية والقامشلي. من هنا فإن مصطلح «الكتلة الصامتة» هو الأكثر دقة للتعبير عن موقف غير المنخرطين، من الأقليات وغيرهم، في الثورة حتى الآن. إنّ معرفة الأسباب الحقيقية لموقف هذه الكتل، يتطلب، قبل أي شيء، التوقف عند هوية الثورة السورية.بعد مضي أكثر من عشرة أشهر ، يلاحَظ أنّ معظم شعارات الثورة وهتافاتها وأغانيها، مع بعض الاستثناءات هنا وهناك، تدور حول قضايا الحرية والكرامة والديموقراطية والدولة المدنية ووحدة الشعب ونبذ الطائفية والعنف. أما تركّزها في مناطق بعينها، أكثر من غيرها، فمرده، كما نظن، إلى ثلاثة عوامل أساسية: أولها، تباين سياسات النظام وأساليبه، ولا سيما الأمنية منها، بين منطقة وأخرى (يلاحظ ارتفاع منسوب الانخراط في الثورة، في حالتي تراخي القبضة الأمنية، وسقوط الشهداء، وانخفاضه في حالة تكثيف الاعتقالات، وتشديد القمع مع تجنب الوصول إلى مرحلة القتل). ثاني تلك العوامل، يرتبط، باختلاف درجة ما يمكن تسميته «التجانس الأهلي المجتمعي»، إذ إنّ المناطق الأكثر تجانساً هي الأكثر حراكاً. أما ثالثها، فيتعلق بالظروف الاقتصادية للمناطق المختلفة، إذ يلاحظ تصاعد الثورة في المناطق الريفية، والأحياء المهمشة والمفقرة، ذات الظروف المعيشية السيئة. مع ذلك، تقتضي الموضوعية، عدم تجاهل وجود نوع من مشاعر التعاطف المذهبي بين أبناء الطائفة السنية، وكذلك، عدم نفي ما لدى قسم من أبناء الأقليات من هواجس ومخاوف ذات صلة بهوية الثورة، وما ستؤول إليه الأوضاع إذا تغيّر النظام. الأمر الذي يغذيه النظام، وبعض الممارسات الخاطئة، هنا وهناك، لبعض الأطراف المحسوبة على الثورة. لكنّنا نظن أنّ ذلك ليس إلا ذريعة، يلجأ إليها هؤلاء، لتبرير عدم انخراطهم في الثورة. فإذا كانت هوية الثورة هي هوية دينية طائفية «سنيّة»، كما يزعمون، فإنّ مصلحة من ينتمي إلى هذه الطائفة هي الانخراط في الثورة، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، في العديد من المناطق التي كنا قد أشرنا إليها ذات الكثافة السنيّة! أما بالنسبة إلى الموقف السلبي لبعض الأقليات، فإنّ البراغماتية تقتضي منهم التعامل مع احتمال هزيمة الثورة، بمقدار تعاملهم مع احتمال انتصارها، وإذا هزمت الثورة، فإنّ ردّ فعل النظام لن يكون انتقامياً، كما يتوقعون، إذ ليس من مصلحة النظام معاداة المجتمع برمته. بالتالي، فإنّ الموقف الصحيح هو التعامل على أساس أنّ الثورة ستنتصر، الأمر الذي يتطلب الانخراط فيها، كي يكونوا شركاء حقيقيين في رسم لوحة المستقبل. من هنا، نقول إنّ حقيقة موقف الكتلة الصامتة يرتبط بالخوف من النظام القائم، لا مما هو قادم.
* كاتب فلسطيني
9 تعليق
التعليقات
-
المسكوت عنه لدى أنصار الديالكتيك السوري قليل من التواضع و شيء من الجرأة المسكوت عنه لدى أنصار الديالكتيك السوري يحلو للبعض ممن يعتبروا نفسهم منظريي( الثورة السورية ) أن يجروا الوقائع إلى ديالكتيكهم في عالمهم الخاصة لا محاولة قراءة الوقائع كما هي مغيبين مالا يناسب تحليلاتهم وفق النموذج الجاهز في أذهانهم وساكتين ومغفلي النظر عن كل منغصات تحليلهم الثابت والراسخ رسوخ الجبال بحيث يبدو البعض أن البعض أصبح من أهل الكهف وصحى الان أو أنه اصيب بالغياب عن الوعي ودارت به الدنيا فلم يعد يعرف أين أصبح ولكنه مازال يردد نفس الكلمات و العبارات ونسي أو لم يعد يرى أين صبح موقعه فالغالبية صامتة لأنها تتوهم أولا تعرف وليس لأنها ترى وتعرف فما يجري ثورة ولو فاحت منه كل روائح الثورة الرجعية المضادة كان الثورات المضادة أو الحركات الرجعية لا تعتمد على فئات شعبية كوقود له وهي مدنية حتى لورعتها جهات ودول تعتبر صوت المرأة عورة وهي مشروع ديمقراطي حتى لوكان القتل على القتل على الهوية ووطنية حتى لورعتها السيدة كلينتون وكان الهدف منها فك التحالف ضد المشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة اما كيف أصبح الثوار في أحضان قطر والسعودية واصبحنا في نفس الخندق الثوري مع أمريكا والغرب وكيف أصبحنا نستجدي الضغط الامريكي الغربي العربي (حلفاء الثورة) على روسيا والصين فهذا مالا تجب مناقشته .........وللحديث تتمة
-
ألم يتم كسر حاجز الخوف ؟نتيجة الكاتب غير سليمة. كيف تم كسر حاجز الخوف عند الناس، وفي ذات الوقت تخاف الأكثرية من النظام القائم ؟ الحقيقة أن الثورة غير مشجعة، لا أفراداً، ولا أحزاباً، ولا جماعات. الخطاب الديني المتطرف هو السائد منذ الأسابيع الأولى. لغة القتل والتهديد والوعيد من قبل الثوار هي المسيطرة. البرنامج السياسي يقتصر على سحل الرئيس في شوارع دمشق وتعليق جثته في المرجة، ومسح القرداحة من الوجود... وعندما تسأل: ماذا بعد؟ ... لا جواب. صمت مطبق. هذا إن فكروا بعقولهم، أما من يفكر بعاطفته ومشاعره وقلبه، فسيضعك بعالم وردي وعصافير مغردة وأزهار وبساتين، كل الخير والتقدم والجمال، ... وسيحاول إقناعك أن الفاصل بيننا وبين هذه الصورة الوردية، هو بشار الأسد فقط! وما أن يزول، كل شيء سيتم حله! نريد من يبني الأوطان لا من يهدمها، والثورة السورية لا تعرف إلا الهدم. لذلك، الأكثرية الصامتة تخاف مما هو قادم في حال انتصرت الثورة
-
"الكتلة الصامتة" هي تعبير"الكتلة الصامتة" هي تعبير طريف يستعمله الكاتب للتعويض عن "الأكثرية الصامتة" لكنه ينمي بين السطور أنها بالفعل، "الأكثرية الصامتة" التي تنتظر بأمل الغريق، سماع أزيز مقاتلات الناتو وهي تقترب من أحيائهم، وممارسة الهلع القاتل الذي يصيبهم عند إنفجار القنابل في وسطتهم، بينما يهرعون للبحث بين الأنقاض عن طفل أو أم أو أب. ريتشارد نيكسون كان أول من إستعمل هذا التعبير لتزوير الموقف الشعبي من الجرائم التي كانت ترتكبها إدارته في فيتنام! وهو في حينه تعبير دعائي ذكي يوحي بتأييد معظم الشعب للقتل والتدمير الذي كان على قدم وساق في فيتنام. أما في سورية، فالسبب الأكثر إقناعالإنعكاف أكثرية السكان عن الإخوان المسلمين ومجلسهم الوطني وهيئة التنسيق وسواهم من ‘الكتل‘ فهي لعجز تلك ‘الكتل‘ عن طرح برنامج يزيد عن ثلاثة سطور، بالإضافة لإرتباطات مريبة للبعض، كما في حثهم الدوائر الإمبريالية لقصف سورية وأحتلالها من قبل قوات الناتو أو أزلام الناتو في البلدان العربية. إن عسكرة وتجييش الإنتفاضة، المنهج المفضل ‘للمجلس الوطني‘ للإخوان المسلمين منذ الثمانينات من القرن الماضي، والذي حظي بختم الموافقة من هيئة التنسيق، قصدا منذ البداية إستيراد المحتل الأجنبي، على نسق ليبيا. وأصبحت المنهج الوحيد بعد تحطم أحلام الإخوان المسلمين، وسواهم من قليلي الخبرة السياسية والعسكرية، في تحريض الجيش السوري على الإنقسام، والشعب السوري على الإنتفاضة، ومؤسسات الدولة السورية على الشلل. والضحية هنا هي بالضيط ‘الأكثرية الصامتة‘ التي شاركت بالقدر التي تستطيع في الأيام الأولى للإنتفاضة، لنيل حقوقها السليبة، وإنعكفت في منازلها بعيدا عن مختطفي إنتفاضتهم العتيدة بعد ظهور مسلحي الإخوان المسلمين في درعا في نيسان 2011!
-
من شي قليل ضاعت فلسطينمن شي قليل ضاعت فلسطين
-
السلطة في البحرين ارتكبت ابشع الجرائممن قال لك ان السلطة لن تنتقم فعندنا في البحرين انتقمت السلطة بأبشع الأساليب من قتل الابرياء الى هدم المساجد الى فصل الموظفين و لكن الثورة زاد تحررها في ضمير الشعب. ولم يتخلف عنها الا المستفيدين من الدكتاتورية..
-
التحليل الفانتازيفي الحقيقة فإن الكاتب يجمع بين التحاليل المتناقضة بشكل مدهش، ويتعامى عن الكثير من الحقائق الواضحة على الأرض والتي لم يعد ينكرها إلا العميان من أصحاب نظرية "الفورة" إن "ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية" حسب وصف الكاتب، تمعن في قتل كل من هو ليس منضوياً تحت لوائها... وقد قامت بشنق أحد المواطنين مؤخراً فقط لأنه قال الحقيقة لفريق المراقبين العرب... هل هذه هي " الحرية والكرامة والعدالة"؟؟؟؟؟ الأمر الآخر هو الوجه العسكري للفورة... فمنذ بداية الأحداث والعنف الموجود ممن يطلقون على أنفسهم "ثوار سلميين" واضح للعيان بشكل مقزز... سؤال بسيط للكاتب "الفلسطيني": لماذا لم تقوم قطر أو جامعة الدول العربية تجاه فلسطين بربع أو حتى عشر ما قاموا به في 10 أشهر ضد سوريا؟؟؟ لا أحب نظرية المؤامرة، ولكن هناك عقل ومنطق للتفكير وحقائق تصرخ على الأرض... الأجدى بالكاتب أن يتساءل، باعتباره فلسطينيا، عن سر هذا التناقض الغريب في المواقف، وما هي أسبابه
-
ليس الخوف من النظامعدم الانخراط في "الثورة" هو رائحة النفط التي تنبعث منها وبقوة...عدم الانخراط لأن ليس هناك ثورة تطالب بالتدخل الدولي تحت مسمى "حماية مدنيين أو حظر جوي"...عدم الانخراط في الثورة لأني أرى ثوار سوريا الجدد هم نسخة سورية من 14 آذار في لبنان ...نحن كلنا في سوريا نريد الحرية لكن من نفرط بالسيادة والاستقلال فكرامتنا أهم مانملك ...
-
حاجة تحلل بحياتكهلأ هيك طلع معك آخر شي انو دمشق وحلب والرقة وكل المناطق يلي هي مؤيدة للنظام (ويلي انت سميتا الكتلة الصامتة) هي خايفة من النظام؟؟!!!! اي حاجة تحلل بحياتك...تسلملي تحليلاتك
-
كفاكم تنظير يا من تسمونكفاكم تنظير يا من تسمون أنفسكم مثقفين نحن السوريين نعلم حقيقة الأمر على الأرض 0 ان ما يحدث في سوريا لاينتمي الى الثورة في شئ ما يجري هو تحرك لمجرمي الأخوان المسلمين بدعم مباشر من عرب الخليج بالمال والسلاح والأعلام بهدف الوصوا الى السلطة لأكمال ما جرى نتيجةتحالف أمريكا والغرب مع الأخوان المسلمين بوساطة خليجية 0 وليس صحيحا أن الأقليلت فقط مع النظام بل الصحيح أن معظم أهلنا من الطائفة السنية الكريمة هي مع النظام بل هي في الحقيقة تمثل معظم النظام في سوريا 0 كن على ثقة أن المؤامرة الغربية الخليجية في سوريا زكن على ثقة أننا لن نسامح هؤلاء المسلحين القتلة الذين ارتكبوا المجاذر بحق الجيش والأمن والشعب المؤيد للرئيس الأسد أما المتظاهرين السلميين فلن يقترب منهم أحد لكن في المرات القادمة عليهم الترخيص لمظاهراتهم وفق القانون 0 أخيرا قد لايعجبكم رأي هذا وتعمدون لعم نشره لايهم المهم أن يصل الرأي الى الكاتب المحترم 0