«بما أنّك لا تلبس ثياباً نسائية، لا ينبغي أن تستخدم شامبو نسائياً! لديك اليوم شامبو 100 في المئة للرجال. إذا كنت رجلاً، استخدم «بيومان BIOMEN»!، يقول هتلر في إعلان مدبلج على قنوات التلفزة التركية، على نحو مستمر. يفسر إعلان الشامبو ذاك الكثير عن التغيير القسري، وتحضير البلاد للحرب.
في 22 تموز 2007، بعد فوزه برئاسة الوزراء للمرة الثانية، وقف رجب طيب أردوغان على شرفة المقر الرئيسي لحزبه، ودعا الحشود «إلى رفع الأعلام ... دعوني أرى الأعلام! سنقول الآن «أمة واحدة، بلاد واحدة، علم واحد، دولة واحدة!». لم تهتم وسائل الإعلام الرئيسية بتشابه تلك العبارة مع جملة «شعب واحد، أمة واحدة، قائد واحد» («Ein Staat, ein Volk, ein Führer!»)، النازية.
كما لم تثر عبارته «من لم يصوّت لحزب العدالة والتنمية هم الآخرون المختلفون في البلاد»، لم تثر أي شك حول مفهومه الخاص بالديموقراطية. بدأت حينها حملة ملاحقة المعارضين للحكومة بتهمة الانتماء لعصابة «أرغينيكون». في 29 آذار 2009، حان وقت الانتخابات المحلية. لم يكن فوز «حزب العدالة والتنمية» مثالياً كما الانتخابات السابقة، إذ لم يصوّت الجنوب الشرقي التركي بما يكفي للحزب، وبدأت ملاحقة المعارضين بتهمة جديدة هي الانتماء الى اتحاد المنظمات الكردية المدينية (KCK التي يقال إنّها الفرع المدني من حزب العمال الكردستاني المسلح).
وصلنا إلى الاستفتاء على تعديل جزئي للدستور في 12 أيلول 2010. وكما كان متوقعاً، غيّر فوز «العدالة والتنمية» تكوين أعلى جسم قضائي في البلاد لمصلحة الحكومة. وقف أردوغان مجدداً على شرفة النصر ليعلن: «لقد قالت أمتنا نعم. من اليوم وصاعداً نستمر في التقدم». وذلك ما فعله هو.
في 12 حزيران 2011، بعد فوزه الساحق بولايته الثالثة على رأس الحكومة، قال رئيس الوزراء من على شرفته تلك: «لا ينبغي أن يكون لدى أحد شكوك، سواء صوّتم لنا أو لا، كل معتقداتكم وقيمكم وأسلوب حياتكم هي فخر لنا».
تحت ستار «التواضع» المبالغ فيه، بدا المعنى الضمني لكلماته جلياً. كان مؤيدو «حزب العدالة والتنمية» يشكّلون الأكثرية في البلاد، أما باقي الأطياف السياسية فكانت تمثّل الأقلية. بيد أنّ تحقيق توافقٍ بين وجهات النظر المتعارضة تلك أو غضّ الطرف عنها تماماً وقفٌ على رحمة رئيس الوزراء. بفضل هيمنة «حزب العدالة والتنمية» على صعيد الدعاية، اعتُبِرَت الكلمات التي تفوّه بها رئيس الوزراء مُرضيَة كضمانة للتركيبة التعددية للديموقراطية التركية، ولم يطرح القمع المحتمل الذي تمارسه الأكثرية مسألة تُناقش في أوساط متعددة. مجدداً، مثّل التحدث عن مخاوف مشابهة خطيئة ضد «حزب العدالة والتنمية»، وبالتالي ضد الديموقراطية. على الرغم من الاعتقالات السياسية، يبدو أنّ الأكثرية في هذه الدولة لا تزال تصدّق الشعار الذي يقول إنّ «حزب العدالة والتنمية يصون الديموقراطية».
ذلك مع أنّ أكثر من 600 طالب وأكثر من مئة صحافي وأكثر من 6 آلاف سياسي كردي وُضِعوا في السجن، وصُنِّفوا جميعهم بالإرهابيين. فيما اتضح أنّ غرور أردوغان ليس سوى ضمانة فضفاضة لصون حرية التعبير في البلاد، والشرفة كانت عالية بما يكفي لتجاهل أصوات المعارضة، بدأ حتى المؤيدون المخلصون للحكومة بالتعبير عن مخاوفهم. طبعاً، أدلوا بتعليقاتهم بصوتٍ منخفض. فيما كانت الحكومة تعمل مع كل فروعها، ولا توفّر جهداً، لسجن معارضيها، بدأت تتلقى نقداً دولياً بسبب العدد المتزايد من الصحافيين وأعضاء النقابات والسياسيين المسجونين، وبالتالي كان على الحكومة أن تساوم، ولو قليلاً، بغية تشكيل مشهدٍ سينمائي عن الحرية والديموقراطية.
وعندما يثبت شخصٌ ما عيوب «الديموقراطية» السائدة، يختبئ مؤيدو رئيس الوزراء وراء الجملة التالية في معظم الحالات: «لو عرف طيب (رجب طيب أردوغان) بك!» تماماً كالجملة الأشهر للرايخ الثالث: «لو عرف الزعيم (هتلر)!».
ليس التشديد هنا على وجه الشبه بين رئيس الوزراء أردوغان وهتلر، بل على التشابه بين المجتمع التركي والشعب الألماني في ظل حكم هتلر. عندما تظهر مشكلة ما «يتعهّد» رئيس الوزراء أردوغان بحلّها. وطالما أنّ هناك شرفات لإلقاء الخطابات على الجماهير ونبرة الإيمان الراسخ في خطابه، فإن الديموقراطية التركية بأمان. ربما يوافق المفكّرون في الدول التي اختبرت الحرب على أنّ الأسوأ من الحرب بحدّ ذاتها هو السنة التي تسبقها مع كل اللامبالاة، والكره المؤجج ضد المفكّرين والنقّاد، وحالة الفوضى المركّبة، واختفاء الشعور بالرحمة والخطاب المنفصم الذي تعتمده السلطة. مراقبة لناس يُعرّون من إنسانيتهم لجعلهم عديمي الإنسانية بما يكفي لاعتبار الحرب أمراً عادياً يثير الاشمئزاز حتى أكثر من مشاهدة الحرب بحد ذاتها، أو لنقل على الأقل إنّها محاولة يائسة بقدرها تماماً. عندما التقى أردوغان بالرئيس الأميركي باراك أوباما في كوريا الجنوبية، لمح إلى أنّ تركيا مستعدة للتدخل في سوريا. على الرغم من أنّ أي دولةٍ لم تلوّث يديها بعد بهذا العمل القذر، يبدو أنّ تركيا تستعد للقيام بتصرف سيئ.
لم يُنتج إعلان «بيومان» من أجل الترويج للحرب، لكنّ دولة مليئة برجال يشبهون هتلر تفيد كثيراً عند الاستعداد لحربٍ مقبلة. في 2001، عندما طُرح للنقاش اجتياح العراق، عمل «حزب العدالة والتنمية» جاهداً لتمرير قرارٍ في البرلمان يخوّله المشاركة في الاجتياح.
آنذاك، كان ذلك مستحيلاً لأنّ الائتلاف المناهض للحرب كان قوياً في تركيا. لكن الآن هل يمكن ذلك؟ فيما يقوم «حزب العدالة والتنمية» بتغيير جذري في خطابه الدبلوماسي عن «العثمانيين الجدد المسالمين في المنطقة»، وعن «سياسة صفر مشاكل مع الدول المجاورة»، وصولاً إلى «قوة الاحتلال في المنطقة»، قلّة قليلة من الأشخاص الجريئين يعارضون هذا التطور الخطير. في الأول من نيسان، سينعقد مؤتمر «أصدقاء سوريا» في اسطنبول. سنعرف من الصحف في اليوم التالي ما الذي قرره رئيسنا بهذا الخصوص. حتى ذلك الحين علينا أن نلزم الصمت.

* محلّلة سياسيّة تركيّة

(ينشر المقال بالتزامن مع موقع «الأخبار» الإنكليزي «english.al-akhbar.com»، ترجمة باسكال شلهوب)