كان إلقاء القبض على رجل الدين الشيعي نمر النمر بعد ظهر الأحد 8 تموز، في بلدته العوامية في محافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، معدّاً له منذ وقت طويل... كان العديد من المراقبين يتساءلون في بعض الأحيان عن سبب عدم اعتقاله في وقت سابق؛ إذ إنه كان الزعيم الروحي لحركة الاحتجاجات في شرق المملكة العربية السعودية، وقد وضعته آراؤه الصريحة على خلاف مع الأسرة السعودية الحاكمة علناً. لكن، بينما كان نمر النمر يدعو الشباب المحليين مراراً إلى أن يكونوا على استعداد للموت شهداء، فقد كان يحثهم على عدم «ردّ الرصاص بالرصاص»، بل على استخدام الوسائل السلمية بدلاً من ذلك. وأقر الشيخ بأنّ الشيعة ستزيد معاناتهم أكثر لو هاجموا قوة نيران النظام السعودي العنيفة، لذلك دعا إلى القيام بالتظاهرات السلمية والعصيان المدني. ورد في برقيات نشرها موقع ويكيليكس، أنّ دبلوماسيين أميركيين حاولوا استيعاب الدور الذي يؤديه نمر كرجل دين ثانوي وكشخص تعبوي للشباب الشيعة، واجتمعوا معه شخصياً في إحدى المرات. كتب دبلوماسي في البرقية: «يقيم النمر في العوامية، وهي قرية شيعية متطرفة مشهورة في واحة القطيف ويطلق عليها سكان القطيف الآخرين، بين المزاح والجدّية، اسم «الفلوجة الصغيرة»».
وقال مصدر شيعي للدبلوماسي الأميركي إن «كل منزل في العوامية يملك بندقية... فعلاً». تساءل الدبلوماسيون الأميركيون في المملكة العربية السعودية عن سبب عدم القبض على نمر في وقت سابق، بعد أن كرر توجيه انتقادات قاسية إلى الحكومة، وحتى طالب بانفصال المنطقة الشرقية في 2009. ثمة ثلاث نظريات في ذلك: أولاً، يرى أولئك الذين يتبنون نظرية المؤامرة أنّ المتشددين داخل العائلة الحاكمة، مثل ولي العهد السابق ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، كانوا يستخدمون نمر لتخويف أهل السنّة ولمعارضة مبادرة الملك عبد الله الداعية إلى الحوار بين الأديان والتواصل المبدئي مع الشيعة. ثانياً، إنّ إلقاء القبض على نمر من شأنه أن يخلق اضطرابات متزايدة تودّ الحكومة تجنّبها. كان نمر متوارياً عن الأنظار من 2009 إلى 2011، ولم يظهر بعد ذلك إلا بين حشود كبيرة من الناس، في الجنازات أو في مسجده، أي في كل الأماكن التي يصعب فيها إلقاء القبض عليه من دون وقوع خسائر بشرية أو خلق الاضطرابات. وثالثاً، تتابع وثيقة ويكيليكس، بأنّ الحكومة سترد في نهاية المطاف، لكن «في الوقت الذي تراه مناسباً لها». ونفذت الحكومة ردها يوم 8 تموز. طريقة اعتقال نمر خارج مسجده توحي أنّه لن يخرج في أي وقت قريب. تقول رواية وزارة الداخلية «الأورويلية» (نسبة إلى جورج أورويل) أكثر من أي وقت مضى، إنّه «عندما حاول نمر ومن معه مقاومة رجال الأمن، بادروا بإطلاق النار واصطدموا بإحدى الدوريات الأمنية أثناء محاولتهم الهرب، فجرى التعامل معه بحسب ما فرضت الظروف ورُدّ عليه بالمثل واعتقل بعدما أُصيب في فخذه».
غير أنّ من المستغرب إلقاء القبض عليه الآن، بعد مرور سنة ونصف على بدء الاحتجاجات في المنطقة الشرقية في شباط 2011، وخاصة بعد أن خفّت وطأة هذه الاحتجاجات منذ شهر آذار. إن حركة الشباب التي ترأست التظاهرات الواسعة بين شهري تشرين الثاني وشباط الماضيين، وبعد إطلاق النار على 7 شبان شيعة وقتلهم، حوّلت جنازاتهم إلى أكبر حركة احتجاج شهدتها البلاد منذ اندلاع الانتفاضة السابقة في المنطقة الشرقية من السعودية في 1979. يتعرض الشيعة السعوديون للتمييز في هذا البلد، الذي يفتقر في كل الأحوال إلى الحريات السياسية الأساسية، لذلك تحمّسوا للاستفادة من المتغيّرات الإقليمية التي نجمت عن الربيع العربي.
لكن فقدت هذه التظاهرات بريقها، وعاشت المنطقة الشرقية هدوءاً نسبياً لعدة أشهر. أما الآن، فيملك الشباب الشيعي سبباً لجرّ الآلاف إلى الشوارع، والتظاهرات في أوجها، وهذا تصعيد ناجم عن إلقاء القبض على نمر. اندلعت تظاهرات واسعة في القطيف مباشرة بعد إلقاء القبض عليه، وأطلق النار على اثنين من المتظاهرين، السيد أكبر من العوامية ومحمد فلفل من الشويخة، ما رفع مجموع عدد القتلى إلى تسعة أشخاص في هذا الصراع المشتعل منذ فترة طويلة. تحظى هذه التظاهرة بأقل نسبة تغطية مقارنة بتظاهرات الربيع العربي. إذاً، من لديه مصلحة في مثل هذا التصعيد؟ يعتبر اعتقال نمر النمر وقتله من دون أدنى شك إجابة على سؤال عما إذا كان استبدال الأمير نايف بولي العهد الجديد الأمير سلمان بن عبد العزيز ووزير الداخلية الجديد الأمير أحمد بن عبد العزيز سيغيّر موقف الأسرة الحاكمة بشأن الإصلاح السياسي أو قضية الشيعة. وكان الأمير نايف، الذي توفي في شهر حزيران في جنيف، الشخص المتشدد الذي اعتبر شخصيّاً أنّ الشيعة محل تهديد وشبهة، وأيد فرض سياسة القمع المطلق لأي معارضة أو احتجاجات شعبية. يعتقد الكثيرون أنّ نفوذه أدى إلى اتخاذ قرار بإرسال القوات السعودية إلى البحرين في آذار 2011 لقمع الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية، وذلك لمنع امتداد التظاهرات إلى المنطقة الشرقية. وبناءً عليه، فإنّ الجواب هو «لا»؛ إذ لم تغيّر وفاته موقف الأسرة الحاكمة، ويمكن تفسير اعتقال نمر بأنها خطوة اتخذها وزير الداخلية الجديد الأمير أحمد ليسجل موقفاً متشدداً في الداخل. لكن الشباب الشيعة لم يغيّروا موقفهم أيضاً. فيما بايع وجهاء الشيعة ولي العهد الجديد، احتفل آخرون بوفاة الأمير نايف في شوارع العوامية والقطيف، وزعم أنهم استلهموا احتفالاتهم من خطبة انتقادية ألقاها نمر.
في الواقع، فيما يحظى نمر بالكثير من الشعبية في صفوف الشباب الشيعة، فإنّه شخصية مكروهة بالنسبة إلى الكثير من السعوديين الآخرين. يُشتم في كثير من الأحيان على صفحات تويتر وفايسبوك؛ إذ كسرت خطاباته على مدى السنوات الماضية مجموعة كاملة من المحرمات السياسية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الدعوة إلى سقوط العائلة المالكة. إذاً، لعلّ أفراد العائلة المالكة الكبار المعيّنين حديثاً يريدون تضييق الخناق على الشيعة من خلال اعتقال رجل دين مثير للجدل، ما يزيد من شعبيتهم في أوساط أهل السنّة في أجزاء أخرى من البلاد. وبالتالي، إنّ العلاقات بين الشيعة والحكومة لم تكن يوماً بهذا السوء منذ قيام الثورة الإيرانية.
لكن ثمة بعدٌ آخر أكثر إثارة للقلق. يأتي اعتقال نمر متزامناً مع حشد عسكري في منطقة الخليج وحملة اعتقالات مماثلة في البحرين. نهار الاثنين في 9 تموز، حكم على نبيل رجب، وهو ناشط بحريني بارز في حقوق الإنسان، بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بسبب بعض تعليقاته على موقع «تويتر»، واقتيد من منزله على أيدي رجال أمن ملثمين. وكان رجب واحداً من الأصوات القليلة التي استمرت في التحدث علناً ​​ضد انتهاكات حقوق الإنسان والإصلاح السياسي العميق في المملكة/ الجزيرة، ولم يقبض عليه. في الواقع، طاولته نظريات المؤامرة المماثلة لتلك التي طاولت نمر، أي إنّ الأسرة الحاكمة في البحرين سمحت له بالاستمرار في التعبير عن رأيه بشأن النظام لتخويف أهل السنّة، على الرغم من أنّه تعرض للهجوم والترهيب مراراً وتكراراً. في 9 تموز أيضاً، حلَّ النظام الكتلة السياسية البحرينية الشيعية «أمل» رسمياً، علماً بأنّها كانت معطّلة بسبب اعتقال جميع قادتها تقريباً العام الماضي. إن كلّاً من حركة «أمل» ونمر من أتباع آية الله محمد تقي المدرسي المقيم في كربلاء، الذي اتخذ شقيقه هادي المدرسي موقفاً حاسماً ضد الأسر الحاكمة في السعودية والبحرين. يبدو أنّ هذه الحملة تطاول أيضاً التيار الشيعي الوطني، وهو جزء من الحركة السياسية الشيرازية، التي تحمل اسم مؤسسها محمد مهدي الشيرازي الذي اشتهر خطه السياسي باسم «المدرسيّة».
بالإضافة إلى ذلك، كثفت الولايات المتحدة وجودها العسكري في منطقة الخليج من خلال إرسال سفن حربية إضافية، ووضعت دول الخليج جيوشها في حالة تأهب قصوى في أواخر حزيران، مع ورود تقارير عن نشر قوات كبيرة في المنطقة الشرقية. إنّ إسكات الأصوات المعارضة الأكثر جرأة يترافق مع الاستعدادات لحرب محتملة، وقد يُتخذ ذلك أيضاً كإجراء وقائي في حال شنّ هجوم على إيران. فيما يتهم السعوديون السنّة في معظم الأحيان، نمراً بكونه عميلاً إيرانياً، فإنّ هذا الاتهام مبالغ فيه. إنّ نمر يتبع آية الله محمد تقي المدرسي المقيم في كربلاء، لا القائد الإيراني آية الله علي خامنئي. إلا أنّه دافع عن إيران مراراً، ورفض علانية شن هجوم على إيران. ولو كان عميلاً كما يشاع، لكان قد ندد بالهجوم على إيران بنحو أشد، ودعا إلى مزيد من التظاهرات في المنطقة الشرقية.
امتدت شعبية نمر إلى البحرين أيضاً، إذ كان يدعم الانتفاضة بقوة، كما شاهدنا في تظاهرات مؤيدة له في مختلف القرى الشيعية في البحرين على مدى الأيام القليلة الماضية. لذلك، يبقى السؤال عمّا إذا تغاضى الحلفاء في المملكة العربية السعودية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، عن حملة القمع هذه؟ التقى ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الملك السعودي عبد الله في جدة في اليوم نفسه، أي في 9 تموز.
من منظور محلي، يبدو التوقيت غريباً، بل وانهزامياً أيضاً. فالاحتجاجات في المنطقة الشرقية كانت قد توقفت، وأُصيب العديد من الشباب الناشطين بالإحباط، إذ بعد مرور سنة ونصف من الاحتجاجات، لم تحقق أي أهداف سياسية، وسقط العديد من الشهداء وتمت تعبئة شريحة معينة من المجتمع: الشبان الصغار. أما الآن فلديهم نداء معركة جديد سيستخدم لتعبئة شرائح أخرى من المجتمع الشيعي السعودي. لكن تراهن حسابات المؤسسات الأمنية السعودية، والأميركية ربما، على وجود نمر خلف القضبان، ما يعني أنّ الاحتجاجات ستتوقف في نهاية المطاف، والأهم أنّه في حال وقوع مواجهة في الخليج، فإنّ شخصية شعبية بإمكانها حشد المتظاهرين قد جرى التخلص منها. من الصعب التنبؤ بمجرى الأمور. لكن هذا الاعتقال غير المناسب، ولا سيما بعد إطلاق النار على رجل الدين في الساق، قد يكون فرصة لإعطاء قوة دفع جديدة، ليس فقط لحركة الاحتجاج في شرق المملكة العربية السعودية، ولكن أيضاً في البحرين. هناك، أظهر الناشطون الشباب أنّه حتى مع زج زعماء المعارضة الأبرز في السجن، بإمكانهم الاستمرار بالتظاهرات المنظمة، وعادوا على نحو متزايد إلى تبنّي تكتيكات اعتمدوها قبل 2011 في قتال الشوارع مع الشرطة. يبدو غريباً أن يُستبعد وقوع الأمر ذاته في السعودية، مع وجود نمر في السجن.
* أستاذ باحث في مجال الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة كامبريدج، عن مجلة «فورين بوليسي» (ترجمة كوثر فحص)