يعيّرني أنصار النظام السوري دائماً (على الإنترنت وفي رسائل خاصّة) بأنني أحمل في سرّي عقدة التدخّل العسكري للنظام السوري في لبنان عام 1976. أعترف لكم ولكنّ، وأعلنها جهاراً: نعم، أحمل هذه العقدة، في سرّي وفي علني. أعترف: حملت هذه العقدة معي وما تخلّيت عنها عبر السنوات، وكانت جزءاً من المتاع الذي حملته إلى الشاطئ الأميركي عام 1983. كنت في سن السادسة عشرة ذلك العام، لكن سنة 1976 لم تكن سنة عاديّة. بين عام 1975 وعام 1976 كبرت أحلامنا وتضاعفت، ورأينا لبنان بمنظار مختلف للمرّة الأولى. ذقنا طعم الأمل (وكان ذلك قبل صعود ميليشيا «أمل»). شعرنا للمرّة الأولى في تاريخ مسخ الوطن بأننا على عتبة تغيير جذري للنظام اللبناني. كنا على أهبة نسف الكيان اللبناني من جذوره الاستعماريّة، أو هكذا خُيل لنا. لكن حافظ الأسد كان لنا بالمرصاد: داس آمالنا وأحلامنا وأزهارنا.
في سنة واحدة من الحرب بين 1975 و1976 تغيّر الكثير وتجذّر كثيرون (وكثيرات). في أوائل 1975 كان كمال جنبلاط يشكو من «اليسار المُغامر» وكان برنامج الحركة الوطنيّة (الذي أعدّه محسن إبراهيم وجورج حاوي) لا يتخطّى حدود المطالب الليبراليّة العاديّة في بلدان الغرب. حتى إن دين براون (وهو ينتمي إلى الحزب الجمهوري وكان مبعوثاً لإدارة جيرالد فورد في لبنان مطلع الحرب) علّق على برنامج الحركة بالقول إنه يوافق عليه، وإنه محدود. التيّار الشعبي العلماني الجارف آنذاك دفع كمال جنبلاط إلى أن يغيّر موقفه المُحافظ، كذلك فإنه دفع بياسر عرفات دفعاً نحو الانخراط الخجول في الحرب الأهليّة للردّ على القوات الانعزاليّة التي بدأت الحرب بأمر عمليّات إسرائيلي (لا جدال اليوم في مسؤوليّة حزب الكتائب في إشعال الحرب بالنيابة عن إسرائيل وحليفتيْها في عمّان والرياض للتخلّص من المقاومة الفلسطينيّة (هدف إردني) ومن اليسار اللبناني والفلسطيني (هدف سعودي) ومن الاثنيْن معاً (هدف إسرائيلي)). موسى الصدر الذي كان صاعداً شعبيّاً عام 1975 بات يفتقر إلى الدعم الشعبي في ربيع 1976، وكان التخلّص من قوات «حركة أمل» سهلاً جداً على قوات الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة في تلك السنة. بين 1975 و1976، تحوّل زعماء الإقطاع الشيعي في الجنوب والبقاع من زعماء أوحدين إلى منبوذين (مطرودين من ديارهم _ من يتصوّر أن زعامة مدينة صور كانت معقودة مثلاً _ وبالقوّة _ لرجعي شمعوني (كاظم الخليل) قبل سنوات الحرب؟).
استضافت محطة «العربيّة» هذا الأسبوع عبد الحليم خدّام للحديث عن ذكرياته (هل هناك أسوأ من طاهر بركة كمحاور، بالمناسبة؟). ظنّت المحطّة أن الرجل سيذمّ النظام السوري، ما سيُسهم في ضخ الدعاية العنيفة المستمرّة ضد نظام الأسد. لكن خدّام المطيع (للمال الحريري _ السعودي) خذلهم: دافع عن كل سياسات النظام السوري وعن حافظ الأسد، وأتبع ذلك بنفي مسؤوليّة النظام السوري عن اغتيالات لقادة في لبنان (وكان خدّام هذا قد اتهم النظام بها في مقابلات مع وسائل إعلام حريريّة). يبدو أن خدّام يخشى ساعة الحساب والإدانة القادمة (هذا الذي كان يستحسن زيارات الأثرياء الكبار من أمثال الحريري وعصام فارس وميشال المرّ له لأنهم كانوا يأتونه بقافلة من الهدايا الثمينة التي كانوا يودعونها في منزله، مع أن حزب البعث يحرص على تكريس نسبة معيّنة من مقاعد مجلس الشعب الشكلي للعمّال والفلاحين).
يحذّرني الأصدقاء العالمون (والعالمات) من الذهاب بعيداً في الحنين إلى خيال «ما كان يمكن أن يحصل» عام 1976. هل كانت الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة ستنشئان مدينة ثوريّة فاضلة (أو «هانوي عربيّة» على قول العظيم جورج حبش)؟ هل قيادة تقليديّة غير ثوريّة من طراز كمال جنبلاط (الذي ما نزع عن نفسه «بنوب» _ على قول الشوام _ ثوب الزعامة الطائفيّة، وإن كان يبرق ذهباً بالمقارنة مع وليده) أو ياسر عرفات؟ هل نصر الطرفيْن بإنشاء جمهوريّة ثوريّة في لبنان؟ لم يكن الأمر بهذه السهولة، وكانت تحول بين الهدف والتحقيق موانع ذاتيّة وموضوعيّة _ كما يُقال باللغة الماركسيّة _ اللينينيّة التقليديّة (التي تفيد في إزعاج راحة المذاق الليبرالي _ الوهابي).
عبد الحليم خدّام هذا _ الذي يعيش في باريس بأموال عمّال حزب البعث (الذي لم يعد حاكماً؟) وفلاحيه في سوريا _ نفى بالقاطع أن تكون سوريا قد توصّلت إلى اتفاق مع إسرائيل حول دخولها إلى لبنان عام 1976. لو لم يكن محاوره من طينة مُحاوري «العربيّة» (باستثناء القدير حسن معوّض)، لأعلمه أن اتفاقات الحكومات العربيّة مع العدوّ الإسرائيلي حول الشؤون العسكريّة والأمنيّة لم تكن تتطلّب مفاوضات مباشرة مع العدوّ. كانت الولايات المتحدة تقوم بدور ساعي البريد بين الطرفيْن. إذا لم يكن هناك اتفاق واضح وجليّ بين العدوّ والنظام السوري، فلماذا كانت القوّات السوريّة تقف خاشعة على تخوم نهر الليطاني؟ هل كان مانع الاجتياز طبيعيّاً يا ترى؟ ولماذا القوّات السوريّة التي كانت تتدخّل في الشاردة والواردة في لبنان بقيت بعيدة عن ساحة الجنوب؟ هل كان ذلك تعفّفاً منها؟
عام 1976، كانت قوّات الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة (العلمانيّة آنذاك، لم نكن بعد قد دخلنا عصر التلوّث الطائفي الذي أدخله آل سعود إلى حياتنا اليوميّة بالاشتراك مع آل الحريري) تصدّ الهجوم الذي شنّه حزب الكتائب بالاشتراك مع الجيش اللبناني الذي حتى عام 1984 كان مجرّد جيش شبيه بجيش لبنان الجنوبي، أي إن مهمته وفق عقيدة فؤاد شهاب الدفاعيّة انحصرت بحماية العدوّ الإسرائيلي من أي غضب ثوري أو تحريري، لبناني أو فلسطيني. الجيش اللبناني وحزب الكتائب كانا ينفّذان أوامر مَن قرّر ارتكاب مجازر أيلول في الأردن.
لم تكن الحركة الوطنيّة اللبنانيّة مستعدّة للمعركة الحتميّة التي كان حزب الكتائب وحلفاؤه يعدّونها في لبنان (ويتحمّل كمال جنبلاط ومحسن إبراهيم وجورج حاوي مسؤوليّة كبيرة عن هذا القصور الذي دفع ثمنه آلاف من اللبنانيّين والفلسطينيّين؛ لأن الأفق الإصلاحي الليبرالي الإصلاحي للثلاثة منعهم من تسليح الأحزاب اليساريّة بصورة تتيح لهم الدفاع عن النفس على الأقل). وكان ياسر عرفات بعيداً عن المشاركة في الحرب خلافاً لمعظم القادة الفلسطينيّين. كان لعرفات حسابات وحساسيات يقبض ثمنها أموالاً كبيرة من دول الخليج. كان قادة في حركة «فتح» (مثل أبو صالح وحتى أبو إياد) ينتظرون رحيل عرفات في واحدة من جولاته خارج لبنان كي يغدقوا السلاح على الأطراف اللبنانيّين وكي يسمحوا للمدافع الكبيرة بالمشاركة في القتال (لم يتوقّف جنبلاط أثناء الحرب من التذمّر من نوعيّة السلاح الرديء الذي كان يتلقّاه من ياسر عرفات _ والأخير كان أحياناً يحجز سلاحاً للحركة الوطنيّة حتى لو كانت قد دفعت ثمنه).
النظام السوري تلوّن وتنوّع وتنقّل في أدواره خلال الحرب. كان النظام في مرحلة متفهّماً لموقف سليمان فرنجيّة، لكنه عاد وانسجم _ ليس مع موقف الحركة الوطنيّة، بل مع موقف الزعماء المسلمين التقليديّين الذين ناشدوا في قمّة عرمون الشهيرة (ومحضرها منشور في كتاب المفتي حسن خالد عن الحرب) النظام السوري كي يتدخّل في لبنان لردع الهجوم الانعزالي. كان موقف النظام السوري آنذاك يلتزم مبدأ توازن الطوائف والميليشيات، ما لم تقتضِ مصلحة النظام الإخلال بها في حقبة ما ولسبب ما. لكن خطة دفاع الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة جذبت قطاعات كبيرة من الشباب اللبناني الناقم على الوضع في لبنان. (أذكر أنني قابلت في تلك السنة في مكتب مجلة «الهدف» التابع للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ولداً في العاشرة من عمره (أو أكثر قليلاً) ترك أهله في بعلبك وحمل حقيبة ثياب صغيرة، وأتى إلى بيروت للمشاركة في المعارك. ماذا حلّ بذلك الولد؟ آمل ألا يكون قد شارك في معارك: كان غيفارا يرفض تجنيد مَن هم تحت سن الثامنة عشرة). وكلّما زاد الزخم الشعبي، تقدّم الأمل بإمكان كسر شوكة الميليشيات الإسرائيليّة في لبنان بضربة قاضية واحدة. تحوّل كمال جنبلاط وتغيّر، وكبرت طموحاته. قد تكون دوافعه في المعارك آنذاك غير علمانيّة ولعلّه كان يحلم بالثأر لتاريخ قديم، لكن جماهير المقاومة كانت في وارد التصدّي لمشروع لا تغيب البصمات الإسرائيليّة عنه _ كما لا تغيب البصمات الإسرائيليّة عن حركة 14 آذار في نَسَقَيها اللبناني والسوري. تحوّلت المطالبة بتطبيق برنامج الحركة الوطنيّة الإصلاحي إلى مطالبة بتحرير لبنان من القوى الفاشيّة. كان النصر وشيكاً، وجنّ جنون عبد الحليم خدّام عندما مازحه جنبلاط بدعوته إلى غداء قريب في بكفيّا.
تحدّث حافظ الأسد عن تلك المرحلة في خطاب حفظه كل الانعزاليّين في لبنان عن ظهر قلب. لا يزال الكتائبيّون العتاق يستشهدون به عند كل طلعة شمس. حوّل الأسد فحوى هدف الحركة الوطنيّة إلى مقصد طائفي. تعرّض النظام السوري جرّاء تدخّله لتهديد داخلي مباشر. في ذلك العام، كان الناس في بيروت الغربيّة يبتهجون على مرّ العام لمجرّد سماعهم دويّ إطلاق نار، لظنّهم أن الانقلاب الموعود في دمشق قد تحقّق.
وعندما قرّر النظام السوري أن يغزو لبنان، تهيّأت الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة للأمر عبر حملة لم تستمرّ أكثر من يوميْن للتخلّص من الميليشيات الموالية للنظام السوري («أمل» و«الصاعقة» و«اتحاد قوى الشعب العامل» ودكاكين صغيرة أخرى). أذكر كم كان الأمر سهل التنفيذ لأن القاعدة الشعبيّة للنظام السوري في بيروت الغربيّة كانت منعدمة (فيما كان جيش النظام السوري يُنظَّر له في بيروت الشرقيّة على أنه المُنقِذ). (أذكر كيف ظهر المسؤول في «الصاعقة»، حنا بطحيش، على عكازيْن بعد حفلة من الضرب وكيف أعلن للإعلام أمام الكاميرات _ على عكازيْه _ أنه لقي معاملة حسنة. وبطحيش هذا عاد واستولى بأمر من «فتح» على منظمة «الصاعقة» قبل دخول القوات السوريّة عندما هرب على عجل خارج لبنان حفاظاً على حياته). لكن الدور القذر الذي أدّته منظمة «الصاعقة» (قد يكون زهير محسن من أسوأ قادة المقاومة الفلسطينيّة على الإطلاق، ويكفي أنه مات في مدينة «كان» الفرنسيّة _ من يصدّق أنه كان أيضاً، بالإضافة إلى ترؤسه لمنظمة «الصاعقة»، رئيساً للدائرة العسكريّة في منظمة التحرير؟) سهّل إمكان القضاء عليها لأنها مارست الكثير من الأفعال الإجراميّة والقمع في مناطق نفوذها، وكان مقاتلوها الأقلّ انضباطاً على الإطلاق (وتدريباتها العسكريّة كانت مفرطة في القساوة: كان المُقاتل يُطلى بالمربّى أو العسل، ويصلب في الشمس لساعات). وكانت النقمة على التدخل العسكري السوري عارمة: ينسى البعض عن الجبهة الشعبيّة _ القيادة العامّة أنها كانت في عداد القوى المُعارضة للتدخّل، والحزب القومي أصدر كرّاساً (نشتاق لزمن الكراريس) صغيراً ضد «الغزو الشامي».
لا يَغْفر _ أو يجب أن لا يغفر _ من حمل طموحات ثوريّة في ذلك العام، للنظام السوري تدخّله. التدخّل لم يمنع فقط الحركة الوطنيّة والمقاومة من تحقيق نصر محقق، لكنه ساهم بصورة أساسيّة في إطالة أمد الحرب الأهليّة. كان يمكن الحرب الأهليّة أن تنتهي مرّة واحدة (وإلى الأبد) عام 1976، وأن يُقضى على النظام اللبناني الطائفي برمّته (وكانت حشرجات الإسلام التقليدي في ما سُميّ «التجمّع الإسلامي» غير مؤثّرة إطلاقاً بالرغم من مال الاستخبارات السعوديّة عبر علي الشاعر، السيّئ الذكر). والتدخّل العسكري السوري أطلق يد قوات الكتائب والأحرار ومرتزقة إسرائيل الآخرين كي تنفّذ مشروعها للتطهير الطائفي والعنصري: غزت قوات الكتائب وحلفائها مخيّمات جسر الباشا وتل الزعتر وحي النبعة. (لا يُذكر في سرديّة حزب الكتائب لتلك المرحلة عمليّة التطهير الطائفي التي مارسها حزب الكتائب في المناطق الشرقيّة لأنه لا يزال يتمسّك بأكذوبة محاربته للتوطين الفلسطيني فقط). إن التدخّل العسكري السوري هو الذي سمح للكتائب والأحرار بارتكاب تلك المجازر (صحيح أن «خبريّة» وجود ضباط إسرائيليّين وسوريّين في غرفة قيادة واحدة مختلقة، أو على الأقلّ غير مثبتة، لكن من الأكيد أن النظام السوري وإسرائيل رَعَيَا القوات المُجرمة التي ارتكبت تلك المجازر. لم يفسّر حافظ الأسد في خطبه منطق منعه لدخول قوّاته لبنان لمنع المجازر ضد المسيحيّين (وكأن هذا كان هدف قوات الحركة الوطنيّة والمقاومة، مع أن قوات «الصاعقة» مسؤولة عن موبقات الهجوم على الدامور) فيما سمحت قوّاته لميليشيات الكتائب والأحرار بارتكاب مجازر طائفيّة وعنصريّة (كان ميشال عون آنذاك في صف مدفعيّة الكتائب ضد مخيّم تل الزعتر، لكن ذلك سبق «التفاهم» بينه وبين حزب الله، وماركس أعلم).
أما أسباب تدخّل النظام السوري، فهي متعدّدة وتتعلّق بحسابات الحفاظ على النظام لا بحسابات خطاب حافظ الأسد الخيري. تدخل في لبنان للأسباب التالية: 1) خشي النظام أن يجرّ النظام اليساري اللبناني الجديد النظام السوري إلى معركة لا يريدها مع العدوّ الإسرائيلي (حافظ الأسد، كما تذكرون، كان حتى موته ينتظر تحديد «زمان المعركة ومكانها»، أما ابنه بشّار فهو ينتظر «عودة الجولان»). 2) الخوف من خلق موطئ قدم لخصومه العرب في لبنان، وخصوصاً النظام العراقي. 3) الخشية من خسارة النظام السوري للورقة اللبنانيّة. 4) منع ياسر عرفات من تقوية فصيله في منظمة التحرير على حساب الفصائل الموالية لسوريا. 5) الخوف من أن تثوير الوضع اللبناني سيؤدّي إلى تثوير الوضع السوري (كان هذا جميلاً جداً لو حصل بمنظار حرب تحرير فلسطين الشعبيّة).
هل كنا على وشك إقامة دولة يساريّة ثوريّة، هانوي، في لبنان؟ ليس أكيداً إطلاقاً. يكفي أن ياسر عرفات كان في القيادة (كما يكفي أن كمال جنبلاط كان في الدفة اللبنانيّة الرديفة) كي تساورك شكوك عديدة. لكن مشروع التثوير كان واعداً أكثر بعد دحر ماحق لقوى الكتائب والأحرار، وفي هذا الوقت المبكّر من الحرب. كانت طبيعة الصراع في لبنان ستتغيّر، لكن ليس نحو أفق طائفي بالتأكيد. الحركة الوطنيّة كانت إلى ذلك الحين غير ما أصبحت عليه في ما بعد على يد ثلاثي جنبلاط _ إبراهيم _ حاوي (إبراهيم قليلات كان صوت عرفات والقذّافي أكثر من أي شيء آخر). وقوى الرجعيّة لم تكن ستتفرّج لو أُنشئت جمهوريّة ثوريّة في لبنان: كان النظام السوري سيتحالف مع قوى الرجعيّة العربيّة ومع أميركا وإسرائيل لدحر المشروع (وكانت القوى المذكورة كلها مُباركة للتدخّل السوري آنذاك).
لا يمكن العودة إلى الماضي لخوض الحرب مرّة أخرى. من منا لا يحلم (يوميّاً؟) لو يتسنّى لنا العودة إلى 1948 لخوض الحرب مرّة أخرى؟ من كان من العرب سيستنكف؟ ماذا كان حصل لو أرسلنا قوى المقاومة في حزب الله إلى فلسطين عام 1948؟ هذه أضغاث أحلام. علينا أن نقبل مسار التاريخ، من دون أن نقبل _ أبداً _ المترتّبات الي نتجت من هذا المسار. ومن قال إن مسار التاريخ هو حاسم وقاطع، وغير قابل للانكسار أو التحوير والتغيير؟
لكن 1976 كان عاماً ثميناً وأليماً في آن واحد. تكسّرت أحلام صبية في ذلك العام. تكسّرت أحلامي أنا باكراً.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)
17 تعليق
التعليقات
-
ما خفي كان أعظمبعدما نقل الصاينة المعركة إلى لبنان كان لا بد للرئيس الراحل حافظ الأسد أن يحافظ على التوازن في لبنان حمايةً لسوريا و لبنان معاً، لأن لبنان كدولة و جيش كانا أضعف من أن يستقر في مواجهة الصهاينة، فلم تكن السياسة السورية مع أحد بل مع لبنان الموحد. لم تخرج القوات السورية من لبنان إلا بعد أن اطمئنت على قوة لبنان. و لكن للأسف نقل الصاينة الحرب إلى داخل سوريا.
-
أسعد أبو خليل ...ما عندي وقت إقرا مقالك ... بس فيك تقلنا ليش كل زعماء اليسار اللبناني كانوا "شرّك مرّك" على سوريا بعد 1976 و خصوصاً أكثرهم راديكالية محسن ابراهيم الذي كان يقضي ساعات طوال مجتمعاً بالرئيس حافظ الأسد؟ فيك تخبرنا ليش كل مقاتلين اليسار حاربوا جنب إلى جنب مع الجيش السوري في كل معارك لبنان بعد 1976 ؟ فيك تضمن إنو لو الجيش السوري ترك عرفات يسيطر على لبنان ما كان باعو بثمن بخس كما باع فلسطين في أوسلو من أجل سلطة وهمية؟ فيك تخبرنا ليش إنو جبل مفكركم العظيم البيك الإشتراكي الأب لم يطلق رصاصة واحد ضد الإحتلال الإسرائيلي, معقولة كل فكرو راح هباءّ منثورة بكم سنة أم هو كان منظر من طراز عزمي بشارة الذي ينظر في الثورة و الديمقراطية من مشيخات الظلام؟ الربيع العربي سينبت من جزمة الجندي العربي السوري رغماً عن المتآمرين و الحاقدين و القدس ستستعاد بسواعدهم و سواعد مقاومي حزب الله ... دكتور أسعد: تذكر المناضل ناجي علوش؟ إسمع شهادته عن تل الزعتر: https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=gAj8K1RbwqU
-
ردأستاذ أسعد لا اعرف كيف تطلق كلامك واحكامك بطريقة غير قابلة للنقاش وتصر على ان ما تقوله هو الصواب وتسأل وتجيب كما لو انك فيصلا في الجزيرة. الم يكن لدى عرفات مشروع الوطن البديل في لبنان؟ الم يكن لدى كمال جنبلاط مشروع الدويلة؟ الم يكن من حق سوريا ان تخاف وجود دويلات على خاصرتها؟ الم تثبت الأحداث والمستجدات ان كل ما خطط له الأمريكي والاسرائيلي ما زال يسير على قدم وساق باختلاف الأسلوب والفترة الزمنية؟ الم يقترح كيسنجر تسفير المسيحيين الى امريكا والهاء الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين بحروب لاحقة تريح اسرائيل وتجعلمها الحامي لكل دويلة على حدى؟ كن موضوعيا وانقل بصدق مجريات الأحداث ولا تحاول ان تكون ملكيا اكثر من الملك ولا غلسطينيا أكثر من الفلسطينيين وتوقف عن اثارة ذكريات لا اعرف ان كنت تدرك انك تساهم في اعادة نعراتها من حيث كنت تدري او لا تدري
-
لو أنك ذكرت تل الزعتر لكانوالو أنك ذكرت تل الزعتر لكانوا وضعوا لك الفيديو تبع ناجي علوش!
-
انا مازلتاؤؤمن بأنك اخرانا مازلتاؤؤمن بأنك اخر الانبياء و اصدقهم و ما زلت اؤؤمن بانك تعتقد بأن بعد سقوط بشار سيأتي الاسوء و انا ما زلت أؤؤمن بأنك تتمنى انتصار بشار على السعودية و قطر و امريكا و اسرائيل لانك تؤمن ايمانا كاملا بانهم بخندق واحد و اتمنى منك تصحيحي ان كنت خاطئ
-
يا سيّد أسعد مشكلتكيا سيّد أسعد مشكلتك أنو ما بتشوف الرأي الآخر....ونحنا كمين كنا اولاد الشرقية بـ 1976، وكنا كلنا أمل أنو الكتائب رح يخلصونا من الفلسطيني .... ونحنا كمين كنا كلنا أمل بـ 1982، أنو جايي زمان الحرية والديمقراطية والنظام مع بشير ... بس انت ما بتشوف إلا من منظارك، وأكيد أكيد أكيد (كما يقول الحكيم) ما خرج تكون مؤرخ تاريخ لبنان ...
-
أقرا مقالاتك بين بين الحينأقرا مقالاتك بين بين الحين والحين , افهم مقصدك حينا واحيانا لا أفهم تناقضاتك , أستخلص اني واياك تقريبا من نفس العمر الذي باغتتنا فيه الحرب اللبنانية . كانت لك أفكارك ولي أفكاري ولكن ما حققته أنت من أيام الحرب هو تبجحك بكتابات وشعارات تعلمتها أو اكتسبتها أو اّمنت بها على جدران الجامعة الأميركية ( الجامعة التي درست فيها ) وأنت ابن العائلة البورجوازية وما حققته أنا هو البقاء في لبناني المقسم والمهترىء والمقاوم من أجل لقمة العيش , وبقاء كيان دولة مقوماتها صفحات الكتب المدرسية ( التربية المدنية ) التي تعلمناها في صفوف المدرسة , والنضال ضد غرباء ( الأشقاء الفلسطينيين , والمطعمين باللبيين والصوماليين ... ) الذين استعملهم أشقاؤ}نا اللبنانيين من أجل تحقيق مطالبهم في تغيير الدستور , لا أخالفك الراى في نظرتك للزعماء والقادة المتاّمرين على لبناننا والذين غلبت مصالحهم المصالح الوطنية ولكن أخالفك الراى بأن تظهر وكأن الشباب الذين بقوا في لبنان ولأن ظروفهم المعيشية لم تساعدهم على الهرب أو السفر أو متابعة الدراسة هم من ساهموا في تشويه لبناننا, وللحديث تتمة ولكل مناضل في سبيل قضية وجهة نظر ولكل انسان الله الخاص به .
-
تكسرت أحلام 3قد اكون أول من كتب في هذا الموضوع، و قد لا يصدقه الكثيرون، و لكن، يمكن للمشكك أن يسأل في قرى الرفيد و مدوخا و خربة روحا عن الأيام التي عايشوها وقت دخول الصاعقة و المخابرات السورية إلى المنطقة. ففي إحدى تلك القرى جرت مواجهات لم يتوقعها أحد اسفرت عن خسائر هائلة في صفوف القوات السورية و قوات الصاعقة. غير أن ثقل الوضع الأمني و اشتداد القبضة المخابراتية على مدى سنة، و بعد ضرب البنية التحتية للثورة الفلسطينية ، و في ظل الفقر المدقع و تحت وطأة الحاجة، اضطر العشرات، بل المئات من شبان تلك القرى إلى الخروج منها ثم إلى السفر نهائيا باتجاه كندا و البعض الأقل باتجاه بلدان الاغتراب الأخرى.فأفرغت المنطقة من طاقاتها النضالية و الابداعية بشكل مريع. و هكذا فقد اجهضت حالة ثورية في منتهى الإبداع، رغم محدودية المشهد، على يد النظام السوري. هذا نموذج بسيط يبين الدور الذي تطوع له هذا النظام على مستوى المنطقة.
-
تكسرت أحلام 2و كانت الحركة الثورية الاشتراكية اللبنانية، التي كانت تمارس العمل السري في لبنان، و التي هي أول الفصائل اليسارية التي نادت بالكفاح الثوري المسلح قد تعرضت لحالة انكشاف في أثناء التحضير لعملية عسكرية ما، و قد ألقي القبض على عدد من أعضائها و قيادييها، ما اضطر عدد آخر منهم إلى اللجوء إلى إحدى قرى راشيا، و التحصن لدى أحد الفصائل الفلسطينية هناك. لقد كان لوجود عناصر الحركة الثورية الاشتراكية اللبنانية بين عناصر التنظيمات الفلسطينية ، و بين الشباب اللبنانيين القريبين او النخرطين مع تلك المنظمات و في ظل الأجواء السائدة في تلك القرى تأثر حاسم في نشر ثقافة اليسار و تعميمها فلسطينيا و لبنانيا في هذه المنطقة التي لم تعرف في مراحل سابقة عملا سياسيا منظما باستثناء مرحلة 1958 المحدودة.و قد استطاعت الحركة الثورية في تلك المرحلة التي امتدت منذ 1973 و حتى 1976 أن تتوسع و أن تتجذر في الوسط اللبناني و أن تحدث نقلة نوعية في وسط الظباط و العناصر التابعين للفصائل الفلسطينية و أبرزها حركة فتح. كان يمكن للمراقب اللصيق أن يرى كيف أن العديد من العناصر و كافة الظباط صار لديهم مكتبات ماركسية. و مدى الاحترام الذي كان يبدونه لكوادر الحركة الثورية و الدعم الذي قدموه في كل مجال ممكن بما في ذلك التسليح و التمويل و التنقل و إقامة معسكرات التدريب ... كل ذلك أو غالبيته كان يتم بعيدا عن أنظار القيادة الفتحاوية!
-
تكسرت أحلام 1 " لكن 1976 كان عاماً ثميناً وأليماً في آن واحد. تكسّرت أحلام صبية في ذلك العام. تكسّرت أحلامي أنا باكراً." كانت الأسر الفلاحية في قرى قضاء راشيا كما عادة الأسر الفلاحية التي تشتغل في الزراعة التقليدية، تكثر من الانجاب حتى تستطيع تلبية تلك حاجات الزراعة للأيدي العاملة. غير أن الزراعة التقليدية تلك في نهاية الستينيات من القرن الماضي لم تعد تقيم أود تلك الأسر الكبيرة لأسباب عديدة. فأخذ شباب تلك الأسر يتحولون إلى عمال صناعيين ، إذ توجهوا للعمل في مصانع نشأت حديثا في جبل لبنان و ضواحي بيروت و مناطق البقاع الأوسط: مصانع غزل و نسيج و سجاد و مواد غذائية ... فنشأت في مطلع السبيعينات طبقة عاملة جنينية سرعان ما اتسمت بسمات الطبقة العاملة الصناعية بحسب التوصيف الماركسي. فانتشرت الكتيبات اليسارية بين ايدي عدد من أفرادها و بدأ وضعها النقابي و النضالي يتشكل. في نفس الفترة، دخل عامل جديد و هو العامل الفلسطيني، فقد انتشرت قواعد الثورة الفلسطينية و فصائلها حول تلك القرى ثم تغلغلت فيها بتعاون تام مع الأهالي الذين أخذوا يتلقون تدريبات عسكرية و دورات تثقيفية على يد الفصائل الفلسطينية المختلفة. و قد التحق كثير من شباب تلك القرى بالفصائل تلك على خلفية النزعة الوطنية و القومية المتجذرة في المجتمع خلال الحقبة الناصرية.
-
اين الموضوعية في رواية التاريخ ؟!يا رفيق معليش اسمحلي لازم نقول اللي النا و اللي علينا .. عندك عادة ما بتبطلها و هي اخفاء المعلومات و الصورة الكاملة عن القراء خصوصا في ما بتعلق بالاحداث التاريخية .. لماذا لا تذكر مثلا ان حزب الكتائب لم يكن يملك في تلك الفترة اي شعبية معتبرة داخل المجتمع المسيحي , و ان غباء و حماقة و تطرف و طائفية بعض قوى اليسار و الحركة الوطنية اضافة الى استقوائهم بسلاح اجنبي على شركائهم في الوطن دفع اغلبية الجمهور المسيحي للارتماء في احضان الكتائب طوعا او غصبا .. اليس هذا هو ’’اليساري’’ ابو صالح الذي قرر (بتحريض من يساريي لبنان) قصف الاشرفية عشوائيا بلا اي سبب جوهري , ما دفع رجال المنطقة الشرقية كلها (في ردة فعل على القصف) لبيع مجوهرات زوجاتهم و الوقوف في الصفوف امام مراكز الكتائب للتجند فيها ؟!؟!؟!؟ (يرجى العودة الى شهادة المناضل انيس النقاش حول الموضوع في كتابه) اليس هذا ابو اياد صاحب شعار ’’طريق القدس تمر من جونية’’ !! و للامانة ايضا سورية كان هدفها الحفاظ على معادلة التوازن الداخلي و عدم السماح بكسر اي طرف للاخر , يعني لما كنتو انتو و الفلسطينيين عم تهرولو لسحق المسيحيين سورية وقفت معهم و منعتكم , و لما قررو هم و الاسرائيليين سحقكم انتم سورية وقفت معكم و منعتهم ... اخ عندما يؤرخ التاريخ باقلام الديماغوجيا (حتى لو كانت يسارية) ! تحياتي
-
تكسرت أحلامك ؟- يستهزئ زياد الرحباني بالعقلية اللبنانية السياسية، التي تتفنن في خلق المشاكل والفتن، ولا تجيد حلها، وعندما تصل إلى خانة اليَكْ: "عَيْطوا للسوريين" حتى يحلوا المشاكل اللبنانية! - يقول المرحوم جورج حاوي: "سوريا تعاونت مع الكل، وتحاربت مع الكل في لبنان"! لأن اللبناني (والعربي عموماً ربما) لا "دين" سياسي له، وهو يجيد التملص والتحرك مثل الزئبق حسب مصلحته، وما ان يتمكّن حتى يغدر من ساعده ووقف معه. - الحرب الأهلية أخرجت أوسخ وأقذر ما في البشر، وقتلت وهجّرت أنبل من فيهم. ربما تكون هجرتك إلى أميركا وحصولك على شهادتك المرموقة هي على مبدأ "مصائب قوم عند قومٍ فوائد". فلو لم يحصل ما حصل في لبنان، ربما كنت إنساناً مغموراً اليوم في لبنان أو في دول الخليج. فهل تلوم "النظام السوري" على أنك أصبحت بروفيسوراً في جامعة أمريكية في كاليفورنيا ؟ عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم! - قيل لي مرة: إن الجيش السوري (الذي دفع أكثر من 10,000 شهيد في لبنان) ملامٌ من قسم كبير من اللبنانيين: ملامٌ على التدخّل إن هو تدخّل، وملام على التأخر في التدخّل إن هو لم يتدخّل. وهو ما نراه عياناً اليوم في سوريا من لوم "المعارضين"، وهذا لا يدل إلا على سوء النية المبيتة سلفاً والاختلاف السياسي والذي يسهّل تحريف أي فكرة عن مضمونها لتخدم الهدف الذي يريده، وهو أن الحق على سوريا/ الجيش/ النظام/ الرئيس
-
تحية لك دكتور اسعد وشكرا لكتحية لك دكتور اسعد وشكرا لك على هذا المقال الفيم لان يجب على جميع الذين فقدوا ذاكرتهم ان يعرفوا ان التاريخ لا يرحم ولن ننسى كل ما حصل نحن البسطاء انا هم الذين يجلسون على الكراسي في مسخ الوطن والذين ينظرون على التلفزيونات اللبنانية والسورية فإلى جهنم وشكرا لك
-
رجاء صائماستاذ لي طلب صغير عندك , اذا ممكن تاخذ اجازة فقط في هذا الشهر , بتعرف شهر فضيل و عالم صايمة .. يعني ضروري تفطرنا و تدفعنا كفارة كل نهار سبت !
-
نظام المخابرات الذي يدافع عنهنظام المخابرات الذي يدافع عنه حسن نصرالله دفاعاً مستميتاً له حصة كبيرة في كل ما يجري من مآسي. كان معروف لدى الجميع أن حرب ال ٧٥ - ٧٦ كانت منتهية خلال سنة أو سنتين، ولكنهم أطالوها ١٥ سنة. وعندما أتاهم الأمر من واشنطن، انهوا تلك الحرب خلال ساعات قليلة.