يعيّرني أنصار النظام السوري دائماً (على الإنترنت وفي رسائل خاصّة) بأنني أحمل في سرّي عقدة التدخّل العسكري للنظام السوري في لبنان عام 1976. أعترف لكم ولكنّ، وأعلنها جهاراً: نعم، أحمل هذه العقدة، في سرّي وفي علني. أعترف: حملت هذه العقدة معي وما تخلّيت عنها عبر السنوات، وكانت جزءاً من المتاع الذي حملته إلى الشاطئ الأميركي عام 1983. كنت في سن السادسة عشرة ذلك العام، لكن سنة 1976 لم تكن سنة عاديّة. بين عام 1975 وعام 1976 كبرت أحلامنا وتضاعفت، ورأينا لبنان بمنظار مختلف للمرّة الأولى. ذقنا طعم الأمل (وكان ذلك قبل صعود ميليشيا «أمل»). شعرنا للمرّة الأولى في تاريخ مسخ الوطن بأننا على عتبة تغيير جذري للنظام اللبناني. كنا على أهبة نسف الكيان اللبناني من جذوره الاستعماريّة، أو هكذا خُيل لنا. لكن حافظ الأسد كان لنا بالمرصاد: داس آمالنا وأحلامنا وأزهارنا.
في سنة واحدة من الحرب بين 1975 و1976 تغيّر الكثير وتجذّر كثيرون (وكثيرات). في أوائل 1975 كان كمال جنبلاط يشكو من «اليسار المُغامر» وكان برنامج الحركة الوطنيّة (الذي أعدّه محسن إبراهيم وجورج حاوي) لا يتخطّى حدود المطالب الليبراليّة العاديّة في بلدان الغرب. حتى إن دين براون (وهو ينتمي إلى الحزب الجمهوري وكان مبعوثاً لإدارة جيرالد فورد في لبنان مطلع الحرب) علّق على برنامج الحركة بالقول إنه يوافق عليه، وإنه محدود. التيّار الشعبي العلماني الجارف آنذاك دفع كمال جنبلاط إلى أن يغيّر موقفه المُحافظ، كذلك فإنه دفع بياسر عرفات دفعاً نحو الانخراط الخجول في الحرب الأهليّة للردّ على القوات الانعزاليّة التي بدأت الحرب بأمر عمليّات إسرائيلي (لا جدال اليوم في مسؤوليّة حزب الكتائب في إشعال الحرب بالنيابة عن إسرائيل وحليفتيْها في عمّان والرياض للتخلّص من المقاومة الفلسطينيّة (هدف إردني) ومن اليسار اللبناني والفلسطيني (هدف سعودي) ومن الاثنيْن معاً (هدف إسرائيلي)). موسى الصدر الذي كان صاعداً شعبيّاً عام 1975 بات يفتقر إلى الدعم الشعبي في ربيع 1976، وكان التخلّص من قوات «حركة أمل» سهلاً جداً على قوات الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة في تلك السنة. بين 1975 و1976، تحوّل زعماء الإقطاع الشيعي في الجنوب والبقاع من زعماء أوحدين إلى منبوذين (مطرودين من ديارهم _ من يتصوّر أن زعامة مدينة صور كانت معقودة مثلاً _ وبالقوّة _ لرجعي شمعوني (كاظم الخليل) قبل سنوات الحرب؟).
استضافت محطة «العربيّة» هذا الأسبوع عبد الحليم خدّام للحديث عن ذكرياته (هل هناك أسوأ من طاهر بركة كمحاور، بالمناسبة؟). ظنّت المحطّة أن الرجل سيذمّ النظام السوري، ما سيُسهم في ضخ الدعاية العنيفة المستمرّة ضد نظام الأسد. لكن خدّام المطيع (للمال الحريري _ السعودي) خذلهم: دافع عن كل سياسات النظام السوري وعن حافظ الأسد، وأتبع ذلك بنفي مسؤوليّة النظام السوري عن اغتيالات لقادة في لبنان (وكان خدّام هذا قد اتهم النظام بها في مقابلات مع وسائل إعلام حريريّة). يبدو أن خدّام يخشى ساعة الحساب والإدانة القادمة (هذا الذي كان يستحسن زيارات الأثرياء الكبار من أمثال الحريري وعصام فارس وميشال المرّ له لأنهم كانوا يأتونه بقافلة من الهدايا الثمينة التي كانوا يودعونها في منزله، مع أن حزب البعث يحرص على تكريس نسبة معيّنة من مقاعد مجلس الشعب الشكلي للعمّال والفلاحين).
يحذّرني الأصدقاء العالمون (والعالمات) من الذهاب بعيداً في الحنين إلى خيال «ما كان يمكن أن يحصل» عام 1976. هل كانت الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة ستنشئان مدينة ثوريّة فاضلة (أو «هانوي عربيّة» على قول العظيم جورج حبش)؟ هل قيادة تقليديّة غير ثوريّة من طراز كمال جنبلاط (الذي ما نزع عن نفسه «بنوب» _ على قول الشوام _ ثوب الزعامة الطائفيّة، وإن كان يبرق ذهباً بالمقارنة مع وليده) أو ياسر عرفات؟ هل نصر الطرفيْن بإنشاء جمهوريّة ثوريّة في لبنان؟ لم يكن الأمر بهذه السهولة، وكانت تحول بين الهدف والتحقيق موانع ذاتيّة وموضوعيّة _ كما يُقال باللغة الماركسيّة _ اللينينيّة التقليديّة (التي تفيد في إزعاج راحة المذاق الليبرالي _ الوهابي).
عبد الحليم خدّام هذا _ الذي يعيش في باريس بأموال عمّال حزب البعث (الذي لم يعد حاكماً؟) وفلاحيه في سوريا _ نفى بالقاطع أن تكون سوريا قد توصّلت إلى اتفاق مع إسرائيل حول دخولها إلى لبنان عام 1976. لو لم يكن محاوره من طينة مُحاوري «العربيّة» (باستثناء القدير حسن معوّض)، لأعلمه أن اتفاقات الحكومات العربيّة مع العدوّ الإسرائيلي حول الشؤون العسكريّة والأمنيّة لم تكن تتطلّب مفاوضات مباشرة مع العدوّ. كانت الولايات المتحدة تقوم بدور ساعي البريد بين الطرفيْن. إذا لم يكن هناك اتفاق واضح وجليّ بين العدوّ والنظام السوري، فلماذا كانت القوّات السوريّة تقف خاشعة على تخوم نهر الليطاني؟ هل كان مانع الاجتياز طبيعيّاً يا ترى؟ ولماذا القوّات السوريّة التي كانت تتدخّل في الشاردة والواردة في لبنان بقيت بعيدة عن ساحة الجنوب؟ هل كان ذلك تعفّفاً منها؟
عام 1976، كانت قوّات الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة (العلمانيّة آنذاك، لم نكن بعد قد دخلنا عصر التلوّث الطائفي الذي أدخله آل سعود إلى حياتنا اليوميّة بالاشتراك مع آل الحريري) تصدّ الهجوم الذي شنّه حزب الكتائب بالاشتراك مع الجيش اللبناني الذي حتى عام 1984 كان مجرّد جيش شبيه بجيش لبنان الجنوبي، أي إن مهمته وفق عقيدة فؤاد شهاب الدفاعيّة انحصرت بحماية العدوّ الإسرائيلي من أي غضب ثوري أو تحريري، لبناني أو فلسطيني. الجيش اللبناني وحزب الكتائب كانا ينفّذان أوامر مَن قرّر ارتكاب مجازر أيلول في الأردن.
لم تكن الحركة الوطنيّة اللبنانيّة مستعدّة للمعركة الحتميّة التي كان حزب الكتائب وحلفاؤه يعدّونها في لبنان (ويتحمّل كمال جنبلاط ومحسن إبراهيم وجورج حاوي مسؤوليّة كبيرة عن هذا القصور الذي دفع ثمنه آلاف من اللبنانيّين والفلسطينيّين؛ لأن الأفق الإصلاحي الليبرالي الإصلاحي للثلاثة منعهم من تسليح الأحزاب اليساريّة بصورة تتيح لهم الدفاع عن النفس على الأقل). وكان ياسر عرفات بعيداً عن المشاركة في الحرب خلافاً لمعظم القادة الفلسطينيّين. كان لعرفات حسابات وحساسيات يقبض ثمنها أموالاً كبيرة من دول الخليج. كان قادة في حركة «فتح» (مثل أبو صالح وحتى أبو إياد) ينتظرون رحيل عرفات في واحدة من جولاته خارج لبنان كي يغدقوا السلاح على الأطراف اللبنانيّين وكي يسمحوا للمدافع الكبيرة بالمشاركة في القتال (لم يتوقّف جنبلاط أثناء الحرب من التذمّر من نوعيّة السلاح الرديء الذي كان يتلقّاه من ياسر عرفات _ والأخير كان أحياناً يحجز سلاحاً للحركة الوطنيّة حتى لو كانت قد دفعت ثمنه).
النظام السوري تلوّن وتنوّع وتنقّل في أدواره خلال الحرب. كان النظام في مرحلة متفهّماً لموقف سليمان فرنجيّة، لكنه عاد وانسجم _ ليس مع موقف الحركة الوطنيّة، بل مع موقف الزعماء المسلمين التقليديّين الذين ناشدوا في قمّة عرمون الشهيرة (ومحضرها منشور في كتاب المفتي حسن خالد عن الحرب) النظام السوري كي يتدخّل في لبنان لردع الهجوم الانعزالي. كان موقف النظام السوري آنذاك يلتزم مبدأ توازن الطوائف والميليشيات، ما لم تقتضِ مصلحة النظام الإخلال بها في حقبة ما ولسبب ما. لكن خطة دفاع الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة جذبت قطاعات كبيرة من الشباب اللبناني الناقم على الوضع في لبنان. (أذكر أنني قابلت في تلك السنة في مكتب مجلة «الهدف» التابع للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ولداً في العاشرة من عمره (أو أكثر قليلاً) ترك أهله في بعلبك وحمل حقيبة ثياب صغيرة، وأتى إلى بيروت للمشاركة في المعارك. ماذا حلّ بذلك الولد؟ آمل ألا يكون قد شارك في معارك: كان غيفارا يرفض تجنيد مَن هم تحت سن الثامنة عشرة). وكلّما زاد الزخم الشعبي، تقدّم الأمل بإمكان كسر شوكة الميليشيات الإسرائيليّة في لبنان بضربة قاضية واحدة. تحوّل كمال جنبلاط وتغيّر، وكبرت طموحاته. قد تكون دوافعه في المعارك آنذاك غير علمانيّة ولعلّه كان يحلم بالثأر لتاريخ قديم، لكن جماهير المقاومة كانت في وارد التصدّي لمشروع لا تغيب البصمات الإسرائيليّة عنه _ كما لا تغيب البصمات الإسرائيليّة عن حركة 14 آذار في نَسَقَيها اللبناني والسوري. تحوّلت المطالبة بتطبيق برنامج الحركة الوطنيّة الإصلاحي إلى مطالبة بتحرير لبنان من القوى الفاشيّة. كان النصر وشيكاً، وجنّ جنون عبد الحليم خدّام عندما مازحه جنبلاط بدعوته إلى غداء قريب في بكفيّا.
تحدّث حافظ الأسد عن تلك المرحلة في خطاب حفظه كل الانعزاليّين في لبنان عن ظهر قلب. لا يزال الكتائبيّون العتاق يستشهدون به عند كل طلعة شمس. حوّل الأسد فحوى هدف الحركة الوطنيّة إلى مقصد طائفي. تعرّض النظام السوري جرّاء تدخّله لتهديد داخلي مباشر. في ذلك العام، كان الناس في بيروت الغربيّة يبتهجون على مرّ العام لمجرّد سماعهم دويّ إطلاق نار، لظنّهم أن الانقلاب الموعود في دمشق قد تحقّق.
وعندما قرّر النظام السوري أن يغزو لبنان، تهيّأت الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والمقاومة الفلسطينيّة للأمر عبر حملة لم تستمرّ أكثر من يوميْن للتخلّص من الميليشيات الموالية للنظام السوري («أمل» و«الصاعقة» و«اتحاد قوى الشعب العامل» ودكاكين صغيرة أخرى). أذكر كم كان الأمر سهل التنفيذ لأن القاعدة الشعبيّة للنظام السوري في بيروت الغربيّة كانت منعدمة (فيما كان جيش النظام السوري يُنظَّر له في بيروت الشرقيّة على أنه المُنقِذ). (أذكر كيف ظهر المسؤول في «الصاعقة»، حنا بطحيش، على عكازيْن بعد حفلة من الضرب وكيف أعلن للإعلام أمام الكاميرات _ على عكازيْه _ أنه لقي معاملة حسنة. وبطحيش هذا عاد واستولى بأمر من «فتح» على منظمة «الصاعقة» قبل دخول القوات السوريّة عندما هرب على عجل خارج لبنان حفاظاً على حياته). لكن الدور القذر الذي أدّته منظمة «الصاعقة» (قد يكون زهير محسن من أسوأ قادة المقاومة الفلسطينيّة على الإطلاق، ويكفي أنه مات في مدينة «كان» الفرنسيّة _ من يصدّق أنه كان أيضاً، بالإضافة إلى ترؤسه لمنظمة «الصاعقة»، رئيساً للدائرة العسكريّة في منظمة التحرير؟) سهّل إمكان القضاء عليها لأنها مارست الكثير من الأفعال الإجراميّة والقمع في مناطق نفوذها، وكان مقاتلوها الأقلّ انضباطاً على الإطلاق (وتدريباتها العسكريّة كانت مفرطة في القساوة: كان المُقاتل يُطلى بالمربّى أو العسل، ويصلب في الشمس لساعات). وكانت النقمة على التدخل العسكري السوري عارمة: ينسى البعض عن الجبهة الشعبيّة _ القيادة العامّة أنها كانت في عداد القوى المُعارضة للتدخّل، والحزب القومي أصدر كرّاساً (نشتاق لزمن الكراريس) صغيراً ضد «الغزو الشامي».
لا يَغْفر _ أو يجب أن لا يغفر _ من حمل طموحات ثوريّة في ذلك العام، للنظام السوري تدخّله. التدخّل لم يمنع فقط الحركة الوطنيّة والمقاومة من تحقيق نصر محقق، لكنه ساهم بصورة أساسيّة في إطالة أمد الحرب الأهليّة. كان يمكن الحرب الأهليّة أن تنتهي مرّة واحدة (وإلى الأبد) عام 1976، وأن يُقضى على النظام اللبناني الطائفي برمّته (وكانت حشرجات الإسلام التقليدي في ما سُميّ «التجمّع الإسلامي» غير مؤثّرة إطلاقاً بالرغم من مال الاستخبارات السعوديّة عبر علي الشاعر، السيّئ الذكر). والتدخّل العسكري السوري أطلق يد قوات الكتائب والأحرار ومرتزقة إسرائيل الآخرين كي تنفّذ مشروعها للتطهير الطائفي والعنصري: غزت قوات الكتائب وحلفائها مخيّمات جسر الباشا وتل الزعتر وحي النبعة. (لا يُذكر في سرديّة حزب الكتائب لتلك المرحلة عمليّة التطهير الطائفي التي مارسها حزب الكتائب في المناطق الشرقيّة لأنه لا يزال يتمسّك بأكذوبة محاربته للتوطين الفلسطيني فقط). إن التدخّل العسكري السوري هو الذي سمح للكتائب والأحرار بارتكاب تلك المجازر (صحيح أن «خبريّة» وجود ضباط إسرائيليّين وسوريّين في غرفة قيادة واحدة مختلقة، أو على الأقلّ غير مثبتة، لكن من الأكيد أن النظام السوري وإسرائيل رَعَيَا القوات المُجرمة التي ارتكبت تلك المجازر. لم يفسّر حافظ الأسد في خطبه منطق منعه لدخول قوّاته لبنان لمنع المجازر ضد المسيحيّين (وكأن هذا كان هدف قوات الحركة الوطنيّة والمقاومة، مع أن قوات «الصاعقة» مسؤولة عن موبقات الهجوم على الدامور) فيما سمحت قوّاته لميليشيات الكتائب والأحرار بارتكاب مجازر طائفيّة وعنصريّة (كان ميشال عون آنذاك في صف مدفعيّة الكتائب ضد مخيّم تل الزعتر، لكن ذلك سبق «التفاهم» بينه وبين حزب الله، وماركس أعلم).
أما أسباب تدخّل النظام السوري، فهي متعدّدة وتتعلّق بحسابات الحفاظ على النظام لا بحسابات خطاب حافظ الأسد الخيري. تدخل في لبنان للأسباب التالية: 1) خشي النظام أن يجرّ النظام اليساري اللبناني الجديد النظام السوري إلى معركة لا يريدها مع العدوّ الإسرائيلي (حافظ الأسد، كما تذكرون، كان حتى موته ينتظر تحديد «زمان المعركة ومكانها»، أما ابنه بشّار فهو ينتظر «عودة الجولان»). 2) الخوف من خلق موطئ قدم لخصومه العرب في لبنان، وخصوصاً النظام العراقي. 3) الخشية من خسارة النظام السوري للورقة اللبنانيّة. 4) منع ياسر عرفات من تقوية فصيله في منظمة التحرير على حساب الفصائل الموالية لسوريا. 5) الخوف من أن تثوير الوضع اللبناني سيؤدّي إلى تثوير الوضع السوري (كان هذا جميلاً جداً لو حصل بمنظار حرب تحرير فلسطين الشعبيّة).
هل كنا على وشك إقامة دولة يساريّة ثوريّة، هانوي، في لبنان؟ ليس أكيداً إطلاقاً. يكفي أن ياسر عرفات كان في القيادة (كما يكفي أن كمال جنبلاط كان في الدفة اللبنانيّة الرديفة) كي تساورك شكوك عديدة. لكن مشروع التثوير كان واعداً أكثر بعد دحر ماحق لقوى الكتائب والأحرار، وفي هذا الوقت المبكّر من الحرب. كانت طبيعة الصراع في لبنان ستتغيّر، لكن ليس نحو أفق طائفي بالتأكيد. الحركة الوطنيّة كانت إلى ذلك الحين غير ما أصبحت عليه في ما بعد على يد ثلاثي جنبلاط _ إبراهيم _ حاوي (إبراهيم قليلات كان صوت عرفات والقذّافي أكثر من أي شيء آخر). وقوى الرجعيّة لم تكن ستتفرّج لو أُنشئت جمهوريّة ثوريّة في لبنان: كان النظام السوري سيتحالف مع قوى الرجعيّة العربيّة ومع أميركا وإسرائيل لدحر المشروع (وكانت القوى المذكورة كلها مُباركة للتدخّل السوري آنذاك).
لا يمكن العودة إلى الماضي لخوض الحرب مرّة أخرى. من منا لا يحلم (يوميّاً؟) لو يتسنّى لنا العودة إلى 1948 لخوض الحرب مرّة أخرى؟ من كان من العرب سيستنكف؟ ماذا كان حصل لو أرسلنا قوى المقاومة في حزب الله إلى فلسطين عام 1948؟ هذه أضغاث أحلام. علينا أن نقبل مسار التاريخ، من دون أن نقبل _ أبداً _ المترتّبات الي نتجت من هذا المسار. ومن قال إن مسار التاريخ هو حاسم وقاطع، وغير قابل للانكسار أو التحوير والتغيير؟
لكن 1976 كان عاماً ثميناً وأليماً في آن واحد. تكسّرت أحلام صبية في ذلك العام. تكسّرت أحلامي أنا باكراً.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)