بعد يومين على تسلّل أربعة شبان من غزة، وحرقهم أدوات حفر تابعة لجيش العدو خلف الشريط الحدودي، استطاع اليوم ثلاثة شبان من القطاع اختراق الحدود مجدداً، واجتياز مسافة ٢٠ كيلومتراً داخل البلدات الإسرائيلية، وصولاً إلى قاعدة «تسيئيليم»، بالرغم من حالة الاستنفار القصوى التي يعيشها الجيش الإسرائيلي، تحضيراً لـ«مسيرة العودة»، يوم الجمعة المقبل. وأظهرت التحقيقات الإسرائيلية الأولية، أن الشبان «تجوّلوا لساعات عدة في المنطقة، وساروا مسافة تقدر بنحو 20 كيلومتراً، وهم مسلحون بالقنابل والسكاكين». وبحسب موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، «خرج الشبان، صباح اليوم، من منطقة السياج الحدودي، ووصلوا إلى قاعدة تسيئيليم العسكرية، وعبروا عشرات البلدات الإسرائيلية، وكان بإمكانهم أن ينفذوا عملية في أي لحظة».
وانتقدت الصحيفة الحادثة معتبرة أنها تثير أسئلة خطيرة، وخصوصاً أنها حصلت في الأسبوع الذي نشر فيه الجيش قوات بشكل لم يسبق لها مثيل في محيط قطاع غزة، استعداداً لمسيرات العودة المخطط لها، وتحضيراً لمحاولات فلسطينية لاقتحام السياج الحدودي، أو الدخول إلى إسرائيل عشية «عيد الفصح العبري»، كما أن الجيش نصب حول قطاع غزة وسائل تكنولوجية متطورة بهدف منع التسلل، لكن «الفلسطينيين أثبتوا أن الأمر ممكن»، على حدّ تعبير الصحيفة.


من جهته، قال عضو الكنيست ورئيس «المجلس الإقليمي أشكول» سابقاً، وعضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست حالياً، حاييم يلين، من كتلة «يش عتيد»، للصحيفة إن «الفلسطينيين الثلاثة دخلوا عميقاً، فليس الحديث عن كيلومتر أو اثنين، وإنما عن عدة ساعات من السير، وليس الركض».
كذلك، أفادت صحيفة «هآرتس» بأن التحقيقات الأولية أظهرت أنه «حصل مساس بالسياج الحدودي خلال ساعات الليل، ولم تتمكن القوة التي وصلت إلى المكان من تشخيص أي عملية اختراق للحدود من قطاع غزة. ولم يتم اكتشاف ذلك إلا بعيد التاسعة صباحاً».
ونقلت الصحيفة عن مصادر في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقديراتها أن «الفلسطينيين أدركوا، أخيراً، أن من السهل الوصول إلى السياج الحدودي، مقارنة مع ما كان عليه في السابق، وذلك في أعقاب الحادثة التي اقترب فيها الجنود من علم فلسطيني علّق على السياج، وتم تفجير عبوة ناسفة في المكان، ما أدى إلى إصابة أربعة جنود».

الرد الإسرائيلي على التسلل
في أعقاب عملية التسلل، قال المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي، رونين منليس، إنه «تمت معاينة مساس بالسياج الحدودي في المنطقة التي دخل منها الشبان الفلسطينيون الثلاثة». وأعلن منليس أن «قوة من قصاصي الأثر اكتشفت ثغرة في السياج في الساعة 9:00 من صباح اليوم. وفي الساعة 10:35 تم اعتقال الشبان الثلاثة على بعد 200 متر من قاعدة تسيئيليم». كذلك، أكد أن «من غير المعروف الهدف الذين سعوا إليه، لكونهم لم يستخدموا الوسائل القتالية التي كانت بحوزتهم». من جهته، أشار رئيس المجلس الإقليمي لـ«أشكول»، غادي يركوني، إلى أنه «يجب على الجيش أن يحقق في الحادث للتيقن من عدم تكراره مرة أخرى لأنه كان من الممكن أن ينتهي بطريقة أخرى».

تحضيرات العدو لـ«مسيرة العودة»
في غضون ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن العدو قرّر منع اختراق السياج من قطاع غزة خلال «مسيرة العودة» يوم الجمعة المقبل؛ ولو كان ذلك «على حساب الخسائر الفلسطينية». وأشارت إلى أنه للحد من احتمالات التصعيد، فإن الجيش الإسرائيلي ضاعف من وجود الوحدات الخاصة من «الإيجوز» وحرس الحدود والجنود، في محيط غزة.
الصحيفة أشارت إلى أربعة سيناريوات يخشاها جيش العدو، منها اقتحام الحدود ومحاولة الوصول إلى المدن المجاورة، ومنعاً لذلك فإن «الجيش سيمنع الفلسطينيين من الاقتراب من السياج، حتى ولو على حساب وقوع قتلى وقد قام الجيش بتقسيم وحدات إلى أقسام في المنطقة القريبة من الحدود»، مؤكدة أن «الجيش يعتزم استخدام نيران القناصة لتفريق التظاهرات، بما في ذلك المدفع الرشاش الذي يطلق المواد النتنة والغاز المسيل للدموع».
تجوّلوا لساعات وعبروا عشرات البلدات وهم يحملون قنابل يدوية


أما السيناريو الثاني فهو «توجّه متظاهرين فلسطينيين إلى معبر كرم أبو سالم وإيرز، ما يدفع قناصة الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق النار عليهم لإيقافهم»، ثم «تُطلق حماس صواريخ على غلاف غزة (بئر السبع وعسقلان)، فيرد الجيش بقسوة وينتقل التصعيد إلى الضفة الغربية، ويزداد الصراع بين الجانبين».
وتشير «هآرتس» إلى أن السيناريو الآخر الذي يستعد له الجيش، هو «محاولة الفلسطينيين ضرب الجنود بقنابل يدوية، أو نجاح المتظاهرين في عزل جندي واختطافه». كذلك، لفتت إلى أن «قوات الجيش قد تجد صعوبة في التعامل مع المتظاهرين لأنها لم تنشئ قوات خاصة للتعامل مع التظاهرات على نقيض الشرطة التي تتدرب وحدة الدوريات الخاصة والوحدات الخاصة بانتظام على ذلك، ونتيجة لذلك يدعو كبار ضباط الشرطة الحاليين والسابقين الجيش الإسرائيلي إلى وضع قوات الشرطة كخطٍ ثانٍ لجنود الجيش الإسرائيلي، لإنهاء مثل هذا الحدث مع 10 أو 20 قتيلاً على الأكثر».

السلطة والأردن ومصر في خدمة إسرائيل
من جهة أخرى، أفادت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية بأن إسرائيل والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية تجري محادثات سرية من أجل منع التصعيد عشية «مسيرة العودة»، خوفاً من تدهور الأحداث إلى تصعيد أمني يجر المنطقة بأكملها إلى مواجهات عنيفة لا يمكن السيطرة عليها. وبحسب «يسرائيل هيوم»، «يسود تخوف كبير في الأردن ومصر ورام الله، من تصعيد الأحداث المخططة في غزة وامتدادها إلى الضفة الغربية وحتى إلى الأردن. ويسود تخوف في مصر من محاولة الفلسطينيين، ليس فقط التحرك باتجاه السياج الحدودي مع إسرائيل، وإنما باتجاه الجانب المصري من الحدود مع غزة، وهو سيناريو يرغب المصريون في منعه».

الصحيفة أضافت أنه «تم توجيه أجهزة الأمن الفلسطينية لكي تسمح للمتظاهرين في الضفة بتنظيم مسيرات تضامناً مع مسيرات غزة، ولكن منعها من الوصول إلى نقاط الاحتكاك والدخول في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي».
وقال مصدر أمني فلسطيني رفيع المستوى للصحيفة، إن «القطيعة السياسية بين الأطراف تعيق وتصعّب بناء الثقة المتبادلة، لكن التعاون والتنسيق الأمني يجري بشكل مهني».