نهجُ «قصرِ الأمد»رأت صحيفة «واشنطن بوست» أنّ نقل السفارة الأميركية إلى القدس اليوم، هو فعلٌ تاريخي قابل للانفجار، وينطوي على الكثير من التداعيات الإقليمية. بحسب التقرير المنشور اليوم، فإن سياسات ترامب الخارجية تتمّ وفق مبدأ اتخاذ قرارات خارجية جذابة تعزّز القاعدة الشعبية المحلية للرئيس الأميركي، ولكن تبدو أنها ستسبب صداعاً كبيراً ومشاكل على المدى الطويل.
الصحيفة أطلقت على سياسة ترامب الخارجية: «اشترِ الآن، ادفع لاحقاً»، معتبرةً أنها تسمية تنطبق حرفياً ومجازياً. ففي حالة نقل السفارة، أصرّ ترامب على إمكانية بناء سفارة جديدة بكلفة منخفضة بفضل «حنكته في البزنس». وقد قرر ترامب هذا الأمر في مسيرةً شهدتها ولاية إنديانا يوم الخميس الماضي، حين قال إنّه تمكّن من تخفيض كلفة الانتقال من مليار دولار إلى 400 ألف دولار فقط. في السياق، أشارت الصحيفة إلى تقرير نُشر مطلع هذا الشهر في صحيفة «ذي بوست» أظهر أن مبلغ الـ400 ألف دولار المذكور، مخصّص فقط للمرحلة الأولى من الانتقال إلى القنصلية الموجودة أصلاً في القدس، والتي ستكون على الأرجح مكاناً موقتاً. أمّا بناء سفارة كبيرة ودائمة (وصرف ما يعادل المليار دولار)، قد يأخذ عشر سنوات أخرى، وحينها لن يكون ترامب رئيساً.
«تفاخر ترامب الخاطئ»، كما تقول الصحيفة، يظهر قلة تقديره للكلفة السياسية على المدى الطويل لهذا القرار. في هذا الشأن، يتوقّع معدّ التقرير حدوث احتجاجات واسعة جراء نقل السفارة المتزامن مع ذكرى النكبة. الخطوة الأميركية ستكون علامة أخرى على أن الولايات المتحدة ستفقد أخيراً صفتها كـ«طرف محايد» في أيّ اتفاقات حول المنطقة، ما سيجعل الأمر أكثر صعوبةً لأي حل طويل الأمد، خصوصاً أنّ «هذه المشكلة قد تستمر لسنوات، وقد تتعامل معها إدارات لاحقة».
نهجُ «قصرِ الأمد» الذي تتّسم به سياسات ترامب الخارجية، لا يقتصر فقط على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ إن قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي، يظهر أن لا وجود لخطة بديلة لديه. وفيما من المفترض أن يلتقي ترامب برئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، في 12 حزيران/ يونيو المقبل في سنغافورة، يبدو أن الاتفاق بين الطرفين سينتهي كأمر معقّد. كما ترى أنه سيكون على الولايات المتحدة أن تتعامل ليس فقط مع إنهاء برنامج بيونغ يانغ النووي، ولكن أيضاً مع تقديم دعم وضمانات لشبه الجزيرة الكورية.
كذلك، هناك قلق من أن يكون الاتفاق مع كوريا أسوأ بكثير من الاتفاق مع إيران، والأخير أخذ سنوات من المفاوضات الشاقة للوصول إليه. ولكن ترامب لم يظهر ميلاً إلى الصبر أو إلى الجدال الدبلوماسي الطويل والمعقّد.
ما يريده الرئيس الأميركي ببساطة هو نيل استحسان الجمهور، آملاً في إشعال مناصريه، ويريد تصدّر عناوين صحف أجنبية، وتمييز نفسه عن من سبقه في منصب الرئاسة. وختم التقرير بالقول إنه إذا كانت مقولة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» هي حقاً الخطة التي يعتمدها ترامب، فإنّ الكلفة ستكون أكبر ممّا نعلم.

«الكابوس قادم»
بعنوان «فيما تحتفل إسرائيل باستقلالها، الكابوس قادم»، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن إسرائيل تشهد حالياً قوةً غير مسبوقة، خصوصاً في ظل «دفء العلاقات مع السعودية ودول الخليج. دفءٌ يعزّز الآمال في أن تتّسع دائرة أصدقاء إسرائيل في المنطقة». الصحيفة اشارت إلى أن ترامب ذهب أبعد بكثير من أي من الرؤساء الذين سبقوه في دعم إسرائيل وزعيمها اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو.
بحسب الصحيفة، فإنه ما من رئيس أميركي قدّم هدايا لزعيمٍ إسرائيلي كما فعل ترامب لنتنياهو: من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، إلى حجب أموال عن «الأونروا» (التي يريد نتنياهو أن يلغيها)، وصولاً إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
مع ذلك، تلفت الصحيفة إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يوم أمس، التي قال فيها إن عملية السلام في الشرق الأوسط «لم تمُتْ». في حديثٍ إلى قناة «فوكس نيوز»، أشار بومبيو إلى أن واشنطن ما زالت تأمل في تحقيق إنجاز ناجح في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تقرير «نيويورك تايمز» نقل عن مؤرخ للسيرة الذاتية لديفيد بن غوريون، قوله إن الأخير «لم يهتم كثيراً للقدس، وتأنّى في محاولة السيطرة على المدينة عام 1948، لأنه علم جزئياً أنه سيكون من الصعب أن يحفظ المدينة القديمة من المتشددين»، كما أشار المؤرخ إلى أنه «لم يتغيّر الكثير في هذا الشأن»، في إشارة إلى أنّ احتمال استهداف المدينة القديمة لا يزال قائماً.

ترامب فرصة لنتنياهو
من جهتها، قارنت مجلة «فورين بوليسي» الوضع في فلسطين بما يجري في شرق آسيا مع اقتراب انعقاد قمة بين واشنطن وبيونغ يانغ. وفيما تبدو الأمور متّجهة إلى «سلام» على طرف القارة، تميل الكفة في الشرق الأوسط لمصلحة الحرب.
التقرير استعرض الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، لا سيما التصعيد بين إسرائيل وإيران في سوريا، لتخلص إلى القول إن نتنياهو يرى في إدارة ترامب «فرصة»، بينما يعتبر رئيس كوريا الجنوبية مون جاي أنّ إدارة ترامب تشكّل تهديداً للأمن القومي في شبه الجزيرة الكورية.
وبالمقارنة بين الملفين، تقول المجلة إن مون ينحدر من جناح ليبرالي براغماتي، فيما يُعدّ نتنياهو من صقور الجناح القومي في إسرائيل. لذلك، يرى نتنياهو في تهديدات ترامب لإيران وفي السياسات العدائية تجاه الفلسطينيين، طريقاً قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وأعداء إسرائيل «وهو الوضع الذي طالما تمنّاه نتنياهو». كذلك، فإن الفرق الأساسي بين المنطقتين، أنه فيما يشهد شرق آسيا صراعات باردة، يعيش الشرق الأوسط حروباً ساخنة، خصوصاً بعدما «انضمت مجموعة من حلفاء الولايات المتحدة بما فيها السعودية والإمارات إلى جانب إسرائيل، وهم يحاولون إشعال الحرب مع إيران».