زياد اشتيويكعادتي كل صباح مع فنجان قهوة وما تيسر من سجائر، اتصفح الفيسبوك، وهي عادة اصبحت كما الفرض اليومي لطالب المدرسة، اتابع ما استطيع وما تقع عليه عيناي اولا، ثم اتصفح صفحات بعض الاصدقاء، اهنئ هذا واجامل ذاك. لكن كان لهذا اليوم وقع اخر! لا ادّعي أنني فوجئت بالخبر، وانه وقع علي وقوع الصاعقة، لانني منذ زمن بعيد استشف اتجاها متزايدا من بعض التعليقات او المقالات التي كانت تدعو، يأسا، إلى الهجرة من واقعنا المزري في بلاد العرب الى بلاد الله الواسعة.

لكن ما فاجأني في الامر ان يبادر بعض الشباب في المخيم هنا، لإنشاء صفحة خاصة تحت شعار «نعم للهجرة»! لا بل ان يعلن بعضهم ايضا عن تحرك وتجمع في ساحة من ساحات المخيم ويصدر بيانا صريحا يدعو الشباب إلى الهجرة، اذ ان الامر، وانا هنا لست بصدد الحكم مع او ضد، يفترض من فلسطيني عتيق مثلي ان يسأل السؤال الطبيعي التالي: هل وصل الحال بشبابنا في مخيمات الشتات الى القيام بهذه الخطوة التي كانت تعد في السابق من المحرمات؟ حتى الخوض في الحديث عنها كان يعد بالنسبة إلى البعض ضرباً لحق العودة، وللبعض الاخر خيانة. مع ان العديد من الشباب الفلسطيني هاجر بطرق مختلفة، منهم من باع ما تيسر له للحصول على «فيزا شنغن»، ومنهم من رهن ما يستطيع من متاع ليسافر عبر السماسرة إلى بلاد العجائب، ممنين النفس بحياة على الاقل ليس فيها خوف من الغد وغدر الايام . حتى إن ما يسمى مخيم «ويفل» (الجليل في البقاع ) قلٌما تجد فيه بعض الشباب، وذلك نتيجة لسفر معظمهم. هنا يبرز السؤال الملح والطبيعي: لمَ هذه الدعوة الان؟ وهل وصل الامر بشبابنا إلى الكفر بما يرونه في مخيمات لبنان؟ حيث البطالة والخوف من الغد؟ ام انه الكفر بالحال الفلسطيني على نحو عام، في كل اماكن وجودنا في الشتات، وما رافقه: من العراق مرورا بسوريا الى لبنان؟ ام هو الانقسام الفلسطيني، والمفاوضات العبثية، وكلام البعض عن حق العودة وما يرسم في زواريب السياسة للتخلي عنه؟
لا اعرف. هي اسئلة كثيرة للحقيقة، وللاسف لن نجد عنها جوابا شافيا فوريا. وباعتقادي لا أحد يملك جوابا شافيا، بل هي تمنيات لا تغني ولا تسمن من جوع .
في لبنان مثلا لا يحق للفلسطيني العمل وممنوع من التملك، وحتى القبر لن تجد له سبيلا في بعض المخيمات. احد الشباب من ابناء البارد، الذين منّوا النفس بعد نكبة البارد ان يجدوا ولو فرصة عمل في مخيمهم، حتى لو بأجر زهيد بعدما ضاقت بهم السبل في البحث، وبعد مرور كل هذه السنوات على الاعمار، يقول: كان مقررا ان تكون نسبة العمال من ابناء المخيم 95% من مجمل العمال، الا اننا نجد ان القلٌه القليلة منهم بين من يعملون اليوم. اما السواد الاعظم؟ فللعمال السوريين وغيرهم لكون اجرهم اقل.
اضافة الى البطء في الاعمار والمصالح والمحسوبيات والمتعهدين وتاخير الرواتب «والله قرفنا حالنا» و«بدك تروح تشتغل بره بس يعرفك فلسطيني بقلك اسف». «هنٌي ولاد البلد مش ملاقين شغل لنشتغل احنا؟» يقولها بمراره . اخر يقول: «يا عمي شو بدك يانا نعمل يعني؟ اذا بدك تعمل عملية زايده بدك تدفع الي فوقك والي تحتك، بعد ما الانروا وقفت تغطية الاستشفاء، واحنا يا دوب ملاقين نوكل، ولا حدا سألان ولا حدا مهتم» .
هي الحاجه اذا، وانسداد الافق امام الشباب بحياة كريمة يحلمون بها. آخرون يقولون «تطالبوننا بالبقاء من اجل ماذا؟ القضية التي يجري التفاوض لشطبها؟ ام من اجل حق العودة، الذي هو بنظر البعض كذبة اصبح عمرها 65 عاما؟ ما زلنا ننتظر ونحن من ازمة مخيم الى ازمات اخرى لا يعلم بها الا الله. اخر يقول: «الله يخليك ما حدا يزايد علينا بالوطنية! احنا قدمنا الغالي والنفيس وفلسطين بقلبنا، بس بدنا نعيش بكرامة». صيحات وصرخات مؤلمة يطلقها الشباب الفلسطيني كل يوم، لكنها حتى الان وبنظرهم، لم تجد ولن تجد لها اذانا صاغية: وعود ووعود وعالوعد يا كمٌون. مخيمات تدمٌر، مخيمات تحاصر، مخيمات يموت اهلها من الجوع تحت مرأى ومسمع العالم المتحضٌر، وشباب على الرصيف لا يملك ثمن علبة سجائر. هو الفقر والبطالة والجوع وعدم توافر فرص العمل، في ظل غياب كامل لمؤسسات منظمة التحرير والفصائل في تحسين واقع الشباب الفلسطيني.
هي حالة مستمرة في التصاعد ان لم تجد من يتصدى لها، عبر التحرٌك الجدٌي والتواصل، وبذل كل الجهود الممكنة من اجل تحسين هذا الواقع الفلسطيني المؤلم في مخيمات الشتات. هي ظاهرة ستكبر كما كرة الثلج، وتنذر بدق جرس الخطر في وجه كل ولاة الامر واصحاب الشأن، ربما تغضب البعض وتفرح البعض الاخر، انما تبقى واقعا لا مجال للهروب منه او غض الطرف عنه.
هي مسؤولية الجميع بدون استثناء في المنظمة وخارجها للبحث في كيفية تحسين واقع الفلسطينين في مخيماتهم من اجل حياة كريمة لائقة.
ويبقى صدى اغنية «بدي اعيش بكرامة/ يا عالم انا انسان». تتردد في الافواه لعلٌها تصل مسامع من هم في سدٌة المسؤولية.





في اليرموك ايضا، استحدثت صفحة فايسبوكية بعنوان « طلب لجوء انساني» تقول التالي «نظراً لما عانيناه في الأشهر الماضية من حصار وتجويع أدى إلى استشهاد 66 شهيدا والعدد في ازدياد، برغم ما يسوق له من إدخال جزء لا يكاد يذكر من معونات، لا تسد رمق من سكن الجوع أمعاءهم لأشهر طويلة، فإننا: نحن أبناء مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، نطالب بلجوء إنساني إلى أي دولة أوروبية، فنحن بحاجة لنعيش ككل البشر، وان نضمن لأطفالنا حياة كريمة. لذا ندعو أبناء المخيم إلى توقيع «عريضة اللجوء»، ابتداء من 22-1-2014. أمام مركز دعم الشباب».