نابلس | شهيد جديد في نابلس، اقتحامات إسرائيلية، إصابة 180 فلسطينياً في نابلس وحدها خلال يوم، اشتباكات مسلّحة مستمرّة، مواجهات ليلية عنيفة، مسيرات عارمة وعفوية إسناداً لجنين، وفي المقابل تنسيق أمني متواصل بلا خجل... هذا هو الوضع في الضفة الغربية خلال اليومين الماضيين. عاود جيش العدو اقتحام نابلس، ووفّر الحماية لقادة المستوطنين لإنجاز ترميم أجزاء من قبر يوسف بعد تحطيم شبّان فلسطينيين له، فيما اندلعت مواجهات عنيفة استمرّت طيلة ليلة الثاني عشر من رمضان وحتى ساعات الصباح الباكر، استشهد بنتيجتها المحامي محمد حسن عساف (34 عاماً) متأثّراً بإصابته برصاص الاحتلال. والشهيد هو أمين سرّ حركة «فتح» في قرية كفر لاقف قرب قلقيلية، ويعمل مستشاراً قانونياً في «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» (هيئة رسمية تنتهج المقاومة السلمية، وتتبع السلطة الفلسطينية، ورئيسها مصنَّف على أنه وزير في الصلاحيات والامتيازات، لكن رسمياً مسجّلة كهيئة وليس كوزارة)، ويسكن في شارع عمان في مدينة نابلس.كذلك، سقط شهيدٌ و125 إصابة خلال مواجهات قرب قبر يوسف، و60 إصابة في بلدة بيتا جنوب نابلس، في حين أصيب شابّان برصاص قوّة خاصة في طولكرم. ويُلاحظ استخدام جيش العدو لوتيرة أعلى من القمع والقوّة، إذ تضاعفت أعداد الإصابات بالرصاص عن المواجهات السابقة في الأماكن نفسها. ففي قبر يوسف، من بين الإصابات، 9 بالرصاص الحيّ، و12 بالرصاص المعدني المغلّف بالمطاط، و9 شبّان دهستهم آليات عسكرية إسرائيلية، بينما في بلدة بيتا، سُجّلت 4 إصابات بالرصاص الحيّ، و8 أخرى بالرصاص المعدني. أمّا في طولكرم، فإن المستعربين نفّذوا اقتحاماً لمدخل جامعة فلسطين التقنية «خضوري»، وأصابوا شابَّين بالرصاص من مسافة بعيدة نسبياً، ثمّ اعتقلوا أحدهما وهو دانيال الجابر، أحد موظّفي أمن الجامعة.
في هذا الوقت، تُواصل جنين الإعداد للمواجهة، بعدما أصبح إغلاق مداخل المخيم طقساً يومياً يمارسه الشبّان ليلاً استعداداً لاقتحام جيش العدو. وعلى رغم أن الاقتحام الأخير كان كالمعتاد في ساعات الصباح الباكر، إلّا أنه لم يمرّ من دون إطلاق نار تجاه قوات الاحتلال. ويتعمّد العدو اختيار هذا التوقيت لتحييد أكبر عدد ممكن من المسلّحين المقاومين وشبّان المواجهات، إذ إن الجميع يكون نائماً أو ذاهباً لعمله ودوامه في وقت الصباح، لكن في كلّ مرّة تثبت جنين فشل «الشاباك» في اختياراته. وتَركّز الاقتحام الأخير داخل الحيّ الشرقي من جنين، وتخلّلته اشتباكات مسلّحة متقطّعة عدّة مرات، ثمّ لاحق المقاومون آليات العدو بالرصاص خلال انسحابها من الحيّ. أمّا في قلقيلية، فقد أكد العدو إصابة أحد جنوده إثر رشقه بالحجارة صباحاً.
تُواصل جنين الإعداد للمواجهة، بعدما أصبح إغلاق مداخل المخيم طقساً يومياً يمارسه الشبّان ليلاً


وتضاعف عدد نقاط المواجهة خلال اليومين الماضيين، إذ قفز بعد الإفطار وحتى الفجر من 15 إلى 27 على الأقلّ في الليلة الواحدة، وامتدّ ليصل إلى مناطق جديدة، بعد غيابها لأشهر، كما في: مدخل بيت فوريك شرق نابلس، قرية بدرس غرب رام الله، جامعة «خضوري»، والمدخل الشمالي لمدينة البيرة. وفي ليلة الثاني عشر من رمضان، تعرّض جيش العدو لسبع عمليات إطلاق نار خلال اقتحاماته للضفة الغربية في ساعات الفجر، وسُجّلت هذه العمليات في كلّ من: الحي الشرقي في جنين، وبلدة قباطية جنوب جنين، ومحيط قبر يوسف، ومنطقة بلاطة البلد في نابلس. وقَبْلها بليلة (ليلة الحادي عشر)، تعرّضت قوات الاحتلال لإطلاق نار في قرى جديدة، مثل: اليامون غرب جنين، طمون قرب طوباس في الأغوار الشمالية، وفق مصادر لـ«الأخبار». كما أطلقت مركبة مسرعة النار في اتّجاه آلية عسكرية إسرائيلية جنوب نابلس، وأحدثت فيها أضراراً من دون إصابات، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية. وخلال اليومين الماضيين، وبعد هدوء لعدّة أيام في داخل الأراضي المحتلة عام 1948، كسرت الهدوءَ عمليةُ طعن في عسقلان نفّذها الشهيد عبدالله سرور من الخليل، وأصاب خلالها أحد عناصر شرطة العدو.
في غضون ذلك، تستمرّ الفعاليات والمسيرات الداعمة لجنين منذ أيام في مختلف محافظات الضفة، كما يتواصل انخراط النقابات والمؤسّسات المجتمعية في حملة دعم أهالي جنين لصدّ العقوبات الإسرائيلية، إذ أعلنت نقابة المهندسين تنظيم مسيرة حافلات دعماً لجنين ومخيمها يوم الأحد المقبل، حيث ينطلق المشاركون من مدينة نابلس نحو جنين، ثمّ ينظّمون وقفة جماهيرية أمام المخيم، ويتجوّلون في أسواقها، وفي نهاية الجولة يتناولون وجبة الإفطار الرمضاني في واحد من المطاعم الشعبية. وأمام تصاعد الفعاليات الجماهيرية العفوية، وجدت حركة «فتح» نفسها مجبرة على الانخراط في هذه الهَبّة، إذ نظّمت في رام الله، لأوّل مرّة، مسيرة حاشدة إسناداً لجنين، جرى توجيهها إلى نقاط التماس بعد صلاة التراويح يوم أمس.
هكذا، جدّدت الأحداث والعمليات الفدائية الأخيرة الاشتباك، وأشعلت المواجهات ووسّعتها في الضفة الغربية، فيما لا يبدو أن هذه الهَبّة ستنتهي قريباً، بالنظر إلى أن مشعلها الرئيس هو جنين ومخيّمها والمقاومون فيهما، والذين يجعل عددهم الكبير احتواءهم أو «غلق ملفّهم» صعباً ومعقّداً ولا يمكن إنهاؤه جذرياً في أسابيع. فالحديث يجري عن نحو 35 مطلوباً معروفين لـ«الشاباك» وأجهزة أمن السلطة، لكن الأخطر على العدو هو وجود مجموعات أخرى من المقاومين ليست مكشوفة. ويبدو صمت السلطة الفلسطينية في جنين دليلاً على أنها رفعت يدها عن الملاحقة على الأرض، ليس لأنها لا تريد، بل لأنها باتت عاجزة عن التصدّي للمقاومين وحدها.