غزة | قد يكون النجاح الاستخباري للمقاومة الفلسطينية، أكثر وجه من وجوه عملية «طوفان الأقصى» تسبّب بالصدمة لدى دولة الاحتلال وجيشها، كونه فوّت عليها أيّ استعدادات لمواجهة الهجوم، من جرّاء افتقارها أيَّ معلومة حول مخطّط المقاومة أو استعداداتها. وتؤكّد مصادر أمنية في المقاومة، تحدّثت إلى «الأخبار»، في هذا السياق، أن الفشل الاستخباري الإسرائيلي مركّب وكبير جداً، كاشفةً أن المقاومة نفّذت عملية خداع كبيرة للاحتلال استمرت عدة أشهر، بحيث لم تصل إلى العدو، سواء عبر جهاز الأمن الداخلي «الشاباك» أو عبر شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش «أمان»، أيّ معلومة عن نوايا المقاومة الفلسطينية أو ما تخطّط له، على رغم أن المخطّطات يتمّ إعدادها منذ سنوات، فيما يجري التجهيز المعلوماتي والميداني للمقاتلين في مختلف الوحدات قبل فترة طويلة من ساعة التنفيذ. وتضيف المصادر أن «المقاومة استطاعت التكتّم على نواياها بخصوص العملية العسكرية الكبيرة، فيما كان الاحتلال يتوقّع عملية صغيرة ضد موقع عسكري لجيشه، من دون أن يدرك أن الإعداد والتخطيط كانا أكبر بكثير».وقبيل بدء المعركة بفترة وجيزة، لم يكن العدو يعلم شيئاً عما يجري، على رغم أن «مقاتلي المقاومة كان قد تم إبلاغهم بساعة الصفر، وطُلب منهم التجهّز بكل ما لديهم من عتاد وتحضير نفسي وروحي في عدد من النقاط، وخاصة في المناطق القريبة من حدود قطاع غزة». وكدأبه، كان الاحتلال يراقب بعض التحركات التي عدّها اعتيادية لدى المقاومة، من قبيل التجمّع واستنفار قوات النخبة بشكل أسبوعي على مدار أشهر، عادّاً ما يجري تدريباً روتينياً للمقاتلين، في حين لم يكن يعلم أنه يتعرّض لتمويه عميق أدّى إلى جعله يرى العمليات التجهيزية لوحدات نخبة المقاومة أموراً مألوفة. ومع انطلاق المعركة، استطاعت المقاومة تعطيل كل الأدوات الاستخبارية الإلكترونية للجيش الإسرائيلي في المنطقة الحدودية عبر سلاح السايبر، حيث تم إيقاف كل كاميرات الاحتلال على طول حدود القطاع، فيما جرى تدمير بعضها عبر سلاح القنص. ويقول أحد المصادر إن المقاومة استطاعت بشكل فعلي «شلّ استخبارات الجيش في اللحظات الأولى للمعركة، بعدما قطعت الاتصالات العسكرية الخاصة بالجيش، وهو ما قطع التواصل بين قيادة الاستخبارات العسكرية في الحدود ووحدات الاستطلاع، وبين القيادة العسكرية الإسرائيلية».
تمّ إيقاف كل كاميرات الاحتلال على طول حدود قطاع غزة


على المستوى السياسي، اعتقد العدو أن حركة «حماس» تريد مزيداً من الهدوء وأنها لم تصل بعد إلى حالة من الرضى عن قوتها العسكرية. كذلك، حملت تصريحات الحركة وقيادتها، أثناء اللقاءات مع الوسطاء، وفي اللقاءات الخاصة، مؤشرات إلى أنها ليست بصدد المبادرة إلى عملية عسكرية ضد الاحتلال خلال الفترة الحالية، وأنها لن تذهب إلى الحرب إلا إذا فُرضت عليها، وأنها بحاجة إلى مزيد من الوقت لمعالجة قضايا غزة الإنسانية وتحسين الوضع الاقتصادي فيها لدعم الحاضنة الشعبية. وعزّزت تلك التطمينات، بدورها، حالة الخداع الذي بلغ ذروته عندما طلبت الحركة من الوسطاء التدخّل لدى الاحتلال خلال الأسابيع الماضية، لزيادة حصة غزة من تصاريح العمال ومن المنحة القطرية.
وفي السياق نفسه، يشير المختص في الشأن العسكري، أحمد عبد الرحمن، إلى أنه «على رغم أن هذه العملية النوعية احتاجت إلى عدد كبير من المقاتلين، الذين تحرّكوا بآلياتهم الرباعية الدفع، ودرّاجاتهم النارية، إضافة إلى من تسلّلوا من البحر، أو هبطوا من السماء، وما يمكن أن يحتاج إليه ذلك من تدريبات مكثّفة بالذخيرة الحيّة لمدة تتجاوز الأشهر وليس الأسابيع، فشل العدو الصهيوني الذي يسيطر على أجواء غزة من خلال طائراته المُسيّرة، وبعض عيونه المنتشرة في أكثر من مكان، ومن خلال اختراقه لشبكة الاتصالات السلكية الرسمية (الهواتف الأرضية)، والجوّالة، ومعظم الشبكات اللاسلكية ومواقع الإنترنت، في التقاط معلومة واحدة تشير إلى سعي المقاومة للقيام بمثل هذا الهجوم الإستراتيجي. واستمرّ هذا الإخفاق الاستخباري حتى بعد ساعات من بدء الهجوم».