منذ صباح الأحد، ثاني أيام ملحمة «طوفان الأقصى»، لم تتوقّف قرارات الكيان الصهيوني وممارساته وإجراءاته ضد الأسرى الفلسطينيين. فيومياً تعلن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية سلسلة إجراءات جديدة، تثير الخوف على حياة الأسرى. إجراءات لا يمكن وضعها إلا في إطار العقاب الجماعي، انتقاماً لهيبة الكيان التي تزعزعت نتيجة هزيمتهم يوم السبت 7 تشرين، وانسجاماً مع كل الرد الصهيوني منذ صباح الاثنين؛ الرد القائم على الإيغال بالدم الفلسطيني انتقاماً وسعياً لاستعادة الهيبة المهشمة، ورفع معنويات مستوطني الكيان التي اهتزت، ومعهم جيشهم وسياسيّوهم وأجهزتهم الأمنية، اهتزازاً لم يشهد له تاريخ الصراع مثيلاً.

إنّ حياة الأسرى أصبحت في خطر جدّي نتيجة هذا الفلتان الصهيوني العنصري. نشرت مؤسسة «الضمير» لرعاية الأسير وحقوق الإنسان تعريفاً لمفهوم «المقاتل غير الشرعي» الذي اعتمده الكيان لتصنيف كل المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة. يستفاد من التعريف أن القانون أقرّ في الكنيست في عام 2000 لتعريف المعتقلين اللبنانيين الذين جرى ويجري احتجازهم، بهدف استخدامهم رهائن للضغط على حزب الله، ليتضح أن تصنيف المعتقلين الفلسطينيين ضمن هذا الإطار الهدف منه الضغط على المقاومة، بعد نجاحها في أسر العشرات من الجنود والضباط والأسرى (التقديرات تتحدّث عمّا ينوف عن 200 أسير). أمّا تبعات هذا التصنيف قانونياً، فهي الفلتان في الإجراءات ضد الأسرى: يعرض المعتقل أمام القاضي بعد 14 يوماً من اعتقاله، والقاضي يطّلع على مواد سرّية تتعلّق بالمعتقل فيقرّر تمديد المعتقل أو لا، وضمن هذا القانون يسمح للقائد العام للجيش أو لضابط برتبة لواء باعتقال أيٍّ كان من السكان دون تهمة، أو قرار محكمة ولمدة ستة أشهر قابلة للتمديد بالاستناد إلى مواد سرّية لا يطّلع عليها القاضي.
من ناحية ثانية، فقد أفادت مؤسسة «الضمير» عبر صفحتها على «فايسبوك» بأنه «منذ بدء العدوان، أُبلغ المحامون الفلسطينيون الذين يترافعون عن المعتقلين الفلسطينيين أمام المحاكم العسكرية بتفعيل المادة (33) من الأمر العسكري الرقم (1651)، والتي تنص على إجراءات الاعتقال «في حملة عسكرية لمواجهة الإرهاب» والتي تتيح اعتقال الشخص لمدة 8 أيام قبل عرضه على المحكمة بدلاً من 96 ساعة، ويكون ممنوع تلقائياً من لقاء محاميه لمدة يومين».
أبلغت إدارات السجون المعتقلين إلغاء الاتفاقيات كافةً الموقّعة بين ممثلي الأسرى ومديرية السجون


هذا من حيث الإجراءات الفاشية المغلّفة بغلاف «قانوني» كاذب، فيما جرى منذ الأحد الماضي عزل السجون تماماً، بحيث لا يمكن التواصل مع الأسرى، لا عبر الهواتف المهربة التي يتم التشويش عليها بأجهزة متطورة، أو عبر زيارات الأهل التي توقفت، أو عبر المحامين الممنوعين من التواصل مع المعتقلين، فيما سحبت الراديوات والتلفزيونات ليعيش المعتقلون حالة من الانقطاع التام عن الخارج، ويعيش شعبنا وأهالي الأسرى بالخصوص حالة من الخشية على حياتهم.
أمّا من حيث الإجراءات الأخرى، فقد اتخذ الاحتلال سلسلة من الإجراءات حسبما أعلنت المؤسسات المدافعة عن حقوق الأسرى (هيئة شؤون الأسرى، نادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان)، ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال:
- منع الخروج من الاقسام للتشمّس، والذي يعرف لدى الأسرى بالفورة
- اقتحام الأقسام كافة في كل السجون ومصادرة كل الأجهزة الكهربائية من تلفزيونات وراديوات ومراوح
- الامتناع عن الكشف عن أعداد المعتقلين الفلسطينيين الغزيين، سواء من العمّال داخل القطاع أو غيرهم، وتقديرات الهيئات أعلاه تشير إلى أن الرقم خلال اليومين الأولين من ملحمة «الطوفان» بلغ حوالي 50 معتقلاً
- مصادرة كل المواد الغذائية التي يشتريها المعتقلون من كنتين السجن على نفقتهم من الغرف كافة
- قطع المياه والكهرباء عن الغرف لفترات مختلفة يومياً
- نقل أسرى غزة كافة من سجن النقب إلى سجن نفحة
- حرمان الأسرى المرضى من التوجه إلى العيادات أو نقلهم إلى المستشفيات
- عزل عدد من الأسرى، بمن فيهم مرح باكير ممثلة الأسيرات
- إلغاء القرارات «الجوهرية» المتخذة بحق المعتقلين الإداريين، و«القرار الجوهري» يعني عدم تمديد الاعتقال عند انتهاء مدته).
كل هذه الإجراءات والقرارات يجري تبريرها بالاستناد إلى أحكام الطوارئ، وبعض تلك الأحكام مستلّ من عهد الاستعمار البريطاني لفلسطين. وللإيغال أكثر في الهجوم على المعتقلين وشروط حياتهم انتقاماً لهزيمتهم التاريخية، فقد أبلغت إدارات السجون المعتقلين إلغاء الاتفاقيات كافة الموقّعة بين ممثلي الأسرى ومديرية السجون؛ تلك الاتفاقيات التي توثّق حقوق وشروط حياة الأسرى التي انتُزعت بالنضال التاريخي والإضرابات عن الطعام. إنّ هذه الإجراءات والتطورات تعني ببساطة إعادة شروط حياة الأسرى إلى ما كانت عليه في عام 1967 أوّل أيام استكمال استعمار باقي فلسطين.
كما يواجه شعبنا في غزة القصف البربري، وفي الضفة فلتان المستوطنين والجيش والقتل اليومي. يواجه الأسرى اليوم سلسلة من الإجراءات والقوانين التي باتت تهدّد حياتهم بالخطر الجدّي، الأمر الذي يستدعي تعزيز الحملات الدولية دفاعاً عن الأسرى وفضحاً لممارسات الصهاينة العنصريين ضدهم.