كالعادة، يصعب تخيّل المدى الذي تصل إليه الوقاحة الصهيونية والأميركية في تبرير جرائمهما العنصرية الفاشية ضد شعبنا وشعوب العالم. ولكن مجزرتهما البربرية (هل يكفي هذا الوصف؟) ضد المستشفى المعمداني الأهلي في غزة تعيد إلى السطح ما بدا كأنه يندحر أحياناً: تلك السياسة الفاشية العنصرية المعادية للإنسانية التي تميّز المستعمِرين، والتي لا تتورع عن إبادة عشرات الآلاف، انطلاقاً من أيديولوجيا عرقية لا ترى في الآخر إلا خارج تصنيف البشر.إبادة جماعية، تطهير عرقي، مجزرة بربرية، هولوكوست عنصري؟ أيٌّ من هذه التوصيفات يصلح لوصف الصهاينة والأميركان بعد قصفهم للمستشفى المعمداني. كلها، نعم كلها، وغيرها، إن تمكنت مفردات اللغة من القبض على هذا المستوى من البربرية لتصفه.
ومع ذلك، وجدت ماكينة الإعلام الأميركي والصهيوني بعضاً من مساحة لنفي المسؤولية عن الطرفين الأميركي والصهيوني، حتى لو بدت المحاولة تلك غاية في البهلوانية والاستفزازية؛ فمرة يجري تحميل مسؤولية الانفجار لـ«حماس»، ومرة لـ«الجهاد»، ومرة يجب التحقيق في مصدر الانفجار! مرة أخرى: هل تجد اللغة مفرداتها لوصف هذا المستوى من الانحطاط الإعلامي؟
بايدن وبليكن ليسوا في الكيان للاجتماع مع مجلس الحرب للمناقشة والتشاور، بل للمشاركة في الحرب بأسلحتهم وخبرائهم وتقنياتهم وجنودهم أيضاً. ومع ذلك، يستمرون بالأكاذيب المفضوحة. مرة ينفون ومرة يعترفون. ليست وظيفة المقالة، بطبيعة الحال، «إثبات» حقيقة المسؤولية الصهيونية والأميركية عن المجزرة، بل مسؤولية كل دول الغرب الإمبريالي الداعمة للإرهاب الصهيوني، وإظهار مدى الوقاحة الإعلامية في ترويج الأكاذيب، ومدى الإغراق في عنصرية الخطاب الصهيوني والغربي. حتى الدول الإمبريالية التي سارعت إلى «التعبير عن رفضها وإدانتها» مثل كندا وفرنسا، فيما تقمع أي مظهر تضامني مع شعبنا، وتعلن دعمها للبربرية الصهيونية. الأجدى بشعبنا أن يقول لهم: اخرسوا، فالانفلات الصهيوني لا يتمادى إلا بدعمكم وزياراتكم المكوكية لمباركة فاشيتهم، وحقهم في «الدفاع عن النفس»، وقمعكم للمتضامنين مع شعبنا. ليس للمستعمِر الحق في الدفاع عن النفس، هذا الحق، بالإضافة إلى الحق في المقاومة، هو حصرياً للمستعمَر.
إنّ هرولة قادة الغرب الإمبريالي لزيارة الكيان، من بايدن مروراً بشولتز وصولاً إلى ماكرون، ليس هدفها إلا واحد: أخذ حصتهم من دمنا انطلاقاً من فاشيتهم وعنصريتهم الإمبريالية


إنّ هرولة قادة الغرب الإمبريالي لزيارة الكيان، من بايدن مروراً بشولتز وصولاً إلى ماكرون، ليس هدفها إلا واحد: أخذ حصتهم من دمنا انطلاقاً من فاشيتهم وعنصريتهم الإمبريالية، لذلك فالغرب الإمبريالي شريك في العدوان، ليس انطلاقاً من تحالف دول فقط، بل من حقيقة ذات الجذر الأيديولوجي، والمنبت العنصري للرجل الأبيض الذي لا يرى في الأعراق المختلفة إلا أعراقاً خارج التصنيف البشري. هل تعيد النازية صياغة نفسها من جديد؟ فعلاً، نحن أمام نازية جديدة تلفّهم جميعاً.
أمّا الأنظمة العربية الرسمية، فحالها يتجاوز حال العاجز والضعيف والخانع المعروف تاريخياً، ليصل إلى حد المشاركة فعلياً في العدوان على شعبنا، وإلا بماذا نفسر حتى لحظة كتابة هذه المقالة، بقاء السفراء الصهاينة في دولهم، بقاء المعاهدات والاتفاقيات على ما هي، بقاء علاقات التطبيع على ما هي؟ بقاء سفارات الدول الإمبريالية المشاركة في العدوان على حالها، بل بعضهم لم يتوافر على الحد الأدنى من الأخلاقية الإنسانية للوقوف مع المضطهَد، فأدان «حماس» وهجومها على المدنيين! كل ذلك يعني المشاركة بلا رتوش.
أمّا الاعتماد على صيغة «ندين بأشد العبارات» الواردة في بيانات الأنظمة العربية، مع أن لا أحد يعرف ما هي هذه العبارات بالضبط، فلا تعني شيئاً لشعبنا أو للشعوب العربية، فهي ليست أكثر من ذرّ للرماد في العيون، وسعياً لسحب البساط من تحت أقدام الشعوب وحركتها في الشارع.
منتهى الوقاحة في إعلامهم الصهيوني والأوروبي والأميركي، منتهى البربرية في عدوانهم المشترك ومجازرهم، ولكن كما يظهر في الإعلام أيضاً: المقاومة صامدة وشعبنا خلفها.

* كاتب فلسطيني وأسير سابق