الجزائر | هجوم على العدو، وأسْر، واسترجاع لأراضٍ محتلّة، مشاهد ليست غريبة عن ذاكرة الجزائريين، إذ عادت بهم إلى حدث من النوع نفسه حدث قبل 69 عاماً، بعضهم عاشه، وآخرون عايشوه عبر أحاديث آبائهم وأجدادهم، حين أُطلقت أولى رصاصات الثورة الجزائرية ضدّ الاستعمار. قد لا يكون السيناريو متطابقاً بين الثورة الجزائرية ومعركة «طوفان الأقصى»، ولكنّ النقاشات الدائرة في الشوارع والملتقيات والتجمّعات، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، طغى عليها التشبيه بين الحدثَين، مع أملٍ في أن تؤول القضيّة الفلسطينية إلى مصير مشابه.ووسط هذا التفاعل المتعاظم مع العملية، وفي سبيل دعم صمود الفلسطينيين، بدأت مبادرات الجمعيات والأفراد لجمع التبرّعات، ومن بينها مبادرة «جمعية الإرشاد والإصلاح» التي دعت إلى حشد المعونات للشعب الفلسطيني، مخصّصةً لهذا الغرض عنواناً بريديّاً، وداعيةً إلى التبرّع بمختلف الاحتياجات الأساسية التي من شأنها أن تساعد المتضرّرين من الحرب. كذلك، أطلقت جمعية «البركة» حملة «الوعد المفعول» لدعم الفلسطينيين، والمخصّصة لمدّهم بالأدوية والغذاء، وبعض المبالغ المالية، ومستلزمات أخرى، يحتاجها المرضى والمصابون والعائلات التي تعاني في قطاع غزة. وإلى هاتَين المبادرتَين، انضمّت «جمعية العلماء المسلمين» التي بدأت، منذ الأيام الأولى للحرب، بجمع مساعدات لأهالي القطاع، في ظلّ الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال عليهم.
وعلى غرار الشعوب جميعها المناصرة للقضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، خرج الجزائريون في مسيرة أولى عفوية يوم الجمعة في الـ13 من تشرين الأول، وساروا في مختلف الولايات، ولا سيما الجزائر العاصمة، تنديداً بممارسات الكيان الصهيوني في غزة، والمجازر التي يرتكبها في حقّ الفلسطينيين، رافعين لافتات تطالب بوقف هذه الجرائم، وتندّد بالصمت الدولي وتواطؤ البلدان العربية المطبِّعة مع الاحتلال. وفي الولايات الأخرى، رفع الجزائريون شعارات مماثلة، داعين إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار، ومؤكدين أن القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولكنها قضية الأمّة الإسلامية، وأن نصرتها واجبة على الدول جميعها. وعبر الشعارات المرفوعة، وجّه الجزائريون رسائل إلى الدول العربية، دعوها فيها إلى العدول عن التطبيع مع الكيان الصهيوني، والمضيّ في نصرة الفلسطينيين. ورغم أن الخميس هو يوم عمل في الجزائر، ولكنّ الشوارع امتلأت بالمشاركين في المسيرات، الذين قدِم بعضهم من بلدات بعيدة لتسجيل موقف.
أطلقت أحزاب سياسية، وشخصيات وطنية، نداءً للخروج في هبّة شعبية نصرةً لفلسطين


وبعدها بأيام، أطلقت أحزاب سياسية وشخصيات وطنية نداءً للخروج في هبّة شعبية نصرةً لفلسطين، بدعم من السلطة التي خصّصت مئات الحافلات التابعة لمؤسّسات نقل وهيئات عمومية، لنقل الراغبين في المشاركة من مختلف البلديات إلى المسارات المحدَّدة للفعاليات، وفقاً لكلّ ولاية. ففي الجزائر العاصمة مثلاً، انطلقت المسيرة من ساحة «أول ماي»، وصولاً إلى ساحة الشهداء، وشاركت فيها أطياف المجتمع كلّها، وفيها أدلى سياسيون وشخصيات بتصريحات صبّت كلها في اتّجاه الإدانة لممارسات الكيان الصهيوني. وفي هذا الإطار، شبّه الرئيس السابق لحركة «مجتمع السلم»، عبد الرزاق مقري، «طوفان الأقصى»، بحدث في تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية، وهو «هجمات الشمال القسنطينيّ»، في 20 آب 1955، أي بعد سنة من اندلاع الثورة، ووَجْه الشبه، وفقاً لما قال، «كسْر تلك الهجمات للحصار المطبق حينئذٍ على الشعب الجزائري، ما أدى إلى توسيع رقعة الثورة... وكان ردّ الفعل الفرنسي عنيفاً. الشيء نفسه بالنسبة إلى «طوفان الأقصى» التي جعلت الفلسطينيين يتوحّدون حول هدف التحرير». ومن جهته، ذكّر رئيس حزب «صوت الشعب»، لمين عصماني، بأنّ «القضية الفلسطينية في وجدان الجزائريين كلّهم، كونها قضية الأمّة الإسلامية. وعليه، فإن السير والتنديد العلني بما يُرتكب من جرائم يُعدان أقلّ مسؤولية تاريخية تجاه الشعب الفلسطيني».
وفي غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، بأمر من الرئيس عبد المجيد تبون، «إلغاء كلّ التحضيرات المتعلّقة بالاحتفالات المخلدة لذكرى الأول من تشرين الثاني المجيدة في جميع السفارات والبعثات والقنصليات الجزائرية في الخارج»، تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة. كذلك، كانت الجزائر قد شدّدت سابقاً على ضرورة فضح «ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية»، وفقاً لما قال وزير خارجيتها، أحمد عطاف، في كلمته التي ألقاها في الاجتماع الوزاري العربي الطارئ حول الوضع في فلسطين.