بمرافقة صوتية ارتجالية للفنانة اللبنانية الملتزمة أميمة الخليل (ميتزو سوبرانو) تُرهِفُ البُعدَ الدلاليّ في التلقّي، ومشاهد الأنيميشن، أطلق الشاعر الفلسطيني مروان مخّول قصيدته «نيو غزّة». أرفقت الخليل فيديو «نيو غزّة» بالكلمات التالية على منصة إكس (تويتر سابقاً): «نضع هذا العمل الشعري المصاحَب بارتجالاتي أمام قدميكِ يا غزّة، ثم ننحني بخشوعٍ أمام الضحايا من المدنيين الذين يدفعون كل هذا الثمن».
من كليب «نيو غزة»

عن خلفيات العمل، تقول صاحبة «عصفور طلّ من الشبّاك» لنا بأنّ مخّول سجّل صوته في فلسطين وأرسله إليها. وأردفتْ: «ذهبتُ إلى الاستديو وساعدني زوجي الفنان هاني سبليني – وهو المحرّك الذي لولاه لَمَا تمَّ أيّ شيء- وقد فتح لي الميكروفون وطلب مني تأدية ما أريده وأرتَئيه، فاجترحتُ الارتجالات بصوتي وسجّلتُ 20 دقيقة، وعندما أرسل لنا مروان القصيدة بصوته، بتُّ أنظر في الجُمَل الموسيقية المعبّرة ومدّتها وتفاصيلها، وفي المؤثّرات الصوتية التي أضفتُها على صوتي العاري. حتّى المؤثرات لم يقبل هاني التدخّل فيها، فطلبتُ منه أن يكون الصوت هنا كأنه يتصاعد من المذياع، وهناك أن يمتدَّ في الصدى، وهنالك أن يكون متقطّعاً، علماً أنّ صوت الإسعاف نفّذتُه وأدّيتُه بصوتي. أضاف هاني في مكانٍ صوت كَوْرس رجالٍ لتعريض الصوت». أمّا عن الفيديو، فأكّدت لنا الخليل أنّ محمود قرق، وعلاء فليفل، وغسان حلواني، ومنير المحمود من «تعاونية المهن السينمائية» و«تجمُّع الأنيمشن في بيروت» تطوّعوا لتنفيذه. شكرتْ الخليل مروان مخّول لأنه «تحمّلَ هذه المخاطرة» على حدّ تعبيرها. حين تعرّفت إلى الشاعر الفلسطيني، أخذها بشخصيته وأفكاره ولغته وقصائده «إلى فلسطين الحقيقية التي لا نعرفها إلا بوصفها قضيةً، ونعرف اللاجئين وفلسطينيي الشتات ونغنّي لكي يرجعوا إلى أراضيهم، لكننا لا نعرف كم أنّ الذين صمدوا وبقوا في أرضهم يمثّلون شوكةً في عين الاحتلال الإسرائيلي ومدى معاناتهم على مدار الدقائق. كان القرار صائباً جداً بالنسبة إليّ أن أتعاون مع مروان وهو شاعر من فلسطينيي الداخل، برمزية صوته الذي يعنيني كثيراً، هذا الصوت الذي يظلّ يقارعُ بجسارةٍ لقول ما يريده بحرّية رغم الأثمان الباهظة التي يدفعها من حياته وعمله».
تُمثّل حنجرة أميمة الخليل أداةً بلاغية موازية، وتتدثّر ارتجالاتها بتقنيات صوتية مختلفة، من بينها «الصوت المستعار» أو ما يُعرف بـ«صوت الرأس» Voix de tête، علماً أنّ أداءها زاخرٌ بالدرامية المدروسة والمتقنة وتتابُع الأبعاد النغمية التي تُترجم القصيدة ميلوديّاً عبر «العبْر- سيمياء» (دِيَاسيميائية) Diasémiotique، وتتخلّل الهمهمةُ الأداءَ. صوتها هنا بمثابة موسيقى تصويرية. نشر مروان مخّول قبل أيام هذه الكلمات على مواقع التواصل الاجتماعي: «لكي أكتب شعراً ليس سياسياً، يجب أن أصغي إلى العصافير، ولكي أسمع العصافير يجب أن تخرس الطائرة». ودوّنَ في منشورٍ جديد له: «أيتها الحبيبة التي تتعذّب، أنا لستُ صامتاً، إنّما كنتُ أعدُّ لكِ ما يليق من الكلمات التي سأنشرها قريباً، هي تافهة إزاء ما أنتِ فيه، لكنها أقلّ ما يكون ومريحة. وحتى وقتئذٍ أرجوك لا تموتي كثيراً، فهنالك كمٌّ هائل من الحياة في انتظاركِ».
في حديثنا معها، توجّه أميمة الخليل تحية إجلال إلى أهل غزّة وفلسطين، مضيفة: «نحن عاجزون كثيراً، حتى ولو ارتحتُ ذرّةً واحدة لأنّ مروان أتاح لي فرصة التعبير عبر قصيدته لكنني ما زلتُ أشعر بالعجز. أنتم تعلّموننا دروساً، وفي النهاية مثلما أنّ الموت حقيقة، فأنتم أيضاً حقيقة في حياتكم ومقاومتكم. لن يعود الزمن في قضيتكم ـــ وهي قضيتنا أيضاً ــــ إلى ما قبل السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023، بل سيذهب إلى تاريخٍ وشكلٍ وأحداث أخرى. وحشية الاحتلال الإسرائيلي تفوق حدود الإدراك والاستيعاب والخيال، وما نراه ثقيلٌ ومؤذٍ كثيراً على المستوى النفسي، أتابع يومياً ما يجري. يا أهالي غزّة أنتم أبطال، وهذه أرضكم وسوف تعود إليكم. يبدو أنّ فلسطين لن تتحرّر إلّا من قلبها، من الداخل».
صوتها هنا بمثابة موسيقى تصويرية للعمل


تأتي «نيو غزّة» بعد تعاون أميمة مع مروان مخول في «خطبة الأحد» (مَوْسَقَة مراد خوري)، و«وَجْد» (ألحان هاني سبليني)، و«نيو شام» (ألحان عصام الحاج علي)، و«أن تُحبّ» (ألحان مرسيل خليفة). اختتم مخول «نيو غزّة»، مستعيراً من المقدَّس الدينيّ بعض عباراته ورؤاه في اجتزاءات مخلوطة، ضمن سياق شعري يبقى مشرَّعاً على التأويل، ليُسائله ويسائل نقدياً فهمَ الإنسان له، منتهياً إلى توكيدٍ يقينيّ: «عبثاً تُجاري مجزرةً/ تعدو كأرنبٍ/ فهي تزحفُ/ وهو يقفزُ من جرمٍ إلى جرمٍ/ بالغاً كنيسةَ الرّومْ/ التي تُقصفُ الآن/ على مَرأى من اللهِ/ الذي جاء تَوّاً من جامعٍ سُوِّيَ بالترابِ/ فاستهدفوه في حِمى المخلّصِ/ أين المخلِّصُ؟/ بيدَ أنّ أبانا الذي في السماواتِ/ فعلاً/ هو الطيرانُ/ وحدَه لا شريكَ له/ سوى الذي على متنِه جاء يقنصُنا فأصابَ منّا الخنوع/ على الصّليبِ/ يا ولدي منذ الآنَ متّسعٌ للأنبياء جميعهم/ واللهُ يعلمُ/ وأنتَ ومَن مثلُك ما زلتم أجنّةً سُذَّجاً فلا تعلمون».