إثر تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن (في 12/12/2023)، الموجّهة ضد بنيامين نتنياهو وحكومته، تكون الحرب ضد المدنيين، والحرب البرّية في قطاع غزة، قد دخلت مرحلة جديدة، وبمعطى جديد. ذلك بالرغم من أن نتنياهو ومجلس حربه ضربا عرض الحائط بتصريحات بايدن، وأصرّا على عدم خضوعهما لأي ضغط خارجي في وقف الحرب، أو البحث عن هدنة إنسانية. وذلك بالرغم من أن تصريحات بايدن لم تطالب بذلك مباشرة. ولكن المرحلة الجديدة، التي شكّلتها تصريحات بايدن المذكورة، وإصرار نتنياهو ومجلس حربه على مواصلة العدوان، وبزخم أكبر، أدخلت في الوضع العام بُعدين جديدين:
الأوّل، استمرار الغطاء الأميركي لنتنياهو، مع نقد سياسته وممارسته في آن واحد، وعلناً. وهذا يفسّر لماذا رمى نتنياهو القفاز في وجه بايدن. وذلك لتأكده من استمرار شراكة أميركا في جرائم العدوان، منذ بدايته حتى الآن. ومن ثم اعتبار النقد، ولو قسا عليه، مجرد «خلاف» لا أكثر.
أمّا البُعد الثاني، فتأتي أهميته لاحقاً، في زيادة تفاقم «الحملة» العالمية (الرأي العام، عالمياً وأميركياً وغربياً)، وفي زيادة تجرؤ الدول على اتخاذ موقف أشدّ لوقف الحرب، وخاصة الدول الموالية لأميركا (عربياً وإسلامياً وعالماً ثالثياً)، كما الإسهام أكثر في «تصدّع» الحلف الناتوي الغربي، بإظهار مواقف أقوى في المطالبة بوقف إطلاق النار. فتصريحات بايدن، أنهت، عملياً، العائق الأميركي الذي سبقها.
إنّ أهمية الموقف الأميركي الجديد، بالرغم من احتفاظه بازدواجية فاضحة، في أنه يزيد من عزلة الكيان الصهيوني عالمياً (دولياً ورأياً عاماً)، وسوف يُحرج الموقف الأميركي نفسه، أمام إجماع لن يقبل من أميركا الازدواجية. فما معنى انتقاد نتنياهو، وما يرتكبه الجيش الصهيوني من مجازر ضد المدنيين بطائرات وقذائف أميركية. كما ما معنى اعتبار الحرب البرّية فاشلة، مع استمرار تأييد المضيّ بها، ودعمها بجسر جوي لا ينقطع ليلاً ونهاراً؟
بكلمة، إنّ تصريحات جو بايدن، التي تحاول التهرّب من مسؤولية أميركا عن حرب الإبادة (التطهير العرقي)، وعن حرب برّية فاشلة، من خلال نقد نتنياهو، ستزيد من مأزق أميركا والكيان الصهيوني، واضعة الحرب، موضوعياً، في انتصار المقاومة، وصولاً إلى هدنة إنسانية طويلة، أو وقف العدوان، بشروط قيادة المقاومة في الميدان.
تكمن أهمية هذه التصريحات في توقيتها، الذي يدل على أن حرب العدوان قد استهلكت مداها، واقتربت جداً من نهايتها - ما تعزّزه زيارة سوليفان، مستشار مجلس الأمن الأميركي الذي لا بد من أن يبحث عن صيغ لإنهاء استمرار الحرب أو يفشل.
إنّ قادة الكيان الصهيوني يعاندون في استمرار العدوان. ولا يستطيعون أن يبتلعوا الهزيمة أمام «حماس» و«الجهاد» وخط المقاومة ومحورها. وأضف أن عندهم دوافع أخرى، إلّا أن ذلك كله لا قيمة له ما دام مخالفاً لميزان القوى على المستوى العالمي والإقليمي والشعبي والميداني (المقاومة) فلسطينياً. وهو ما تؤكده عزلة الكيان العالمية التي أكملها جو بايدن، بتصريحاته، وتؤكده نتائج الحرب البريّة كل يوم.

* كاتب وسياسي فلسطيني