افتُتحت أخيراً دورة استثنائية من «مهرجان الجونة السينمائي» (حتى 21 كانون الأول/ديسمبر) تتضمّن إضافات متعلّقة بالعدوان على غزة من خلال «نافذة على فلسطين» وحلقات نقاش مثل «الكاميرا في أزمة: عدسة على فلسطين» وعرض عدد من الأفلام الفلسطينية خلال فعاليات المهرجان بعد تأجيله إثرَ العدوان وصدور بيانات باهتة عن سبب التأجيل. تلت هذه الدورة الاستثنائية اختتام مهرجانيْن سينمائيين شهدا صمتاً مدوّياً في عزّ شلال الدم في غزّة وخروج تظاهرات ضخمة في العواصم الغربية بعد الهول الذي أحدثته المشاهد الدامية الآتية من القطاع. مع ذلك، منع «مهرجان البحر الأحمر» زوّاره من الحديث عن المجازر الصهيونية، لكنّه كرّم فلسطينياً هنا وآخر هناك لذرّ الرماد في العيون، فيما ساوى «مهرجان مراكش» بين الضحية والجلاد.
صالح بكري في فيلم «الأستاذ»

ترك صمت المهرجانين تداعياته بين صنّاع الفنّ السابع حتى بعد اختتام الحدثين اللذين شهدا انطلاق مبادرة على أيدي سينمائيين فلسطينيّين وعرب بعنوان «سينمائيون ضدّ الصمت من أجل فلسطين» أدانت تجاهل مهرجانات سينمائية لحرب الإبادة التي تشنّها آلة الاحتلال الصهيونية-الأميركية بدعم وتواطؤ تامّيْن من عدد من الدول الغربيّة، مطالبين إيّاها بإدانة الحرب التي يشنّها العدوّ والدعوة لوقف فوري لإطلاق النار ودعم حقّ الشعب الفلسطيني. غير أنّ هذه «المهرجانات تجاهلت هذا النداء متواطئةً بذلك مع الإبادة الصهيونية للفلسطينيّين عبر مواصلة برمجتها الاعتيادية كالسابق، كأنّ شيئاً لم يكن، وكأنّ أبشع مجزرة في القرن الحادي والعشرين ليست بصدد الوقوع على مقربة منّا وأمام أعيننا» وفق بيان المبادرة. وتفاعلت «الحملة التونسيّة لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني» مع المبادرة، فطالبت السينمائيين التونسيين المشاركين في مهرجانيْ «مراكش» و«البحر الأحمر»، بأن يكونوا «في مستوى اللحظة التاريخيّة» ويتخذوا قرار الالتحاق بمبادرة «سينمائيون ضد الصمت من أجل فلسطين» ويسحبوا أعمالهم ويقاطعوا المهرجانين المذكورين. وفق بيان الحملة، فإنّ المؤسف أنّ جزءاً من السينمائيين رفضوا الاستجابة لهذه المبادرة، معلّلين بأنّ دعمهم لفلسطين سيكون أنجع عبر المشاركة في المهرجانات من خلال محاولة التأثير على مواقفها من الداخل، وهو «خيار انهزامي لا يتلاءم مع لحظة المدّ التي تعيشها الأمّة حين ترفع أسلحتها المتنوعة في وجه الاحتلال، سواء عبر المقاومة المسلّحة في كلّ الجبهات، التي تُعد غزّة قلبها النابض، أو عبر حملات المقاطعة الشعبيّة لداعمي الاحتلال التي تنتشر كل يوم أكثر في كلّ البلدان العربيّة» وفق بيان الحملة.
أدانت «سينمائيون ضدّ الصمت» تجاهل المهرجانات لحرب الإبادة


اللافت أنّ المنظومة الإعلامية المهيمنة روّجت لـ «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» بأنّه فلسطينيّ بامتياز ولا سيّما بعد فوز فيلم «الأستاذ» بجائزتين، إذ ذهبت جائزة أفضل ممثل للفلسطيني صالح بكري، تسلّمتها عنه المخرجة فرح النابلسي، التي فازت بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن الفيلم نفسه. وحصلت الممثلة الفلسطينية منى حوا على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «إنشالله ولد» الذي يمثل الأردن في جوائز الأوسكار 2024.
بعد صعودها إلى المسرح لتسلّم جائزتها وجائزة الممثل صالح بكري، عبّرت المخرجة الفلسطينية فرح النابلسي عن سعادتها بفوز بكري، قائلةً إنه ممثل فلسطيني صريح جداً. وأضافت أنّه لو أتيح له الحضور وصعد إلى المسرح لتسلّم جائزته، لقال: «أوقفوا الإبادة الجماعية في غزّة وتوقّفوا عن قتل أطفالنا في غزة». علماً أنّ بكري جسّد في فيلم «الأستاذ» دور مدرّس يعمل في مدرسة فلسطينية، يكافح بين التزامه المحفوف بالمخاطر بالمقاومة السياسية، ودعمه العاطفي لأحد طلابه.