رام الله | يسابق المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، الزمن؛ إذ يسعى فاشيّو الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدّمتهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير، إلى تحقيق أكبر قدر من «الإنجازات» على هذا الصعيد، في أقلّ وقت ممكن. وشكّل العدوان المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر، فرصةً لإحداث تحوّل إستراتيجي في مشروع الاستيطان، بدأت ملامحه تتّضح على أكثر من صعيد؛ فقد استغلّ بن غفير الحرب للبدء في تنفيذ مخطّطه القاضي بتسليح المستوطنين عبر التخفيف من شروط منْح رخص حمل السلاح لهم، بينما حافظ سموتريتش على مخصّصات الاستيطان المالية في الموازنة العامّة، رغم ارتفاع كلفة الحرب، ومعارضة ذلك التوجّه من قِبَل بعض المسؤولين والقادة العسكريين، في موازاة ممارسته ضغوطاً من أجل إنشاء ما يسمّى «المناطق الأمنية حول المستوطنات». أمّا الإنجاز الأهمّ قبل كلّ ما تقدَّم، فهو إلغاء «قانون فكّ الارتباط»، وإعادة الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية، وإقامة المستوطنين ما يقرب من 62 بؤرة استيطانية منذ بداية الحرب.ما يطمح إليه قادة الاستيطان في الوقت الراهن، هو قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها، وتوسيع المستوطنات بشكل مطّرد، تحت مسمّى «المناطق الأمنية حول المستوطنات في الضفة». ومنذ بدء العدوان على غزة، يضغط وزير المالية الإسرائيلي من أجل إقرار خطّته، إذ وجّه رسالةً إلى كلّ من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، طالبهما فيها بـ«خلق مساحات أمنية معمّقة حول المستوطنات ومنْع العرب من دخولها، بما في ذلك لغرض الحصاد»، مشيراً إلى ثلاثة أهداف يسعى إليها، هي: «الأمن ومنع اقتراب العرب الذين قد يشنّون هجمات ضدّ المستوطنين، والشعور بالأمان نظراً إلى الحساسية الكبيرة لدى المستوطنين، وتجنيد عدد من جنود الاحتياط في الجيش للقتال، ما يترك النساء والأطفال بمفردهم، ومنع الاحتكاك والمواجهات التي قد تؤدي إلى اشتعال الصراع وتسبّب لنا الكثير من الأضرار».
وهكذا، يسعى سموتريتش إلى استغلال الفوبيا الأمنية في إسرائيل ممّا جرى في السابع من أكتوبر، لتمرير مخطّطه المتمثل في إنشاء الأحزمة الأمنية حول المستوطنات، وهو ما يتزامن مع إصراره على إقرار المخصّصات المالية للاستيطان في موازنة عام 2023 المعدّلة، والتي أقرّتها الحكومة نهاية تشرين الثاني الماضي. وتُعدّ فكرة «الأحزمة الأمنية» إحدى ركائز فكر سموتريتش ومنهجيته في توسيع الاستيطان في الضفة، والتي طوّرها أثناء نشاطه في منظّمة «رغافيم» الصهيونية، التي انضمّ إليها منذ تأسيسها عام 2006، وهي منظّمة يمينية متطرّفة تسعى إلى إيجاد «قنوات قانونية لتنفيذ مذكرات الهدم التي تصدرها السلطات الإسرائيلية ضدّ البيوت والمنشآت الفلسطينية»، ويتركّز عملها في مناطق النقب المحتلّ، والمنطقة المسماة «ج» التي تشكل 60% من أراضي الضفة. وتنبع فكرة «المناطق الآمنة» من ثقافة السيطرة على الأرض وتوسيع المستوطنات، بما يسهم في حصار المدن والقرى الفلسطينية. وقد بدأ اليمين الإسرائيلي الادّعاء أن ما شهده «غلاف غزة»، يوم السابع من أكتوبر، قد تشهده مستوطنات الضفة، لا بل إن المستوطنين في شمال الضفة باتوا يزعمون أنهم يسمعون صوت حفر تحت الأرض، ما يتطلّب استعداداً من نوع آخر، من مثل التسليح، وإنشاء «مناطق آمنة» حول المستوطنات.
«المناطق الآمنة حول المستوطنات» هي واحدة من عدّة أساليب استخدمتها إسرائيل خدمةً للمشروع الاستيطاني


وستضمن هذه الخطّة، في حال إقرارها، السيطرة على الأراضي المعزولة خلف جدار الضمّ والتوسّع، والتي ستبلغ مساحتها - في حال اكتمل بناء الجدار - أكثر من نصف مليون دونم، يصل أصحابها إليها في موسم قطاف الزيتون مرّة كلّ عام بقرار من الجيش. كما ستضمن السيطرة على الأراضي القريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية، والتي تُقدَّر مساحتها بأكثر من 200 ألف دونم، ويستهدفها المخطّط على وجه الخصوص. و«المناطق الآمنة حول المستوطنات» هي واحدة من عدّة قرارات وقوانين وأفكار استخدمتها إسرائيل خدمةً للمشروع الاستيطاني، على غرار «قانون المحميات الطبيعية»، و«قانون الغائب»، ومناطق التدريبات العسكرية، والتي بمجملها سمحت للاستيطان بالتوسّع بشكل لم يَعُد ممكناً إيقافه. وبات المشروع الاستيطاني في الضفة واضح الهدف، وإنْ تعدّدت أدواته، وهو تقريب المستوطنين من فرض السيطرة الكاملة على الضفة، وتعزيز التجمّعات الاستيطانية وتوسيعها، وكذلك تطوير الشوارع الالتفافية بين المستعمرات إلى شبكة شوارع ضخمة، هدفها تقسيم التجمّعات الفلسطينية وتحويلها إلى كانتونات معزولة بعضها عن بعض.
ورغم الحرب على غزة وتداعياتها المدنية والعسكرية والاقتصادية على إسرائيل، إلا أن سموتريتش حافظ على مخصّصات الاستيطان في الموازنة العامة المعدّلة لعام 2023، والتي شهدت زيادة بمقدار 30.3 مليار شيكل إسرائيلي (أكثر من 8.2 مليارات دولار)، خُصصت 17 مليار شيكل (4.6 مليارات دولار) منها لنفقات الحرب العسكرية، و13.3 مليار شيكل (3.6 مليارات دولار) لنفقات الحرب المدنية. ووفقاً لمنظّمة «السلام الآن»، فإن مَلاحق الموازنة التي أقرّتها الحكومة تشير إلى أن 40 مليون شيكل (10.6 ملايين دولار) ستخصّص لوزارة الاستيطان لـ«الحفاظ على المناطق ج» الواقعة تحت المسؤولية الإسرائيلية الكاملة، و100 مليون شيكل (26.7 مليون دولار) لقسم الاستيطان، و33 مليون شيكل (8.8 ملايين دولار) لـ«مديرية التربية الاستيطانية»، و9 ملايين شيكل (2.4 مليون دولار) لـ«مديرية الهوية اليهودية»، و40 مليون شيكل (10.6 ملايين دولار) لـ«تعزيز الهوية اليهودية». كما تشمل الموازنة ما يقرب من مليون ونصف مليون شيكل (401 ألف دولار) لـ«المجلس المحلّي في الخليل». وقالت المنظّمة: «مثل لصوص الليل في خضمّ الحرب، قام وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بدعم من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بتحويل موازنة بمئات الملايين للمشروع الاستيطاني على حساب مواطني إسرائيل وإعادة إعمار المنطقة المحيطة بقطاع غزة».
ولم يكتفِ سموتريتش بذلك، بل تقدَّمت وزارته، صباح الأربعاء، بطلب إلى لجنة المالية البرلمانية للمصادقة على تحويل مبلغ 200 مليون شيكل إضافية إلى وزارة الاستيطان التي تتولّاها الوزيرة أوريت ستروك، بواقع 90 مليوناً نقداً لوزارة الاستيطان، و110 ملايين على شكل قروض. ومن هذا المبلغ، سيخصّص 75 مليون شيكل للمكونات الأمنية للاستيطان الفتي الذي وافقت عليه الحكومة، و15 مليوناً للنشاط الاجتماعي واستيعابه في المستوطنات الريفية لدعم المجالس المهدّدة. وعلى هذه الخلفية، هاجم عضو «الكنيست»، فلاديمير بلاياك، منسّق المعارضة في اللجنة المالية، والذي أعرب سابقاً عن معارضته الشديدة تحويل تلك المبالغ إلى مكتب الوزيرة ستروك، قائلاً: «بالإضافة إلى مبلغ 543 مليون شيكل الذي تمّت الموافقة عليه بالفعل، يحاول سموتريتش وستروك تحويل 200 مليون شيكل إضافية لهذه الوزارة المزيّفة. حقاً، إنه سلوك اللصوص في ظلمة الليل».