رام الله | مع اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، خمس مدن رئيسيّة وعشرات القرى والبلدات من أقصى شمال الضفة الغربية المحتلّة إلى أقصى جنوبها، بشكل متزامن، بدا لافتاً استهدافه محالّ الصرافة، التي جرى تفجير بعضها واقتحامها ومصادرة الأموال والكشوفات المالية منها واعتقال أصحابها. وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، صادرت القوات المقتحمة 10 ملايين شيكل (2.7 مليون دولار) من 5 محال صرافة في مدن رام الله وجنين وطولكرم والخليل، جرت مداهمتها، وصُنّفت على أنها «إرهابية»، بعدما وضع الجنود ملصقات على أبوابها تشبّه حركة «حماس» بتنظيم «داعش». وفي هذا الإطار، أعلن وزير الأمن، يوآف غالانت، أن إسرائيل «ستدرج خمسة مكاتب صرافة في الضفة الغربية ضمن المنظّمات الإرهابية»، نتيجة لِمَا اعتبره «تحويلات مالية مشتبه فيها تتمّ لمصلحة حركتَي حماس والجهاد الإسلامي». وذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، بدورها، أنه جرى «إلقاء القبض على 21 شخصاً في الضفة الغربية لصلتهم بتحويل الأموال إلى منظّمات فلسطينية»، لافتةً إلى أن الاعتقالات «جاءت بعد تحقيق أجراه الجيش والقيادة المركزية، إلى جانب هيئة حظر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والمكتب الوطني لمكافحة تمويل الإرهاب في إسرائيل، وهيئة الضرائب الإسرائيلية»، وأنه «جرت مصادرة 10 ملايين شيكل من تسعة فروع لشركات الصرافة الخمس، ومصادرة وثائق وهواتف وأجهزة تسجيل ومجموعة من الخزائن».ولا يُعدّ هذا الإجراء جديداً، إذ عادةً ما تلجأ قوات الاحتلال إلى اقتحام محالّ الصرافة وتدميرها ومصادرة أموالها، بزعم تسهيل تمويل أو تمويل حركات المقاومة وعناصرها، وتحديداً «حماس» و«الجهاد»، غير أن الحملة الأخيرة كانت الأكبر والأوسع منذ سنوات. وفي هذا الإطار، أكدت سلطة النقد الفلسطينية، التي تخضع شركات الصرافة لرقابتها وإشرافها، أن هذه الاعتداءات تهدف إلى «زعزعة الثقة بالقطاع المصرفي والصيرفي»، مشيرة إلى أنها «تطبّق أحدث النظم الرقابية على القطاع الصيرفي بهدف الحفاظ على سلامته، وتطوير أعماله، والارتقاء بالخدمات التي يقدّمها إلى الجمهور بما يتوافق مع المتطلّبات الدولية والممارسات الفضلى»، وأنها «تتابع بشكل حثيث هذا الاعتداء مع كل الجهات ذات العلاقة».
خلّفت الاشتباكات العنيفة وسط رام الله إصابة في صفوف جنود الاحتلال وثّقتها عدسات الصحافيين


في هذا الوقت، شهدت مدينة رام الله الاقتحام الأوسع، حيث داهمت قوات الاحتلال مركز المدينة (دوارا المنارة والساعة)، والشوارع المحيطة به وأحياء البالوع والطيرة، وعدداً من محالّ الصرافة بعد تفجير أبوابها، حيث استولت على محتوياتها ودمّرتها، كما اعتقلت عدداً من أصحابها. وشهد وسط رام الله اشتباكات مسلّحة عنيفة، تكرّرت خلال الأيام الماضية، لكنها خلّفت هذه المرّة إصابةً في صفوف الجنود، جرى توثيقها بعدسات الصحافيين الذين رصدوا جنود الاحتلال وهم يقومون بنقل مصاب إلى إحدى الآليات العسكرية بعد تقديم إسعاف أوّلي له، وهو ملقى أرضاً. ويؤشر ذلك إلى وجود بنية مقاومة مسلّحة في رام الله، باتت قادرة على الاشتباك مع قوات الاحتلال وإطلاق النار عليها، علماً أن مواجهات عنيفة اندلعت في أحياء ومناطق متفرّقة من المدينة، استشهد في خلالها شاب وأصيب 14 بجروح.
أمّا مدينة جنين شمال الضفة، فكانت على موعد مع عملية مسلّحة واسعة استمرّت لساعات، تصدّى لها مقاومون خاضوا اشتباكات عنيفة مع جنود العدو، وفجّروا عبوات ناسفة محلّية الصنع بالآليات الإسرائيلية. وفي خلال العملية، شنّت طائرة مسيّرة غارة جوية على مجموعة من الشبان في الحيّ الشرقي في المدينة، أسفرت عن إصابة 4 شبان بشظايا الصاروخ. وخلال اقتحامها عدداً من محالّ الصرافة في المدينة، أَطلقت قوات الاحتلال النار على أحد محوّلات الكهرباء الرئيسيّة وعطّلته، ما تسبّب في انقطاع التيار الكهربائي عن أحياء واسعة. كما شهدت مناطق قريبة من جنين مواجهات مسلّحة عنيفة، كان أبرزها في بلدتَي عرابة ووادي برقين. وفي محافظة الخليل، اقتحمت قوات الاحتلال عدّة مدن وبلدات، على رأسها بني نعيم وحلحول، فيما شهدت الأخيرة مواجهات عنيفة أصيب على إثرها 9 أشخاص، بالإضافة إلى بلدة يطا التي هدم الاحتلال أحد المنازل فيها، ودورا التي اقتحم جنود العدو العديد من منازلها وفتشوها وعاثوا فيها خراباً.
أيضاً، شهدت مدينة نابلس تطوّراً لافتاً، حيث دارت اشتباكات مسلّحة عنيفة، وتحديداً في البلدة القديمة، لم تُسجَّل منذ أشهر طويلة. وأكدت مصادر محلية أن «جنود الاحتلال وقعوا في كمين محكم في حارة العقبة وشارع النصر، وشوهد عدد من الجنود المصابين في المكان»، علماً أن «البلدة القديمة شهدت تشكيل خلايا مقاومة جديدة، استطاعت فرض نفسها والاشتباك مع قوات الاحتلال في أكثر من مرّة»، بحسب المصادر التي أضافت أن «أشرس تلك الاشتباكات كانت فجر الخميس، حيث دارت على أطراف البلدة القديمة وفي أحياء مختلفة، واستمرت لساعات، فجّر خلالها مقاومون عبوات شديدة الانفجار بآليات الاحتلال». كذلك، بلغت حصيلة الاعتقالات، أمس، 25 مواطناً على الأقلّ من الضفة، من بينهم أسرى محرّرون. وتوزعت عمليات الاعتقال في محافظات: رام الله، الخليل، أريحا، طولكرم، نابلس، جنين، طوباس وقلقيلية، بينما نفّذ الاحتلال تحقيقاً ميدانيّاً استهدف عشرات المواطنين في بلدة روجيب في نابلس، قبل أن يفرج عن مجموعة منهم في وقت لاحق، ويبقي على آخرين قيد الاعتقال.