قدّمت رئيسة «جامعة هارفارد» الشهيرة استقالتها من منصبها، بعد حملة شنّها عليها خدمُ «إسرائيل» في الكونغرس الأميركي. عنوان الحملة التي أدّت إلى دفع كلودين غاي إلى الاستقالة كانت السرقة الأدبية في رسالتها ومنشوراتها الأكاديمية، ولكن من شنّ الحملة لم يكونوا زملاء لها في الأكاديمية حريصين على نزاهة المؤسسة، بل خصوم من أهل السياسة في واشنطن. بدأت الحملة عندما رفضت غاي ورؤساء آخرون من جامعات النخبة الأميركية التضييق على «حريّة التعبير» في الجامعات عندما أُوعِز إليهم، وإلى كلّ من يريد أن تبقى واشنطن راضية عنهم، قمع الأصوات المناصرة لفلسطين. ذروة المواجهة كانت في جلسة استماع في الكونغرس لرؤساء «هارفارد» و«جامعة بنسيلفانيا» و«معهد ماساشوستس للتكنولوجيا» الشهر الماضي، صدّق فيها الأكاديميون ادّعاءات دستور بلادهم بكلّ براءة وعاندوا سياسيّيها، فخرجوا من الجلسة أهدافَ قنصٍ سهلة للقوى الفعلية في المؤسسة الحاكمة. سقطت ليز ماغيل، رئيسة «بنسيلفانيا» أولاً، ثمّ تلتها غاي، وما هي إلّا مسألة وقت حتى تلحق بهما سالي كورنبلوث. طبعاً، الجامعات الثلاث المذكورة هي بين الأوائل في تخريج المتغطرسين، وليس كلّ رؤساء الجامعات الأميركية أشباه النساء المذكورات. كثرٌ هم الخانعون وزايدوا على الكونغرس الأميركي في كمّ الأفواه، وأفواههم هم حتّى، كما شاهدنا في راس بيروت حيث ذُعِرَ الرئيس وغلمانه عند سماعهم هتافاً باسم محمّد الضيف داخل أسوار الحرم الجامعي. في النسخة المصرية من الصرح التعليمي الأميركي، وصف رئيس الجامعة، أحمد دلّال، الإبادة في غزة إبان مجزرة المعمداني بـ«الأزمة الجيوسياسية الدائرة»، من دون ذكر «إسرائيل» حتّى، وصمت عن «الأزمة» مذّاك.
صدّق الأكاديميون ادّعاءات دستور بلادهم بكلّ براءة وعاندوا سياسيّيها  

اللافت في حالة كلودين غاي هو أن «جامعة هارفارد»، قبل أن تلقي بها إلى الأسود، كانت تحتفي بغاي كأوّل امرأة سوداء تترأس الجامعة، عندما تسلّمت مهماتها منذ ستة شهور فقط. في الولايات المتّحدة، يحبّون التباهي بالتنوّع العرقي والثقافي الذي يشكّل التركيبة الأميركية، وبأن الكلّ قادر على الوصول إلى أعلى المناصب بغضّ النظر عن خلفيّته. هذه الدعاية تتكرّر على كلّ المنابر وفي كلّ المستويات. فبعد أن كُرّست المساواة بين الجنسين بوصول المرأة إلى كل الوظائف إلّا مكتب الرئاسة في البيت الأبيض، وإن كان بمعاشات أدنى من أقرانهن الرجال، ها هي الأعراق والهويّات والجنادر كافّة تحقّق اليوم ما كان في يومٍ من الأيّام حكراً على الرجل الأبيض. هذا ما يجعل أميركا عظيمة وفقاً للسرديّة التي يجب أن تُردّد دائماً وفي كل مكان لغاية في نفس العم سام. الغاية هي أن التنوّع المزعوم أكبر كذبة أنتجتها «هوليوود»، وأن التنوّع الهويّاتي ليس إلّا غطاء للتطابق السياسي الذي يحكم مركز الإمبراطورية الأميركية.
ما تقوله أميركا العظمى لكلودين غاي وأمثالها، هو أنه في إمكانك كامرأة سوداء أن تشغلي منصب الرجل الأبيض، لا بل يهمّنا أن تشغليه لنتباهى بهويّتك، لكنّ عليكِ أن تتركي ثقافتك وسياساتك وقناعاتك وجنسك وعرقك في الخارج. نعم، يمكنك يا باراك حسين أوباما أن تكون رئيساً للبلاد، شرط أن تشنّ حروب الرجل الأبيض، ليس فقط حول العالم، بل أن تشهد على أكبر انتفاضة ضد القمع البوليسي لبني عرقك في بلادك وتصطف مع القاتل.
تنسب الفانيلا في الثقافة الأميركية إلى كلّ ما هو باهت أو بلا طعم، رغم أن في ذلك ظلماً كبيراً لعود الفانيلا ومستخلصه ذي النكهة الزكية (والثمن الباهظ إن كان طبيعياً). كما تنسب الفانيلا زوراً إلى اللون الأبيض، وهو ما يعود إلى ارتباطها التاريخي بنكهات البوظة، حيث الفانيلا نقيضة الشوكولا. تريد الولايات المتّحدة أن توهم شعبها قبل العالم أنها نتاج خليط من الشعوب والألوان والنكهات، أنها طبق «راتاتوي»، ولكنها في الحقيقة وباء عنصري استعماري من صنف وفكر واحد. لا تغشّنكم ألوان نخب الأميركيين والمتأمركين المتنوّعة… إذا لم تلفظهم واشنطن، ذلك لأنهم كلّهم فانيلا.