مواصلة صنعاء حصارها لإسرائيل وسفنها قد يمثل الردّ اليمني الأمثل على العدوان الأميركي - البريطاني. فاستهداف المصالح المباشرة لكل من لندن وواشنطن، قد يسهم في تقديم الصدام في البحر الأحمر بوصفه معضلة للملاحة الدوليّة، وهي السرديّة الخطأ التي يكرّرها الغرب.
أولاً: الردّ اليمني
لا يمكن الجزم بالسيناريوهات المقبلة. ومع ذلك، هذا لا يمنع من القول إن اليمنيّين قد يجدون أنّ من الأوْلى الردّ، عبر مواصلة حصار السّفُن الإسرائيليّة أو تلك المتجهة إلى موانئ الكيان، أو عبر مواصلة إطلاق مسيّرات وصواريخ تستهدف دولة الاحتلال، التي ينطبق عليها مصطلح «المصالح الأميركية والبريطانية».
وقد يمثّل الاستهداف اليمني للمنشآت العسكرية المباشرة للبلدين المُعتَدِيين، استجابةً للإستراتيجيّات الأطلسيّة الهادفة إلى حرف الجهد العسكري اليمني، المساند لغزة، عن مساره وتحويل الصراع إلى مناوشات بين صنعاء وواشنطن، بشأن حق السفن الدولية في استخدام البحر الأحمر، بل وتحويله إلى صراع أميركي - إيراني على الأراضي اليمنيّة.

ثانياً: السّرديّة الأميركيّة
شنَّ وزير الخارجية الأميركي، «اليهودي»، غير الجذّاب، والفاقد للكاريزما، هجوماً على طهران وصنعاء، أثناء جولته التي شملت الدول الأبرز في المحوَرين السعودي والتركي. وفي ذلك سردية تتجاهل الدّموية الإسرائيلية في غزة، وتفصُلُ بين الأحداث الحربيّة على تخوم السعودية ومصر في البحرين الأحمر والعربي، وبين المُعطى الفلسطيني. ومن حسن الحظ وجود تفاهم إيراني - سعودي وُقّع في بكين، وإلا تحوّلت الانتقادات المحسوبة في الإعلام السعودي إلى حملة إعلاميّة تذكّر بما كان يقال عن أولوية الصراع مع إيران، وهي الفَرضيّة التي دُمّرت عبرها سوريا والعراق واليمن، وكادت تُعزَل بها «حماس» عن محور المقاومة، لولا العقلانيّة وبعد النّظر في إيران.

ثالثاً: فتّش عن المستفيد
يتراوح موقف المحورين السعودي والتركي، من الحدث الغزاوي، بين الحياد السلبي والإيجابي. ولا يختلف الأمر كثيراً بشأن الأحداث في البحر الأحمر، فهناك إدانة علنيّة خافتة من هذين المحورين لقيام «أنصار الله» بمنع البواخر من الوصول إلى ميناء إيلات، وهناك في المقابل ما يمكن عدّه موقفاً سعودياً وإماراتياً يرجو من الأميركيين عند ضرب صنعاء، أن لا يجرّ ذلك رداً يمنياً على الرياض وأبو ظبي. وكما أن إضعاف «حماس» يتضمّن إيجابيات، بالنسبة إلى بعض الأطراف العربية، فإن المحور السعودي يجد استفادة جليّة في الخيار العسكري الأميركي الذي قد يؤدي إلى زيادة متاعب الحالة اليمنيّة. ولا تتوافر معطيات رسمية عن استخدام أميركا لقواعدها في الخليج لضرب اليمن، ولكن ذلك لا يمكن استبعاده في ضوء تجارب العشرين سنة الماضية. أمّا انخراط المنامة ضمن دول العدوان، وإعلان الطرفين اليمنيَّين الرئيسيين المحسوبَين على الرياض وأبو ظبي ترحيبهما بالقصف الأميركي، فمعبّر عن صميم الحلف السعودي.

رابعاً: فرضية استهداف «حزب الله»
بينما يتموضع «حزب الله» على حدود الكيان الإسرائيلي، وهذا يمكّنه من دكّ إسرائيل وإحالتها إلى «العصر الحجري»، في حالة قيام واشنطن باستهداف المصالح اللبنانية عسكرياً، فإن المسافة البعيدة بين صنعاء والكيان، والفواصل الجغرافيّة الطويلة، والحدود السياسيّة غير المباشرة، تجعل من الأميركي أكثر جرأة، أو أقل حذراً، في استهداف المنشآت في صعدة وحجّة والحديدة. مع ذلك، لا بدّ أنّ «حزب الله» يضع ضمن تصوّراته قيام اعتداء أطلسي يوماً ما على ضواحي بيروت.

خامساً: هل دول الخليج أهداف عسكرية لصنعاء؟
بالنسبة إلى «أنصار الله»، يظل استهداف إسرائيل الخيار الأول، وربما الأخير، ولا يبدو أنهم بصدد استهداف القواعد الأميركية في الخليج، ولا الرياض أو أبو ظبي اللتين نأتا بنفسيهما عن العدوان، لغْواً. وحتى البحرين، فإنها ليست على قائمة الاستهداف، وهذا ما يجعل المنامة صفيقة، إلى هذا الحد، في إعلان نفسها جزءاً من العدوان على اليمن، وجزءاً من حلف نصرة إسرائيل. وهناك اعتبارات أخرى لموقف البحرين، ذلك أنّ الصراع مع إيران أولوية لدى القصر البحريني، الذي يرى تمدّد محور المقاومة في المنطقة مضعفاً لحلفائه الإقليميين، ومقوّياً للمعارضة الداخلية.

سادساً: المحكمة الدولية... الوجه الآخر
تزامن القصف الأميركي على صنعاء مع ذروة المرافعات في محاكمة إسرائيل أمام «محكمة العدل الدوليّة»، وهي المحاكمة الإيجابيّة من دون شك، والإشادة واجبة على خلفيتها بجنوب أفريقيا وجهودها. لكنّ وجهاً آخر لهذه المحاكمة، قد يمثّل ارتياحاً لـ «الضمير العالمي»، وأنه قام بواجبه إزاء العدوان الدموي على غزة. وتكشف 75 عاماً مضت أنّ الإجراءات الدوليّة المساندة للفلسطينيين، بما ذلك «الأونروا»، والتمويل الغربي لمنظمات المجتمع المحلّي، أتاحت للغرب تسويق «إنسانيته»، وهدّأت بعض «خواطر» الواقعين تحت الاحتلال. وما دام تم تأمين طعام الفلسطينيين، فيمكن للاحتلال المضيّ في مخطّطاته، في ظل خذلان «المجتمع الدولي» ومنظماته وأجهزته، التي تكاد تكتفي بـ «توثيق» الاحتلال، الذي يتم على الهواء مباشرة وأمام عدسات المُصورين.

سابعاً: الموقف الصيني والروسي
الموقف الصيني والروسي من أحداث غزة، يتراوح هو الآخر بين الحياد الإيجابي والسلبي، ويذكّر بالموقف العربي البائس، حيث طحن بلا طحين. هذا الوضع يشير مرّة جديدة إلى أنه رغم تزعزع مكانة أميركا كقوة عالمية مهيمنة، فإن العالم لم ينتقل بعد إلى التوازن المنشود بين قواه الكبرى، ما يضع الكثير من الثقل على محور المقاومة وقواه لمواجهة التغوّل الأميركي في المنطقة، التي ما زالت وكأنها لم تغادر بعد القرن التاسع عشر ومرحلة الاستعمار المباشر.