القاهرة | أحدث مرور مراسل «الجزيرة» البطل وائل الدحدوح من معبر رفح على الحدود المصرية مع غزة مساء الثلاثاء، جدلاً كبيراً في مصر. فقد انهالت أخبار الإعلام الرسمي في القاهرة التي تؤكد على «نجاح السلطات المصرية في إدخال وائل الدحدوح من قطاع غزة إلى مصر». خبر كان كفيلاً بانهمار سيل من الانتقادات تجاه الدولة المصرية حول مسألة «النجاح»، فكيف لها أن تنجح في إدخال الدحدوح من معبر رفح الذي تشرف عليه مصر، وبالتالي من البديهي جداً أن يكون مرور مراسل «الجزيرة» في غزة عبره وبسهولة، وخصوصاً أنّ ذلك يتزامن مع أصداء الاتهام الإسرائيلي لمصر في جلسات محكمة العدل الدولية بأنّها تغلق المعبر في وجه المارّين، والتكذيب والنفي المصري لهذه التصريحات.
(Deviantart.com)

قناة «القاهرة» الإخبارية التي باتت اليوم جزءاً من الإعلام المصري الرسمي وتتبع «المتحدة للخدمات الإعلامية» (تابعة للاستخبارات المصرية)، قالت إنّ مصر نجحت في إدخال مراسل «الجزيرة» وائل الدحدوح عبر معبر رفح، متوجهاً للعلاج في الخارج من دون ذكر أنّ وجهته للعلاج ستكون الدوحة. وقد احتفى إعلاميو الدولة في مصر بخبر الدحدوح باعتباره انتصاراً للرئيس عبد الفتاح السيسي. وقال الإعلامي أسامة كمال على قناة «دي. إم. سي»: «ادخلوها بسلام آمنين. أهلاً بك يا أبو الشهداء»، معلّقاً على دخول الدحدوح، ومشيداً ببسالته في التغطية الإخبارية لما يحدث في القطاع رغم استشهاد أفراد أسرته جراء العدوان. وقد تحدث الدحدوح نفسه إلى قناة «القاهرة» مثمّناً الدور المصري وشاكراً نقابة الصحافيين المصرية وموقف كلّ دولة تساعد القضية الفلسطينية. وبعد وصوله إلى مطار العريش في شمال سيناء في مصر، استقلّ الدحدوح طائرة قطرية خاصة برفقة شخصين آخرين إلى الدوحة لتلقّي العلاج (راجع مقال الزميلة زكية الديراني في مكان آخر في الصفحة).
وقد استقبل الإعلام المصري الرسمي الخبر كمنقذ للدولة من الانتقادات التي انهالت عليها في الأيام الماضية، بعدما ادّعت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي أنّ مصر تغلق معبر رفح في وجه المارين من القطاع، أثناء النظر في القضية المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا متهمةً الكيان العبري بارتكاب أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين. وعلى الفور ردت مصر عبر هيئة الاستعلامات التي أصدرت بياناً، إذ قال رئيسها ضياء رشوان إن مصر بذلت «أقصى جهودها» في مئة يوم من عدوان إسرائيل على قطاع غزة من أجل دخول المساعدات إلى الفلسطينيين، وإنّ المعبر لم «يغلق لحظة واحدة طوال أيام العدوان وقبلها». واتهمت مصر إسرائيل بالكذب أمام المحكمة، معتبرةً أنّ التعنّت على مرور الأفراد والمساعدات من المعبر كان من جانبها «ولا يزال مستمراً»، وليس من جانب القاهرة. وأورد بيان هيئة الاستعلامات أنّ الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين من حول العالم، زاروا معبر رفح ولم يستطع أحد منهم المرور إلى قطاع غزة بسبب التعنّت الإسرائيلي، وهو ما يثير تساؤلات حول النجاح الذي تحدث عنه الإعلام الرسمي عند مرور الدحدوح بمعبر رفح، فكيف تنجح مصر في إدخال شخص عبر حدود تُشرف عليها؟
نشطاء السوشال ميديا في مصر، التقطوا هذه النقطة تحديداً وعلّقوا عليها، فقد اعتبروا أنّ مصر تناقض نفسها بمرور الدحدوح بالمعبر. وانتقدت الصحافية رشا عزب عبر حسابها على منصة «إكس» الأمر قائلة: «مصر التي تتزيّن اليوم بخروج الصحافي الكبير وائل الدحدوح من غزة الصامدة وشغالين إعلاميها مباركة، هم أنفسهم اللي بيقولوا المعبر مفتوح من عندنا، ويتحول خروج صحافي فقد أغلب عيلته في الحرب ويحتاج للعلاج معجزةً، بس المعبر مفتوح طبعاً برضه. على بطنها تنور وعلى ضهرها تنور برضه». وقالت الصحافية شيرين عرفة إن وائل كان في غزة ومرّ من المعبر إلى مصر، فما المعجزة في ذلك؟ وتساءلت ما إذا كانت المعجزة هي حصول مصر على موافقة إسرائيل لإدخاله، وبالطبع لم يُكشف عن «المعجزة». وعلّق الصحافي والإعلامي المصري حافظ الميرازي على النقطة نفسها، بقوله: «لماذا كل هذه الضجة والمن والسلوى في إعلام مصر ولجانه لمجرد السماح بعبور وائل الدحدوح معبر رفح في طريقه إلى قطر؟» وأشار إلى ادّعاءات كاذبة روّجها ما وصفه بـ «الذباب الإلكتروني» عن أنّ الدحدوح يعالج في مصر على نفقة الدولة، وهو ما أشار إليه بالفعل نشطاء مؤيدون للنظام المصري عبر فايسبوك وتويتر، واتضح أنه غير حقيقي.
احتفى كثيرون بقدومه إلى مصر، إذ يتابعه الملايين عبر قناة «الجزيرة»


واحتفى كثيرون بقدوم الدحدوح إلى مصر، إذ يتابعه ملايين عبر قناة «الجزيرة» لمعرفة أخبار قطاع غزة، وخصوصاً بعد فقدان الدحدوح عدداً كبيراً من أفراد عائلته وبسالته الدائمة في العودة إلى نقل ما يحدث في القطاع رغم الأحزان. واعتبرت الناشطة سالي سمير أنّ البركة حلّت على البلاد بقدوم «أبو حمزة إليها». وقالت الصحافية رشا فتحي إنّ الدحدوح «نوّر مصر». وجاء وصول «أبو حمزة» بعد يوم واحد على وقفة تضامنية مع غزة والفلسطينيين أمام نقابة الصحافيين في وسط القاهرة مساء الإثنين (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة) وهتفوا: «حق غزة مش هيروح، سمع وائل الدحدوح». وقالت نقابة الصحافيين المصرية إنّها «تتوجه بالشكر إلى أجهزة الدولة على استجابتها لطلب النقابة وتسهيل دخول الصحافي الفلسطيني إلى مصر لتلقّي العلاج». خبر تداوله أيضاً الإعلام الرسمي، في حين أنّ بعضهم اعتبره تأكيداً على أنّ المرور من المعبر وتسهيل الأمر يتمان عبر الحكومة المصرية، ليس فقط باعتبار المعبر «مصرياً». لكن القصد أنّ «تسهيل» المرور هو شأن مصري خالص ولا دخل لإسرائيل فيه. وكانت نقابة الصحافيين المصرية قد وافقت على منح الدحدوح «جائزة حرية الصحافة لعام 2024» تمجيداً لصموده وصمود الصحافيين الفلسطينيين. وقال نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي في تصريحات عقب وصول الدحدوح إلى مصر ثم مغادرته إلى قطر، إنّ الدحدوح كان متردّداً بشدة حتى اللحظات الأخيرة بمغادرة قطاع غزة، مشيراً إلى تواصله معه عند معبر رفح. ووفقاً للدحدوح، فإنّه سيعود لتأدية عمله بعد تلقّيه العلاج في الدوحة، فيما يتأمّل كل متابع أن تكون الحرب قد توقّفت حين عودته إلى القطاع لئلا تكون عودته مرة أخرى محفوفة بالمخاطر.