غزة | يتكشّف، بعد أسابيع من انسحاب جيش الاحتلال، حجم الفشل الذي مني به الأخير في مناطق مدينة غزة وشمالها والمنطقة الوسطى للقطاع، وسط انتقاله إلى المرحلة الثالثة من المناورة البرية في تلك المناطق. فعلى الرغم ممّا أحدثه العدوّ من حالة دمار كبيرة استهدفت المباني والبنى التحتية في المناطق التي اجتاحتها آلته العسكرية، إلا أنه لم يتمكّن من الوصول إلى أسراه أو القضاء على المقاومة التي واصلت مواجهته في جميع الأماكن، وكبّدته خسائر كبيرة اضطرّ على إثرها إلى الانسحاب نظراً إلى الكلفة العالية لوجوده فيها، فيما عادت المؤسسات الخدماتية والبلديات لتنفض غبار الحرب، في تحدٍّ واضح لرغبة الإماتة لدى الاحتلال.وفي السياق، يقول مصدر ميداني قيادي في حركة «حماس» من مدينة غزة، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «على مدار الحرب، اعتقد جيش الاحتلال أنه سيطر على الأرض، وأنه تمكّن من تفكيك المقاومة وفصائلها في تلك المناطق، لكن الحقيقة أنه في اليوم التالي لانسحابه، بدأت لجان الطوارئ التابعة للحكومة في غزة بترتيب الأوضاع في المناطق التي انسحب منها، ومتابعة الوضع الإنساني والأمني للمواطنين وممتلكاتهم»، مضيفاً أن اللجان «استطاعت ترميم جزء من الخدمات عبر إعادة تشغيل آبار المياه وإزالة الركام والنفايات التي كانت تغلق الطرق وتعيق الحركة». وإذ يشير إلى أن «الحكومة باتت تستعيد شيئاً فشيئاً قدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين في شمال قطاع غزة ووسطه»، فهو يستدرك بأن «العقبات كبيرة في ظل حالة الاستهداف المتواصل من قبل الاحتلال لأيّ جهات حكومية أو شرطية تعمل في القطاع».
وفيما كان الاحتلال يعوّل على تكريس حالة الفوضى في المناطق التي خرج منها، يؤكّد المصدر أن «الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة في غزة استأنفت عملها في مناطق مدينة غزة وشمالها، وباتت تعمل على توفير الأمن للمواطنين، على الرغم من تدمير العدوّ جميع مقدّرات العمل الحكومي في القطاع من مقارّ أو معدات»، مضيفاً أنه «تمت السيطرة على بعض محاولات التخريب والسرقة من بعض المواطنين».
يشير الميدان إلى أن ادعاءات جيش الاحتلال محض كذب ودعاية للتسويق الداخلي

وخلافاً للادعاءات الإسرائيلية بتفكيك الأطر الحركية والعسكرية لحركة «حماس» في مدينة غزة وشمال القطاع، بالإضافة إلى تدمير كل مظهر سيطرة حكومية للحركة هناك، يؤكد الميدان ومواطنون من تلك المناطق، بالإضافة إلى مصادر في «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ«حماس»، عكس ذلك. ويجزم مصدر قيادي في الحركة بأن ادّعاءات جيش الاحتلال «ليست لها قيمة»، وأن «القوة العسكرية للقسّام لا تزال قائمة في جميع المناطق التي دخلها، ولا يعني دخول الاحتلال إلى تلك المناطق أنه سيطر عليها، بل الحقيقة أنه تكبّد خسائر فادحة اضطرّته إلى الهروب في غضون فترة وجيزة». وإذ لا ينفي «استشهاد مقاتلين وقادة من القسّام في المعارك»، فهو يؤكّد في الوقت نفسه أن ذلك «لم يؤدِّ إلى أيّ تغيير أو انهيار في البنى العسكرية في مختلف المناطق، إذ عينت القيادة العسكرية شخصيات بديلة للشهداء القادة بشكل مباشر، فيما غطّت جميع المناطق التي حدث فيها نقض».
كذلك، يشير المصدر إلى أن جيش الاحتلال «يواصل انسحاباته من المناطق التي كان يتمركز فيها قبل عدة أسابيع في شمال القطاع، وعندما يحاول التقدم يتعرض لضربات كبيرة»، مستدلاً على ما تقدّم بأنه «خلال اليومين الماضيين، كانت الاشتباكات بين المقاومة وجيش الاحتلال في منطقة غرب بيت لاهيا وأقصى شمال القطاع، وهي المناطق نفسها التي انسحب منها الجيش»، مضيفاً أن «هذا أكبر دليل على أن ادعاءات جيش الاحتلال محض كذب ودعاية للتسويق الداخلي». ويتابع: «الأمر نفسه حدث في جنوب غرب مدينة غزة عندما حاول التقدم إلى منطقة الشيخ عجلين وأنصار، حيث تلقّى ضربات قاسية، وسط اشتباكات مع المقاومين لم تتوقف إلى حين اندحاره وانسحابه منها».
وفي الإطار نفسه، اعترف عضو مجلس الحرب في حكومة الاحتلال، جدعون ساعر، في تصريحات إلى «القناة 13» العبرية، بأن دولة الاحتلال «لا تزال بعيدة» عن تحقيق هدفها الأساسي في غزة، والمتمثل في تفكيك أجهزة سلطة «حماس» وقدراتها العسكرية، فيما قال عضو مجلس الحرب، غادي آيزنكوت: «حتى لا نقع في قصص ألف ليلة وليلة، أهداف الحرب لم تتحقق بعد، ومن يقول بأن هناك هزيمة مطلقة لحماس فهو لا يقول الحقيقة».