غزة | مع بداية الحرب على قطاع غزة، استغل النظام المصري، جيشاً ومسؤولين، حالة التعاطف وقوافل الدعم التي قدّمها العديد من الدول للقطاع، لملء جيوبه بأموال الغزيين الراغبين في الخروج من الجحيم، وفرض إتاوات ورشى كبيرة على ما يدخل إلى غزة. ومنذ بداية الحرب، أعلن العديد من الدول العربية والإسلامية إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى المواطنين في القطاع، فيما حطّ الكثير من الطائرات التي حملت تلك المساعدات في مطار العريش، إلى أن تغيّرت الحال عندما طلبت مصر من معظم الدول التي ترغب في تقديم المعونة، شراءها من السوق المصرية توفيراً للوقت. وبحسب مصدر مصري مطّلع على عمليات إدخال البضائع إلى غزة، تحدّث إلى «الأخبار»، فقد عمل الكثير من مصانع المواد الغذائية التابعة للجيش المصري بشكل مكّثف خلال أيام الحرب، لمصلحة العديد من الدول، وأبرزها قطر، لتوفير مواد إغاثية عاجلة، بما يسهّل تفتيشها وإدخالها إلى القطاع عبر معبر رفح. كما شملت البضائع كميات كبيرة من الطحين والمواد الغذائية لمصلحة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين».ووفقاً للمعلومات، فقد باعت مصانع الجيش المصري المواد الإغاثية للجهات المانحة بأغلى من الأسعار الدولية وبالدولار، بشرط أن يتم الدفع بالتزامن مع تسليم البضائع بشكل فوري، فيما تدفع الدول التي ترسل المساعدات ضرائب ومبالغ كبيرة مقابل كل شاحنة تدخل إلى غزة لمصلحة شركة النقل الوحيدة التي توصل البضائع إلى معبر رفح، وهي «شركة أبناء سيناء» التي تعود ملكيتها لرجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، ويشاركه فيها بشكل غير معلن، ابن الرئيس المصري محمود عبد الفتاح السيسي. وطبقاً لمصادر فلسطينية مطّلعة على إدخال البضائع عبر بوابة صلاح الدين، تتقاضى الشركة المصرية مبلغاً يتراوح ما بين ألفين وأربعة آلاف دولار على كل شاحنة يتم نقلها إلى غزة، مع العلم أن تكلفة النقل الطبيعية لا تزيد على 200 دولار، فيما تضطرّ المؤسسات الخيرية إلى دفع رشى للضباط المصريين، حتى يتم وضع الشحنات الخاصة بها في دور متقدّم لإدخالها، بينما الشاحنات التي لا تدفع يتم ركنها في دور طويل يمتد لأسابيع.
ولا تسمح السلطات المصرية بإدخال شاحنات المساعدات بشكل مباشر إلى غزة، إلا بعد تفتيشها من قبل الجيش الإسرائيلي في معبرَي العوجا وكرم أبو سالم. وهي تُدخِل يومياً عبر معبر رفح ما بين 50 و100 شاحنة، على رغم أن قدرة المعبر الفعلية تتراوح بين 500 و700 شاحنة يومياً. وكانت حركة المعبر الطبيعية قد توقفت منذ بدء الحرب، وتحوّلت إلى حالة استثنائية يتم خلالها إدخال الشاحنات المُفتَّشة من قبل الاحتلال، فيما يُسمح بخروج الفلسطينيين الجرحى الذين توافق عليهم إسرائيل من خلال شركة «يا هلا» لتنسيق السفر، التابعة لجهاز المخابرات المصرية العامة.
باعت مصانع الجيش المصري المواد الإغاثية للجهات المانحة بأغلى من الأسعار الدولية


وبحسب «أبو محمد»، وهو سمسار وصاحب مكتب سفر فلسطيني يعمل مع «يا هلا»، فإن أسعار التنسيق للسماح بالسفر عبر الشركة شهدت اختلافاً خلال فترة الحرب؛ فبعدما كانت تصل إلى 10 آلاف دولار في بدايتها للشخص الواحد، تم تخفيضها تدريجياً خلال الأشهر الماضية لتصل الشهر الماضي إلى 5 آلاف دولار للشخص البالغ عمره 12 عاماً فما فوق، فيما يبلغ سعر تنسيق الطفل ما بين 1500 و2500 دولار بحسب أعداد الأسرة، وللفلسطينيين حملة الجنسية المصرية ما بين 1200 و1600 دولار. ويبرّر السمسار انخفاض سعر التنسيق بأن التجّار وأصحاب رؤوس الأموال دفعوا في الفترة الأولى وغادروا، وأعدادهم قليلة جداً، كما تراجع الطلب على السفر من قبل الغزيين بسبب الأسعار العالية. وأخيراً، تم تخفيض الأسعار لزيادة الأعداد المسافرة وتحصيل أكبر قيمة ممكنة من عمليات التنسيق.
على أن هذه العمليات التي يديرها جهاز المخابرات العامة المصرية ليست جديدة، فقد كانت طوال السنوات الماضية تحصل بشكل مقلّص، فيما تراوحت أسعارها ما بين 600 و900 دولار لنظام «VIP»، الذي يشمل النقل من غزة حتى القاهرة، مع تسهيل وتسريع لعملية الدخول إلى مصر، بينما التنسيق العادي للسماح فقط بالعبور يبلغ سعره 200 دولار للشخص الواحد، حسبما أفاد المصدر. وتتم العملية عبر إرسال صورة جواز السفر إلى أحد السماسرة في غزة، والذين يعملون مع شركة «يا هلا»، قبل يومين من موعد السفر، بحيث يتم إدراج اسم المسافر ضمن الكشوفات اليومية التي يسمح بها المصريون، ودفع جزء من المبلغ للسمسار في غزة، وجزء آخر داخل معبر رفح.
واضطرّت عائلات فلسطينية، أخيراً، إلى دفع مبالغ كبيرة لإجراء تنسيق لدى المصريين للسماح لأبنائهم المصابين خلال الحرب بالسفر لتلقي العلاج. وقد اضطرّ أحدهم إلى بيع ممتلكات له بنصف ثمنها لتأمين علاج لابنه في ظل التشديد المصري، وأعداد المصابين المقلّصة التي يتم السماح لها بالسفر. وبحسب مصادر في هيئة المعابر والحدود في غزة، فإن ما بين 800 و1500 شخص يتم تسفيرهم عبر التنسيق شهرياً خلال فترة الحرب. وبعد انكشاف الاستغلال المصري لمعاناة الغزيين، يبرّر المصريون الرشى والأموال الكبيرة لمصلحة ضباط جهاز المخابرات وشركة «يا هلا»، بأنها تهدف إلى منع هجرة الفلسطينيين ومواجهة المخطّطات التي تريد تصفية القضية الفلسطينية.