غزة | تَظهر علامات الإعياء على وجه رشا أبو عودة، وهي تتأمّل جسد طفلها الصغير يحيى، ذي التسعة أعوام. ويحيى، الذي يرقد على فراش يلتصق بأرضية قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى «شهداء الأقصى» في دير البلح وسط قطاع غزة، أصيب بشظايا صاروخ استهدف مدرسة «حي الأمل» في خانيونس (جنوب)، حيث استقرّ بعضها في رقبته، وبعضها الآخر أصاب ذراعه اليمنى بالشلل. هناك، جالت «الأخبار»، والتقت السيدة التي كانت تحاول طفلها الذي «يبكي طوال الليل والنهار جرّاء إصابته»، في انتظار قبول «التحويلة» من قِبَل الجانب المصري، علّه يَعبر «رفح» لتلقّي العلاج في الخارج. تتنهّد رشا وهي تتفحّص أوراق «التحويلة» التي ذيّلتها إدارة المستشفى بعبارة «عاجل» بالخط العريض، ثم تقول، في حديث إلى «الأخبار»: «عندما يحرّك يحيى رأسه، يبكي من شدّة الألم. أخبرني الأطباء أنه كلّما لمس الشظايا المستقرة في رقبته، شعر بما هو أشبه بصعقة كهرباء قوية»، مضيفة أنه «في حال بقي هان، ممكن يفقد بصره ومستقبله. يا رب تطلع التحويلة ويتعالج ابني ليمارس حقّه زيّ أطفال العالم». وتعزو السيدة، بطء إجراءات التحويلة، إلى «تعمّد الإسرائيليين قتل أبناء شعبنا ومنع أطفالنا من أن يتحوّلوا إلى روّاد في العلم والمعرفة»، آملةً في «ممارسة ضغوط كبيرة على الإسرائيليين والمصريين للإسراع في إجراءات التحويلات، لإنقاذ مَن تبقّى من شعبنا».
وتعود رشا إلى واقعة إصابة يحيى في المدرسة التي نزحت إليها رفقة زوجها وأطفالها، قائلة: «بعد فقدان الأمان في شمال القطاع، نزحنا إلى المنطقة التي يدّعي الاحتلال أنها آمنة. هناك، وتحديداً يوم الإثنين في الخامس من الشهر الجاري، تمّ استهدافنا. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة عصراً عندما أَطلقت طائرة استطلاع إسرائيلية صاروخاً مفاجئاً على المدرسة التي تحتضن آلاف النازحين، ثم تصاعدت أعمدة الدخان حولنا، وارتفع صراخ النسوة». وتضيف: «أصبتُ بالصدمة عندما شاهدت يحيى ملقًى على الأرض. كان الأمر فظيعاً ومرعباً. حملته بمساعدة النسوة. قال: "إمي، أنا متصاوب"، ثم دخل في غيبوبة». حينذاك، أسرعت الأم المكلومة إلى النقطة الطبية داخل المدرسة، ولكنها لم تجد مَن يسعف طفلها لكثرة الإصابات، فاضطرت إلى السير على أقدامها مسافة ثلاثة كيلومترات حتى عثرت على عربة يجرّها حمار قادها إلى «شهداء الأقصى».
نحو 11 ألف مصاب في غزة مصنفون كحالات خطيرة بحاجة إلى السفر لتلقي العلاج في الخارج


إلى جانب يحيى، يرقد الطفل جمال عبيد، ذو العامين، متشبّثاً بثوب والدته كلّما علا صوت رنين الأجهزة الطبية وصراخ المصابين الذين يصلون تباعاً إلى باحة الاستقبال. أصيب جمال في الغارة نفسها التي أصيب فيها يحيى، وهو بحاجة ماسة إلى الحصول على «تحويلة»، نتيجة الشظايا المستقرة في أنحاء متفرقة من جسده الصغير. تقول أم جمال، التي تخشى، حالها حال والدة يحيى، من أن يسوء وضع ابنها: «وافقت إدارة المستشفى على التحويلة منذ نحو ثلاثة أسابيع وما زلنا ننتظر». وإذ تشير إلى أن الاحتلال يتعمد تأخير الموافقة على التحويلات، فهي تعرب عن أملها في أن «تضغط الجهات المختصة ودول العالم عليه لإنقاذ حياة مَن تبقى من أطفالنا». وتقول: «بنتي استشهدت في الغارة نفسها، أما جمال، فكان محميّاً بشقيقته. كانوا حينها يلعبون في الرمل في ساحة المدرسة، فيما كنت أخبز». حينذاك، قفزت أم جمال من فوق العجين لتجد طفلتها ذات الأعوام الأربعة، وقد ألقت بنفسها فوق أخيها، وعندما رفعتها، وجدتها جثّة هامدة مضرجة بالدماء. وعندها، صرخت وهرعت نحو سيارة صادفتها أمامها، وهي تقول: «يا رب احفظ لي ابني الوحيد اللي أجا بعد 4 بنات».
وكانت وزارة الصحة في غزة قد صنّفت نحو 11 ألف مصاب، من بين أكثر من 70 ألف إصابة، تحت خانة «إنقاذ حياة - حالة خطيرة بحاجة إلى السفر لتلقّي العلاج في الخارج ولإجراء العمليات الجراحية قبل فوات الأوان». وفي هذا الجانب، يفيد الناطق باسم المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، بأن «عدد الجرحى الذين تمكّنوا من السفر لتلقّي العلاج في الخارج، منذ بداية الحرب، لا يتجاوز الـ1500». ويضيف الثوابتة، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «قطاع غزة بأمسّ الحاجة إلى فتح معبر رفح الحدودي أمام الجرحى، بعدما انهار القطاع الصحي تماماً، وباتت المستشفيات غير قادرة على إجراء العمليات الجراحية لهذا العدد الكبير من الجرحى»، لافتاً إلى «استهداف 31 مستشفى خرجت من الخدمة بشكل كامل، فيما لا تقدّم المستشفيات المتبقية إلا خدمة صحية محدودة، بطاقة لا تزيد على 30%».
وإزاء ذلك، يخشى الثوابتة على حياة آلاف الجرحى الذين ينتظرون السماح لهم بالسفر، مشيراً إلى أن «480 جريحاً استشهدوا وهم في انتظار الحصول على التحويلة». وعن أسباب التأخير، يبيّن الثوابتة أن «وزارة الصحة ترفع مئات الأسماء يومياً إلى الجانب المصري، ثم تنتظر الردّ، «ولكن للأسف يسافر يومياً ما بين 10 و20 جريحاً، وهذا العدد غير كافٍ»، مناشداً «الأشقاء في مصر السماح لأعداد أكبر بالسفر للعلاج»، ومطالباً «كل الوسطاء ودول العالم الحر والدول العربية والإسلامية وكل المنظمات الدولية بالتدخّل لوضع حدّ لهذه الجرائم»، التي حمّل مسؤوليتها لـ«الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي والاحتلال الإسرائيلي».