غزة | بعد 16 ساعة من حصار واقتحام مستشفى الشفاء، غرب مدينة غزة، أعلن جيش العدوّ تمكّنه من اغتيال مسؤول قوى الأمن الداخلي في قطاع غزة، العميد فائق عبد الرؤوف المبحوح، الذي أشرف قبل ثلاثة أيام، على هندسة ورعاية اتفاق مع الأمم المتحدة والعشائر وعدد من التجار، سُمح بموجبه بدخول شاحنات المساعدات إلى شمال القطاع، لأول مرة منذ أكثر من 120 يوماً. ووفقاً لمعلومات حصلت عليها «الأخبار»، عقد المبحوح خلال الأسابيع الماضية عدة اجتماعات مع ممثلي الأمم المتحدة والعشائر، أفضت إلى اجتراح آلية آمنة، ولا تتسبّب بحرج لأيٍّ من الأطراف، وكانت نتيجتها وصول دفعتين من شاحنات البضائع والمساعدات، إلى مدينة غزة وشمالها. ووُزّعت حمولة تلك الشاحنات على آلاف الأسر، وكسرت لأول مرة من حدّة المجاعة وحالة العوز والغلاء الفاحش.تفاصيل عملية الاغتيال التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر عائلية، تؤكد أن المبحوح تحديداً كان الهدف الرئيسيّ من العملية العسكرية المفاجئة، حيث تسلّلت قوات العدو بعد منتصف ليلة الأحد - الاثنين، إلى محيط المستشفى من الجهة الغربية، تحت غطاء ناري كثيف جداً، ثم دفعت بعدد كبير من طائرات الـ«كواد كابتر»، لتحلّق حول المستشفى من كل الجهات، قبل أن تندفع العشرات من الدبابات وتضرب حصاراً كاملاً على مربع الشفاء وشارعَي الوحدة والنصر. في غضون ذلك، كانت قوة راجلة قد اقتحمت البناية السكنية التي تسكن فيها عائلة العميد المبحوح، حيث فجّر الجنود بوابة الشقة، وأطلقوا الرصاص بكثافة داخلها. وعندما تأكدوا أن المبحوح خارج شقته، طلبوا من عائلته تحت تهديد السلاح الخروج من المنزل والنزوح إلى جنوب القطاع. عقب ذلك، توجّهت قوة راجلة أخرى إلى باحة مستشفى الشفاء، حيث يقيم العميد المبحوح في كرفان، يعرفه جميع النازحين. وطلب الجنود عبر مكبرات الصوت من الرجل الخروج، رافعاً يديه وتسليم نفسه، فما كان منه إلا أن خرج شاهراً سلاحه الشخصي، وأخذ في إطلاق الرصاص باتجاه القوة الراجلة، ما تسبب بمقتل جندي وإصابة اثنين آخرين، قبل أن يقضي شهيداً.
بذل جهوداً كبيرة لتأمين ساحة العشائر، التي اجتمع معها مراراً، وتأكد من متانة جبهتها أمام الاختراق


ويسوّق جيش الاحتلال لتحقيق إنجاز كبير باغتيال «أبو العز»، علماً أن الرجل لم يُسجّل عليه منذ بداية هذه الحرب أنه اختفى عن الأعين، بل ظلّ يتحرّك ويمارس مهامه، في ضبط الأمن ومكافحة عصابات السرقة المنظمة، كما بذل جهوداً كبيرة لتأمين ساحة العشائر التي اجتمع معها مراراً، وتأكد من متانة جدار جبهتها أمام الاختراق. وكان آخر منجزاته تشكيل قوة التأمين الأهلية التي تولّت مهمة نقل المساعدات إلى شمال القطاع، وأيضاً التواصل مع التجار والبحث معهم عن أرضية توافقية تراعي مصالحهم من دون استغلال حاجة الناس وعوزهم.
والمبحوح، هو شقيق الشهيد محمود المبحوح الذي اغتاله جهاز «الموساد» في شهر كانون الثاني عام 2010 في أحد فنادق دبي. اعتقلته قوات العدو في مطلع عام 1990، على خلفية مشاركته شقيقه محمود في عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين، آفي سبورتس، وآيال سعدون، ثم اغتيالهما. وعام 2008، أُطلق سراحه بعدما قضى 15 عاماً في سجون الاحتلال. لم يشغل «أبو العز» منذ تحرّره من السجن أيّ منصب في الجهاز العسكري لـ«كتائب القسام»، إنما انشغل بالعمل الأمني الحكومي، حيث تدرّج سريعاً في المناصب في وزارة الداخلية، إلى أن شغل منصب رئيس قوى الأمن الداخلي في القطاع.
ويُسجّل لـ«أبو العز»، حضور أهلي وعشائري متميّز، حيث انتُخب بالإجماع مختاراً لعائلة المبحوح، عقب وفاة شقيقه الأكبر محمد. ويشهد له محيطه الأهلي بعلاقاته المتميزة، واستعداده الدائم لخدمة الناس. وأثار استشهاده حالة من الحزن الشديد في مناطق القطاع كافة.