القاهرة | منذ بداية الحرب على قطاع غزة، وسّعت شركة «هلا للاستشارات والخدمات السياحية»، والتي تديرها المخابرات المصرية، من احتكارها عمليات «تنسيق السفر» في القطاع، لكن هذه المرة باستغلال حرب همجية رأت فيها سبيلاً لجني الأموال السريع، من أصحاب رؤوس الأموال الراغبين في الخروج بـ«أي كلفة ممكنة». وعلى الرغم من احتكار «هلا»، التي يديرها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، التنسيق للخروج من والدخول إلى قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر - وإن بأسعار معقولة -، إلا أن اسم الشركة برز بشكل ملحوظ، مع إعادة فتح معبر رفح خلال العدوان الإسرائيلي، في نهاية شهر كانون الأول الماضي، لإخراج حملة الجوازات الأجنبية من داخل القطاع بالتنسيق مع السفارات الأجنبية في القاهرة، فضلاً عن إخراج عدد من الفلسطينيين من حمَلة إقامات دول أخرى، وهو ما شكّل إطاراً «رسمياً» لتسهيل الخروج، إلا أن «هلا» انخرطت في شكله «غير الرسمي»، من خلال إخراج الراغبين في مغادرة غزة، لقاء أموال طائلة تقاضتها، على حساب من لهم الأولوية من الجرحى.وفيما تفاوتت «أسعار التنسيق» للسماح بالسفر عبر الشركة، في خلال فترة الحرب، وفاقت العشرة آلاف دولار في بدايتها، نفّذت شركة «هلا» إعادة هيكلة قبل نحو شهرين، زادت على إثرها من الكلفة التي باتت تطلبها من الفلسطينيين الراغبين في الخروج من القطاع، سواء إلى مصر أو أي وجهة أخرى. وبعدما عملت الشركة على تنظيم احتكارها العملية، من خلال آلية التسجيل المسبق الذي اشترطته، وذلك بشكل علني عبر شبكات التواصل الاجتماعي (من دون تحديد الكلفة)، فإن الفترة الأولى، حتى نهاية شهر كانون الثاني الماضي، شهدت تدخلات من ضباط في الداخلية المصرية موجودين في المعبر بالإضافة إلى ضباط في الاستخبارات، أضافوا أسماء للعبور في مقابل تلقّي أموال لصالحهم بشكل شخصي، الأمر الذي دفع جهاز المخابرات إلى إحداث تغييرات ونقل الضباط وإبعاد بعض المسؤولين الإداريين عن الملف، مع إجراء تحقيقات وإلزامهم برد جزء من المبالغ التي تقاضوها. وهكذا، عاد العرجاني ليتقاسم الكعكة مع جهاز «المخابرات» بشكل مباشر، بإدخال أكثر من نصف الرسوم التي يتلقاها لصالح الجهاز بشكل مباشر، وبالعملة الصعبة، في وقت طُلب منه إبعاد أي جهات أو أفراد آخرين «بعدما تسبّبوا في إحداث مضاربة وظهور لوسطاء يتقاضون مبالغ مالية نظير تسهيل عملية العبور والخروج من مصر».
زادت رسوم العبور لتصل إلى أكثر من 10 آلاف دولار، مع ضبط «المخابرات» عائدات الاحتكار لها حصراً


ومع ذلك، ورغم مساعي «المخابرات» لضبط عائدات الاحتكار لها حصراً، زادت رسوم عبور التنسيق لتصل إلى أكثر من 10 آلاف دولار، وهو ضعف ما كانت عليه في نهاية كانون الأول. وبحسب مصادر، تعود هذه الزيادة إلى عدة أسباب، أبرزها أن «الأموال التي تُسدد للجهاز بشكل مباشر هي للإنفاق على أمور أخرى، علماً أنها غير مسجّلة في السجلّات الرسمية»، فضلاً عن «تلقي أعداد كبيرة من الطلبات التي يموّلها فلسطينيون مغتربون، والذين ترى القاهرة أن لديهم سيولة مالية تمكّنهم من إخراج أقاربهم وتسفيرهم إلى دولة أخرى». ومن بين «الخدمات» الأخرى التي تسهّلها الشركة، لقاء مبالغ مالية أقل، هي عمليات إخراج مرافقين لبعض المصابين، لا يُسمح لهم بالخروج من مصر، ويتعهدون بالعودة إلى القطاع فور استقرار الأوضاع. وفيما ترفض مصر، على المستوى الرسمي، تسهيل إخراج الفلسطينيين من غزة خوفاً من تهجيرهم من أراضيهم ولا تبدي أي استعداد لاستقبالهم، إلا أنها تسهّل عبر شركة «هلا» خروجهم إلى وجهات بديلة، سواء عبر إقامات وتأشيرات مسبقة لقاء الأموال المدفوعة، أو كمرافقين لمرضى في طريقهم إلى الإمارات وقطر، وهو ما تكرر مع عدة أشخاص لا تجمعهم صلة قرابة غادروا القطاع. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن بعض مسؤولي الشركة الذين جرى التحدث معهم من عائلات وأفراد فلسطينيين موجودين في الخارج، طلبوا بشكل واضح وجهات نهائية بعيداً عن مصر، وهو أمر دفع بعضهم إلى إجراء ترتيبات سفر لعائلاتهم لدول في أميركا الجنوبية، مقابل ضمانات مالية يعدم بقاء هذه العائلات في مصر. ويحاول مسؤولو الاستخبارات تبرير هذه الخطوة بأن «الأموال المحصّلة تساعد بشكل رئيسي في المساعدات التي يتم إدخالها إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى أن محدودية الأعداد التي تخرج في مقابل المطلوب خروجها تجعل ثمة زيادة مطّردة في الأسعار»، وسط توقعات بزيادة الرسوم المحصّلة فور دخول الهدنة حيز التنفيذ، خاصة مع الأعداد الكبيرة المتوقّع ترتيب خروجها.
أيضاً، وفّرت الشركة وسهّلت خروج بعض الإصابات الطفيفة التي لا تستلزم خروجاً، في مقابل عدم قبول حالات أخرى حرجة، بعدما سدّدت عوائل أصحابها المبالغ المالية المطلوبة بشكل مقدّم، علماً أن الأسماء التي يجري إدخالها عبر الشركة تدفع أموالاً أخرى على الجانب الفلسطيني من المعبر. لا بل إن استثمار «هلا» للكارثة الإنسانية، جاء على حساب المصريين أنفسهم، حيث لا يزال بعض حملة الجوازات المصرية داخل القطاع، رغم رغبتهم في مغادرته، بعدما لم يتمكن أقاربهم المصريون من دفع الرسوم المطلوبة لإخراجهم، علماً أنها أقل بكثير من تلك المطلوبة للفلسطينيين.
والجدير ذكره، هنا، أن العرجاني هو أحد أبناء سيناء الذي بنى علاقات وطيدة مع الجيش وجهاز «المخابرات» في مرحلة ما بعد الإطاحة بجماعة «الإخوان المسلمين»، إثر الدور الكبير الذي لعبه في استقطاب عدد من القبائل للتعاون مع الجيش المصري، ما مكّن الأخير، حينها، من القضاء على الجماعات المتطرفة التي كانت تختبئ في الجبال والمدقات الجبلية التي لم يكن من الممكن الوصول إليها من دون مساعدة أبناء القبائل. وإلى جانب ذلك، عمل العرجاني على تلبية جميع طلبات الجيش، وتميّز بقدرته على احتواء الأجنحة المختلفة داخل «المخابرات» وإرضاء مختلف الأطراف بتنفيذ مطالبها المالية، في مقابل توسيع نفوذه واستثماراته في سيناء بصورة غير مسبوقة ليحلّ محل رجل المخابرات لسنوات طويلة في سيناء، رجل الأعمال حسن راتب، الذي تم القبض عليه بتهمة الإتجار بالآثار.