رام الله | تُقدَّم المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة، وتحديداً شماله، بـ«القطارة»، في ما يندرج في إطار سياسة إدارة العدوان على القطاع، وإطالة أمده، في موازاة تنفيس حالة الغضب على استراتيجية التجويع القاتلة. وفي اليومَين الماضيَين، وصلت 15 شاحنة مساعدات إلى شمال غزة (مخيم جباليا، بيت لاهيا وبيت حانون)، حيث أفرغت حمولتها في أحد مخازن «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا)، علماً أن هذه الكمية لا تسدّ رمق مئات الآلاف من الذين لزموا مناطق الشمال. وتزامناً، بدا لافتاً بدء دخول السفن على خطّ إيصال المساعدات، بعد استعراضات الإنزالات الجوية، في وقت أكدت فيه كلّ المنظّمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية أن الخطّ البحري ليس ذا جدوى، في ظلّ وجود ممرّات ومعابر برّية لا يزال العدو يرفض تفعيلها.وبدأت منظّمة «وورلد سنترال كيتشن» الخيرية الإسبانية في تسيير سفن مساعدات، أفرغت حمولة أول واحدة منها (تبلغ 200 طن من المساعدات الغذائية والإنسانية) في قطاع غزة يوم الجمعة الماضي، وذلك بعد أربعة أيام من الإبحار، في تجربة هي الأولى من نوعها، جاءت كمقدمة لفتح ممرّ بحري إلى القطاع. كذلك، تستعدّ سفينة ثانية تحمل 240 طناً من المساعدات الغذائية للإبحار إلى القطاع، ضمن ما يعرف بـ«عملية السفينة» التي أعلنت عنها المنظّمة أخيراً. ويتمّ تحميل السفن في ميناء لارنكا القبرصي، بالتعاون مع دولة الإمارات ومنظّمة «أوبن آرمز» (Open Arms)، وبدعم من الحكومة القبرصية، في حين قالت «وورلد سنترال كيتشن» إنها «افتتحت أكثر من 60 مطبخاً مجتمعيّاً في جميع أنحاء غزة، وقدّمت ملايين الوجبات». ويتساوق عمل المنظمة مع إعلان إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنشاء رصيف بحري تأمل واشنطن في أن يشكّل بديلاً من وكالة «الأونروا».
وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، أن منظمة غير حكومية عالمية باسم «World Central Kitchen» تبيع خدماتها للجيش الأميركي، عن طريق توزيع المساعدات الإنسانية على سكان غزة، علماً أنه تم تشكيل طاقم أميركي - إسرائيلي لوضع خطط لتفعيل المشروع المذكور، الذي جرى التوافق على جانب منه، فيما لا تزال جوانب أخرى قيد النقاش. وبحسب الخطّة، سيجري في المرحلة الأولى، ولغايات التجربة، إدخال ما بين 10 و20 شاحنة يوميّاً، على أن يكون جمع الطعام من طريق المنظمة المشار إليه، ويصل في نهاية الأمر إلى سكان القطاع، بعد أن يُنقل أولاً إلى رصيف مخصّص له في ميناء لارنكا، حيث يتواجد عناصر لجهاز «الشاباك» الإسرائيلي، الذي بنى منظومة فحص شاملة للشحنات، للتأكد من عدم استخدامها لتهريب وسائل قتالية لحركة «حماس». وبعد الانتهاء من عمليات التفتيش، ترسَل الشحنات في سفن قادرة على الرسو في المياه الضحلة، ومن هناك إلى الرصيف البحري الذي ستتمّ إقامته في غزة.
أصدرت قوات الأمن في غزة تعميماً للمواطنين لضمان وصول المساعدات بشكل آمن والحفاظ على سلامة السكان


ويبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة إلى تكريس هذه الفكرة وإنجاحها، لتكون بديلاً من «الأونروا»، ولكنهما تحتاجان، لهذه الغاية، إلى العمل مع أطراف محلّية لتأمين عمليات نقل المساعدات الغذائية. وفي هذا الجانب، نقلت «إسرائيل اليوم» عن مصدر سياسي إسرائيلي، قوله إنه «من خلال تأمين خطّ الملاحة من قبرص إلى غزة، تحقّق إسرائيل مجموعة أهداف، الأول استبدال الأونروا بمنظمة أخرى تكون مستعدّة لاستلام المساعدات الغذائية؛ والثاني إلغاء مظاهر سلطة حركة حماس، وبناء وعي لدى السكان بأن الجهات الأخرى هي التي ستوفّر الغذاء والقادرة على ضمان استمرار تدفُّقه»، فيما الهدف الثالث هو «تخفيف الضغط الدولي على إسرائيل الذي يظهرها وكأنها تمنع الغذاء عن سكان غزة، والرابع إظهار الأميركيين على أنهم باتوا المسؤولين عن المشروع، وأخيراً إزالة العبء عن إسرائيل في نقل المساعدات الغذائية إلى القطاع». ووفقاً للمصدر ذاته، فإنه «كلّما تم إغراق غزة بالمواد الغذائية، كلّما فقدت حركة حماس من سيطرتها»، وإنه «رغم أن إدخال المساعدات إلى غزة يثير غضب الجمهور الإسرائيلي، إلا أنها مهمّة من أجل ضمان الدعم الدولي للعملية العسكرية في القطاع، علماً أن إسرائيل ستخصّص الحدّ الأدنى الممكن من القوات للمشروع، حتى لا تضرّ بحجم القوات في غزة».
وضمن ذلك المسار، سعت إسرائيل، أخيراً، إلى إيجاد جسم على الأرض يسهم في إدارة المساعدات في غزة، لكنها فشلت في محاولاتها استدراج العشائر والعائلات، فتوجّهت إلى الاستعانة ببعض المسؤولين في السلطة، وتحديداً رئيس المخابرات، ماجد فرج، لإنشاء قوّة في غزة تتولّى حماية المساعدات وتوزيعها. لكن، بحسب المصادر العبرية، فإن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، رفض هذه الخطّة، ذلك أنه يعارض عودة السلطة إلى غزة، في حين ذكرت شبكة «إن بي سي» الإخبارية الأميركية، أن إسرائيل تدرس الاستعانة بشركات أمن خاصة لحماية الشاحنات التي تدخل إلى القطاع، وأنها توجّهت إلى عدّة شركات مختصّة في المجال المذكور، وطرحت أن تسهم دول أخرى في دفع التكاليف، ولكن هذا لم يحدث، إذ شوهد أن مسلّحين فلسطينيين تابعين لـ«لجنة الطوارئ المحلية، والتي تم تشكيلها من العشائر الكبرى، ومؤسسات أهلية، إضافة إلى عناصر الشرطة»، هم مَن استطاعوا حماية الشاحنات التي دخلت إلى الشمال.
وكانت قوات الأمن في غزة، أصدرت، في الأيام الماضية، تعميماً إلى المواطنين لضمان وصول المساعدات بشكل آمن، والحفاظ على سلامة السكان. وشملت التعليمات منْع التوجّه إلى دوار الكويت وسط مدينة غزة، والذي استُهدف عدّة مرات، وعدم التجمهر في شارع صلاح الدين أثناء قدوم المساعدات. وحذرت القوات الأمنية من مخالفة التعليمات تحت طائلة المحاسبة، داعيةً المواطنين إلى التحلّي بالمسؤولية وعدم المشاركة في إشاعة الفوضى وتجويع أبناء الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق، قال مؤسّس ورئيس «المرصد الأورومتوسطي»، رامي عبده، في تغريدة، إن «ورقة واحدة عمّمتها الأجهزة الأمنية في غزة اليوم، قوبلت بالتزام كامل من السكان، لتنجح تلك الأجهزة، وللمرّة الأولى، في تأمين إدخال بعض الاحتياجات الإنسانية لتصل إلى أقصى نقطة في الشمال».



بشار مصري على خطّ المساعدات
بالتزامن مع نشاط «وورلد سنترال كيتشن» في غزة، ظهرت مبادرة جديدة تحمل اسم «مطابخ غزة العزة»، طرحتها شركة «باديكو» التي يرأس مجلس إدارتها، بشار مصري، بالتعاون مع شركة الاتصالات الفلسطينية «جوال» (قطاع خاص)، بهدف تقديم آلاف الوجبات الساخنة في غزة طوال شهر رمضان. وفي فيديو دعائي، قالت الشركة إنه جرى تشغيل مطبخ في دير البلح، فيما العمل جار على إنشاء مطابخ في الشمال والجنوب، وإن فكرة المطابخ تندرج في إطار مبادرة «باديكو» و«جوال» لتوزيع آلاف الطرود الغذائية والمستلزمات الصحية، بحسب «الإمكانات المتاحة». وليس واضحاً بعد ما إذا كانت مبادرة «باديكو»، مندرجةً ضمن عمل منظّمة «وورلد سنترال كيتشن»، خاصة في ظلّ ندرة المواد الغذائية الأساسية اللازمة لتشغيل المطابخ وإنتاج آلاف الوجبات الغذائية الساخنة يوميّاً.