رام الله | بات ملاحظاً، في الأسابيع الماضية، اشتداد نسق العمليات الفدائية، وتحديداً في الداخل الفلسطيني المحتلّ، مع دخول الفلسطينيين الذين يعيشون داخل «الخط الأخضر» على خطّ المواجهة، في ما يفرض واقعاً ميدانيّاً جديداً يَطرح بدوره تساؤلات حول تدحرج الأوضاع الأمنية برمّتها. وشهد الداخل المحتلّ، مع انتصاف ليل الثلاثاء - الأربعاء، إصابة أربعة عناصر من شرطة الاحتلال، واحد منهم على الأقلّ بجروح خطيرة، في عملية دهس قالت الشرطة الإسرائيلية إنها «متعمّدة»، ونفّذها وهب شبيطة (26 عاماً) من مدينة الطيرة، عند حاجز «إلياهو» قرب مستوطنة «كوخاف يئير» المحاذية لمدينة قلقيلية، حيث شرع الشاب بمهاجمة الجنود بسكين قبل أن يطلقوا النار عليه. لكنّ عائلة شبيطة التي تعرّض منزلها لاقتحام واسع من الشرطة والاستخبارات و«الشاباك»، فجر أمس، قدّمت، في بيان، رواية مغايرة لتلك الإسرائيلية، مشيرة إلى أن «وهب كان شاباً هادئاً ومنطوياً على ذاته وتمّ أخيراً تشخيص اضطراب نفسي لديه، ما استوجب تقديم العلاج البيتي له»، وأكدت أنه «خرج من البيت، ليل أمس، بشكل عصبي، ما جعل العائلة تبلّغ الشرطة بخروجه بشكل قد يهدّد سلامته وسلامة الآخرين»، كما أبلغتهم بحالته النفسية وغيرها من التفاصيل الشخصية بما فيها رقم السيارة التي يقودها. وعلى رغم ذلك، وبعد وقت قصير «أعلنت الشرطة أنه قُتل على يد رجال أمن». وطالبت العائلة بحقّها في تشييع جثمان ابنها وتحقيق نزيه بملابسات الحادثة «مع تأكيد رفضنا لسهولة ضغط أفراد الشرطة على الزناد في وجه المواطنين العرب وللعنف بكلّ أشكاله».ودفعت أجهزة الاحتلال الأمنية من جيش وشرطة واستخبارات، بقوات معزَّزة إلى مكان وقوع عملية الدهس ومحاولة الطعن، فيما جرى إغلاق الشارع 444 أمام حركة السير، وكذلك كلّ الطرق المؤدية إلى مدينة قلقيلية، حيث شرعت القوات الإسرائيلية في أعمال بحث وتمشيط في المنطقة، بعد الاعتقاد باحتمال وجود شاب آخر مع شبيطة. وإذا ما صحّت رواية شرطة الاحتلال حول أن ما جرى كان متعمّداً - وإنْ كانت لم تجزم بذلك إلى الآن -، فستكون هذه هي العملية الرابعة التي ينفّذها فلسطينيون من داخل الخط الأخضر منذ بداية الحرب في غزة، والثانية من نوعها في الداخل المحتلّ منذ بداية الأسبوع الجاري، بعدما أصيب، مساء الأحد، ثلاثة مستوطنين بجروح خطيرة في عملية طعن عند مدخل مجمع تجاري في «غان يفني» شرقي مدينة أسدود، فيما استشهد المنفّذ مؤمن فايز المسالمة (19 عاماً) من مدينة الخليل.
وفي الضفة الغربية، تواصلت أعمال المقاومة خلال الساعات الـ24 الأخيرة، حيث تمّ رصد 20 عملاً مقاوماً، من بينها عملية دهس ومواجهات واشتباكات مسلّحة وتفجير عبوات ناسفة وإسقاط طائرة مُسيّرة، فيما زعم جيش الاحتلال إبطال 13 عبوة ناسفة ومصادرة أسلحة من مناطق مختلفة في الضفة. وشهد مخيم الفارعة في محافظة طوباس اقتحاماً واسعاً، حيث دفع جيش العدو بتعزيزات عسكرية من جهة حاجز الحمرا العسكري، وشرع في تجريف واسع في شوارع المخيم وتخريب البنية التحتية، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلّحة عنيفة مع القوات المقتحِمة، فيما استطاعت المقاومة نصب كمائن للجنود وإيقاع قوّة من الآليات في كمين محكم وتفجير عدد من العبوات الناسفة. أيضاً، شنّت قوات الاحتلال، ليل الثلاثاء - الأربعاء، حملة دهم واعتقالات في أرجاء متفرّقة من الضفة؛ إذ اقتحمت العديد من المنازل ونفّذت اعتقالات طاولت عدداً من الفلسطينيين، من ضمنهم صحافية وأسرى محرّرون.
لا يزال التوتّر يسيطر على محافظة طولكرم، على وقع التصعيد بين المقاومين والأجهزة الأمنية الفلسطينية


وبالتزامن مع حالة المقاومة المتصاعدة في الضفة، لا يزال التوتّر يسيطر على محافظة طولكرم، على وقع التصعيد بين المقاومين والأجهزة الأمنية الفلسطينية، حيث شهدت عدة مناطق في المحافظة اشتباكات مسلّحة وعمليات إطلاق نار على مراكز الشرطة والأمن ومركباتهما، عقب تشييع ابن «الكتيبة»، معتصم العارف، الذي استشهد متأثراً بإصابته برصاص الأجهزة الأمنية، في مخيم نور شمس. ووفق مصادر محلّية، فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية صادرت أربع مركبات لـ«كتيبة طولكرم»، بينما أطلق مسلّحون النار على مركز شرطة في بلدة علاء، وتمكّنوا من مصادرة مركبة للشرطة والتوجه بها إلى المخيم. كذلك، تبادلت الأطراف كافة بيانات التصعيد، وهو ما حظي باهتمام الصحافة العربية، وتحديداً تصريحات حركة «فتح» التي حاولت تعليق تغوّل الأجهزة الأمنية ضد المقاومين على شماعة "التدخل الإيراني". وأعلنت هذه الأخيرة، في بيانها، رفضها لما سمّتها «التدخلات الخارجية»، وتحديداً الإيرانية، في الشأن الداخلي الفلسطيني، معتبرة أن «هذه التدخلات لا هدف لها سوى إحداث الفوضى والفلتان والعبث بالساحة الداخلية الفلسطينية، الأمر الذي لن يستفيد منه إلا الاحتلال الإسرائيلي وأعداء شعبنا الفلسطيني»، مضيفة أنها «لن تسمح باستغلال قضيتنا المقدّسة ودماء أبناء شعبنا أو استخدامها كورقة لمصلحة مشاريع مشبوهة لا علاقة لها بشعبنا الفلسطيني ولا: قضيتنا الوطنية».
وقالت «فتح» إنها «ستكون بالمرصاد لهؤلاء العابثين، وستقطع اليد التي تمتدّ للعبث بساحتنا أو المساس بأجهزتنا الأمنية أو أيّ من مؤسساتنا الوطنية التي شيّدناها بدماء شهدائنا الأبطال ومعاناة أسرانا البواسل وجرحانا»، مجدّدة «ثقتها المطلقة بالأجهزة الأمنية حامية المشروع الوطني، وبقدرتها على قطع دابر الفتنة والتصدّي لكل هؤلاء العابثين». وجاء بيان «فتح» عقب الاشتباكات التي وقعت في المخيم وبيان «كتيبة طولكرم»، الذي نعت فيه شهيدها المشتبك الذي ارتقى «برصاص الغدر والخيانة، برصاص مَن باعوا ومن خانوا، ومن أرضوا الكفّار عن قتلنا ومُحاربتنا». وقالت «الكتيبة»: «أمام الهجمة الشرسة التي تتعرّض لها الكتيبة برجالها وأنصارها ومخيمها الصامد الذي يحتضنها، على رغم الآلام والجِراح، نقول لتلك الأبواق المأجورة والأقلام المأفونة تكلّموا عنّا بما تستطيعون إلى ذلك سبيلاً، واكذبوا على الناس ما شِئتم وأجلبوا بخيلكم ورجلكم، فالناس تعرف الحقّ من الباطل وتعرف الصادق من الخائن "فأمَّا الزبدُ فيذهبُ جُفاءً وأمَّا ما يَنفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض"».