يُستنتج من القراءات التحليلية الإسرائيلية، بعد مضي نصف سنة على حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة، أن ثمّة «شبه إجماع» على أن ما حقّقته هذه الحرب، قياساً بالأهداف المعلنة لها، هو في أحسن تقدير «غير مرضٍ»، وفي أسوئها إخفاق مدوّ. فعلى رغم أن إسرائيل حقّقت إنجازات تكتيكية، إلا أنها لم تفلح على المستوى الاستراتيجي، خصوصاً لجهة حسم شكل «اليوم التالي» الذي تتصوّره من دون حركة «حماس»؛ كما أنها لم تنجح في استعادة أسراها من خلال «الضغط العسكري»، وذلك في ظلّ تدهور مكانتها على المستوى الدولي.ومنذ اللحظة الأولى للحرب، وضعت إسرائيل أهدافاً طموحة يصعب تحقيقها؛ وهو ما يعود إلى عدة أسباب، أولها، ربّما، مبالغتها في رؤيتها لذاتها عموماً، وما تعتقد أنه يتحقّق بالقوّة والتدمير والمزيد منهما؛ والثاني، هروب المستويَين السياسي والعسكري اللذين يتحمّلان مسؤولية الإخفاق الذريع في السابع من أكتوبر، من تحديد أيّ خاتمة واضحة للحرب، لما لهما من مصلحة في إطالة أمدها، فيما يمرّ الطريق إلى ذلك بوضع أهداف عالية السقف تحتاج إلى الكثير من الوقت لتتحقّق، وهو ما يؤخّر عمليّاً عمل لجنة تحقيق رسمية في كل ما حدث. وفي هذا الإطار، رأى عدد من المحلّلين أن سحب إسرائيل آخر فرقة لها من غزة (خانيونس) أخيراً، وهي «فيلق النار»، والإبقاء على لواء «الناحال» لحراسة «ممرّ نتساريم» ومنع عودة النازحين إلى شمال القطاع، يعني أن «المناورة البرية انتهت». ووفق المحلّل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، فإنه «في الأشهر الستة من حرب غزة، لم نحقّق أيّاً من الأهداف التي طرحناها في بدايتها، لا تلك الخيالية التي عرضها نتنياهو، ولا الأكثر واقعية التي وضعتها قيادة الجيش»، إذ «لم نقضِ على حماس، ولا على حكمها السلطوي، ولم نوقف إطلاق الصواريخ في غلاف غزة والجليل، ولم نُعِد المخطوفين والمُخلَيْن إلى بيوتهم». وأشار برنياع إلى أن الضرر الذي لحق بمكانة إسرائيل في العالم «جسيم جداً»، بعدما كانت فقدت في 7 أكتوبر «قوّة ردعها، في نظر الأعداء كما الأصدقاء، إلى درجة الخطر على وجودها». وانتقد نتنياهو الذي «انكشف بكامل عماه»؛ ذلك أن «مَن يدّعي ضرورة إبادة نظام حكم، ملزم بوضع بديل منه. ولكن نتنياهو فضّل وضع فيتو على أيّ مبادرة تشرك خمسة آلاف فلسطيني موالين لسلطة رام الله في ترتيبات اليوم التالي». والبديل الذي اختاره هو «الفراغ والفوضى»، على رغم أن «هناك من حذّره: كل مكان في الشرق الأوسط تنشأ فيه فوضى، تكون النتيجة سيطرة خارجية؛ كما في العراق ولبنان وسوريا واليمن».
أمّا الجيش «المُعظّم» بنظر الإسرائيليين، فلم يكن بمعزلٍ عن الانتقاد؛ إذ قَتل ثلاثة من أسراه بإطلاق النار عليهم، كما «دمّر ما يلزم وما لا يلزم»، وسلب ونهب موثّقاً ذلك بأشرطة استعراضية، قبل أن يقتل أخيراً سبعة من عمّال الإغاثة التابعين لمنظّمة «المطبخ المركزي العالمي»، الأمر الذي «ألحق ضرراً بإسرائيل في العالم». وبالنسبة إلى تبشير نتنياهو، الإسرائيليين بأن تل أبيب على بعد «خطوة من النصر»، فرأى فيه برنياع «ويلاً». ومع هذا، اعتبر أن «الاعتراف بالواقع الصعب هو نوع من النصر أيضاً»، مضيفاً أن «خروج الجيش الإسرائيلي من غزة هو خطوة في الاتّجاه الصحيح».
«إسرائيل لا يمكنها الموافقة على جزء من مطالب حماس. فالموافقة تعني عودة حماس إلى اللعبة»


ما تقدّم، تقاطع مع ما قاله المحلّل العسكري لـ«هآرتس»، عاموس هرئيل، الذي ذكر أيضاً أن هدفَي العملية الرئيسَين في المدينة «لم يتحقّقا»؛ إذ إن «قائدي حماس البارزين في القطاع، يحيى السنوار ومحمد الضيف، ما زالا على قيد الحياة حرَّين. حتى إنه لم يتم إحراز أيّ اختراق في عمليات التمشيط للبحث عن المخطوفين الإسرائيليين باستثناء إنقاذ اثنين من المخطوفين في رفح قبل حوالى شهرين». وبحسب الكاتب، ينبغي «قول الحقيقة للجمهور: القتل والدمار الهائلان اللذان خلّفهما الجيش في القطاع مع خسائر غير قليلة في طرفنا، لا تقرب في هذه المرحلة من تحقيق أهداف الحرب». وإذ أشار إلى «(أننا) لسنا أمام هزيمة قريبة لحماس، ولسنا على بعد خطوة من النصر، كما أكّد نتنياهو». فقد تساءل: «إلى أين نحن ذاهبون؟»، معتبراً أن ثمّة ثلاثة سيناريوات محتملة: «أولها، تصعيد آخر مع إيران وحزب الله بعد انتقام إيران ردّاً على عملية اغتيال زاهدي؛ وثانيها، تقدّم مفاجئ في المفاوضات مع حماس حول صفقة تبادل؛ وثالثها عملية عسكرية جديدة في القطاع عبر اقتحام رفح». وبالنسبة إلى رفح، «لا تتعامل إسرائيل بجدّية كافية مع تغيّر مواقف الدول الغربية من إمكانية احتلال المدينة»، على رغم أن «الإدارة الأميركية لا تتردد في إعلان معارضتها لذلك».
وفي سياق ليس ببعيد، حذّر رئيس دائرة الأسرى والمفقودين السابق في «الموساد»، رامي إيغرا، في مقابلة مع إذاعة «103 إف إم»، أمس، من أن «وضع إسرائيل يتدهور»، وأنه «لن يتمّ التوصّل إلى صفقة تبادل أسرى»، والسبب في ذلك يعود إلى رفض الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، نتنياهو، إجراء مداولات حول مستقبل القطاع. وتطرّق إيغرا إلى العملية المحتملة في رفح، مشيراً إلى أن ثمة معضلات فيها تتعلّق بإخلاء السكان والموافقة الدولية على ذلك، خصوصاً أن «إسرائيل ليست موجودة في مكان لامع على الحلبة الدولية». أمّا بالنسبة إلى الأسرى، فقال إنه «لم يجر نقاش عام في شأنهم، ولا أحد منّا يعلم، اليوم أيضاً، ما هو الثمن المقترح؟»، معتبراً أنه «حان الوقت كي يقول الجمهور كلمته في هذا الشأن». ويرى أنه «لا مصلحة لحماس في التوصّل إلى صفقة الآن. فهي تطالب بعدة أمور منذ البداية ولم تغير موقفها ولو مرة واحدة: انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، عدم استهداف قادتها، وقف الحرب، وإعمار القطاع». وأضاف أن «إسرائيل لا يمكنها الموافقة على جزء من مطالب حماس. فالموافقة تعني عودة حماس إلى اللعبة»، مستدركاً بأن إسرائيل وأميركا تعتقدان أنه في الإمكان إقناع «حماس»، لكن اعتقادهما «ليس منطقياً» لأنه «يناقض عقلية حماس، كونها حركة جهادية وملتزمة بالجهاد ضدّ اليهود». وفي سياق متّصل، قال مستشار الأمن القومي في «البيت الأبيض»، جيك سوليفان، أمس، إن موقف «حماس» من اقتراح التهدئة «أقلّ من مشجّع حتى الآن»، وأشار إلى أنه تحدّث مع رئيس وزراء قطر، «وطلبتُ الضغط على حماس لتقديم إجابة بشأن اقتراح صفقة الرهائن».