رام الله | من دون أن يحقّق أمنيته الأخيرة، والمتمثلة في احتضان ابنته ميلاد، وزوجته سناء سلامة، والحرّية التي انتظرها 38 عاماً، رحل وليد دقة. ومثل وليد، لا تزال أمنيات 251 أسيراً فلسطينيّاً حبيسة جدران الزنازين، أو أسقف غرف المسالخ التي تسمّى زوراً «مستشفيات»، بعدما استُشهد أصحابها مرضاً وتعباً وتعذيباً، منذ عام 1967.لن يكون دقة آخر شهداء الحركة الأسيرة؛ فالأسرى الذين يقبعون في صناديق الموت ويتعرّضون للتنكيل والتجويع والقهر والحرمان، تحوّلوا منذ السابع من أكتوبر إلى أهداف لآلة القتل والانتقام الإسرائيلية، والتي حصدت أرواح 14 منهم، بحسب ما هو موثّق، إضافة إلى عدد من أسرى قطاع غزة مجهولي المصير. ولم تكتفِ إسرائيل بحبس دقة، الذي كان من المفترض أن يكون حراً بعدما أنهى مدة محكوميته، ومدتها 37 عاماً، لتضيف إليها عامين أنهكت فيهما جسده وحرمته من العلاج بعد اكتشاف إصابته بمرض السرطان، وارتكبت بحقه جرائم طبيّة تكثّفت بعد السابع من أكتوبر، فيما تواصل الآن احتجاز جثمانه، إلى جانب 25 أسيراً استُشهدوا داخل السجون منذ عام 1980. وتدهور الوضع الصحي لدقة، منذ شهر آذار من العام الماضي، أي قبل ثلاثة أشهر من موعد تحريره، نتيجة إصابته بالتهاب رئوي حادّ، وقصور كلوي حادّ، إلى جانب سرطان التليف النقوي في 18 كانون الأول 2022، وهو سرطان نادر يصيب نخاع العظم، تطوّر من سرطان الدم الذي تمّ تشخيص إصابته به قبل نحو عشر سنوات، وتُرك من دون علاج جدي.
في شهر نيسان من العام الماضي، خضع دقة لعملية جراحية لاستئصال جزء من رئته اليمنى، ثم جرى نقله إلى «عيادة سجن الرملة». وفي 22 أيار، تدهورت حالته الصحية، فنُقل إلى مستشفى «أساف هاروفيه»، جرّاء معاناته من مضاعفات عملية الاستئصال، في ظل الاختناق التنفسي الشديد والتلوث. وبعد نقله إلى المستشفى، خضع لعملية قسطرة بسبب قصور ملحوظ في عضلة القلب، وبعدها بثلاثة أيام، أعادته سلطة السجون إلى «عيادة سجن الرملة»، ما تسبّب له بتدهور جديد، لينقل مجدّداً إلى «أساف هاروفيه»، ثم يعاد إلى «الرملة». وتعرّض دقة للتنكيل على خلفية إنتاجاته المعرفية بشكلٍ خاص، إذ سعت إدارة سجون الاحتلال إلى الاستيلاء على كتاباته وكتبه الخاصة، كما واجه العزل الانفرادي، والنقل التعسفي.
ما لا يقلّ عن 24 أسيراً مصابين بالسرطان يقبعون في سجون الاحتلال


وصعّدت سلطات السجون، منذ السابع من أكتوبر، جرائمها في حقّ الأسرى؛ إذ يقول بعض ممّن أفرج عنهم إن السلطات عمدت إلى وقف نقل المرضى الذين يحتاجون إلى متابعة صحية حثيثة إلى العيادات، كما ألغت عدداً من الفحوص لهؤلاء. وفي الاتجاه نفسه، أصدرت وزارة الصحة الإسرائيلية قراراً - بمباركة الطواقم الطبية - رفضت فيه استقبال بعض المستشفيات والأطباء للأسرى الفلسطينيين، فيما توقّفت إدارة السجون عن نقل هؤلاء إلى المستشفيات، إلا في حالات الخطورة الشديدة، ما فاقم معاناتهم، مع حرمانهم حتى من زيارة عيادة السجن. كذلك، يواجه الأسرى المرضى، كما بقية المعتقَلين، عمليات تجويع ممنهجة تمسّ بحياتهم بشكل مباشر، بينما تضيّق إدارة السجون، بشكل مضاعف، على عمل الطواقم القانونية في متابعة عددٍ من الملفات الطبية الخاصة بأسرى مصابين بأمراض مزمنة. أيضاً، تمّت مصادرة أجهزة طبية من بعض الأسرى، كالنظارات والعكازات، في حين يواجه مرضى السكري ومَن يحتاجون إلى أطعمة خاصة بسبب وضعهم الصحي، انتكاسات صعبة وخطيرة.
وإذ لا يوجد توثيق لأعداد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال، بالنظر إلى أنه لا متابعة طبية لهم، فإن ثمة ما لا يقلّ عن 24 أسيراً مصابين بالسرطان. كما أن هناك عشرات الأسرى الذي استشهدوا بعد الإفراج عنهم، فيما تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 700 أسير يعانون أمراضاً مختلفة، بينهم 200 مصابون بأمراض مزمنة تستدعي حالتهم المتابعة الدائمة. ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين أكثر من 9400، من بينهم 80 أسيرة على الأقلّ، وأكثر من 200 طفل، وأكثر من 3660 معتقلاً إدارياً، علماً أن هذه الأرقام لا تشمل معتقلي غزة كونهم لا يزالون رهن الإخفاء القسري.